تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الحريري يحشد في طرابلس لإذلال نجيب ميقاتي

 

محطة أخبار سورية

ولد أمس تيار مستقبل جديد، قادته أعضاء «لقاء القوى الإسلامية»، جمهوره يقفل الطرقات ليرفع صلاة المغرب، رايته سوداء كتب عليها لا إله إلا الله، وهتافه واحد «لا إله إلا الله.. ميقاتي عدو الله»

لم يكد ينتهي العمل من المدينة الأولمبية في مدينة طرابلس، حتى تحولت من مدينة رياضية إلى مدينة عسكرية، يستقر على مدرجاتها عديد الجيش ويخيم عتاده فوق عشبها اليابس. أما معرض رشيد كرامي الدولي فلا بركة للحركة التي تقتصر فيه على الاحتفالات الحزبية. وعلى جدران السرايا التي تكاد تكون المؤسسة الحيوية الوحيدة في المدينة، يرفع أحد أتباع المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي لافتات تبايع من يحفظ «كرامة أهل السنّة» وتعلن أن «السنّة كلها تنادي... الشيخ سعد زعيم بلادي»، مع الأخذ في الاعتبار أن الحكومات الحريرية التي يطالب أنصار ريفي بالتجديد لها، لم تقدم للعاصمة الثانية أو «مدينة المسلمين السنّة» كما يسميها النائب محمد كبارة، مشروعاً إنتاجياً واحداً. وليس في المدينة شاهد واحد على أيادٍ بيضاء للحريري الأب أو الابن إلا «حديقة الملك فهد». هذه المدينة ستكون المحك الأساسي لصمود الرئيس نجيب ميقاتي في وجه الحملة الشعبية التي بدأت أمس لحثه على الاعتذار عن التأليف.

 

الامتحان الأول

التجربة الأولى أمس في طرابلس تزامنت مع تحركات أخرى في صيدا وعكار وبلدتي مجدل عنجر والبيرة في البقاع، لكنها لم تكن موفقة، فطغى على التجمع الشبابي الطابع الإسلامي ولم يجد المحتشدون شيئاً يفعلونه سوى إقفال الطريق الدولية في ساحة النور وافتراش الأرض للصلاة، فيما كان قائدهم الثاني بعد النائب خالد ضاهر ـ النائب محمد كبارة ـ ينسخ عبر الهاتف من أحد مستشاريه ما يجب عليه قوله في مناسبة كهذه. وقد تكثفت الاجتماعات أمس في معراب وبيت الرئيس الحريري لتحديد أفق التحرك الشعبي. وفي ظل ثقة مسؤولي «المستقبل» بأن الجمهور مستعد لتحرك طويل الأمد، اتفق أمس على تجنيب المناطق المسيحية امتداداته في المرحلة الأولى. وقد بدأ مساء أمس اعتصام في وسط بيروت يفترض أن يُؤازَر باعتصامات ثابتة في مناطق أخرى، أهمها طرابلس التي ستشهد اليوم تجربة ثانية، عنوانها «يوم الغضب»، في ظل تأكيد خلدون الشريف ـ المقرب من الرئيس نجيب ميقاتي ـ أن «يوم الغضب» سيقابله قريباً «يوم البهجة» الشمالية بوصول طرابلسي إلى رئاسة الحكومة. ما يعني أن تيار المستقبل ينقل على سواعد الإسلاميين ومسؤوليه الجدد المشكلة السنّية ـ الشيعية إلى مناطق نفوذه المفترضة لتصبح مشكلة سنّية ـ سنّية.

 

صمود ميقاتي

وفي ظل رهان تيار «المستقبل» على تحول التحركات الاعتراضية إلى كرة ثلج، يبدو أن الأمر ليس بهذه السهولة شمالاً بعدما أحسنت المعارضة السابقة الاختيار. فالرئيس نجيب ميقاتي ليس بالشخصية الطرابلسية التي يسهل كسرها شعبياً، وذلك لعدة أسباب:

1 ـ قوته في الوسط الإسلامي بمشايخه وتياراته السلفية المتعددة. فأهل المدينة يعلمون أن الرئيس المكلف الجديد هو أكثر من بنى المساجد في تاريخ العاصمة الثانية، وبفضل أمواله يبقى الكثير من المدارس والجامعات الإسلامية على قيد الحياة. فضلاً عن مؤازرته الأوقاف الإسلامية «لتضمن كرم العيش لخطباء وخدم المساجد كافة». أما الأهم، فهو علاقته مع المفتي مالك الشعار الذي يحاول عشية انتخابات الإفتاء البقاء على مسافة واحدة من جميع الأفرقاء السياسيين. وقد تظهرت قوة ميقاتي في هذا الوسط عبر الاحتفال التكريمي قبل بضعة أسابيع الذي حضره أكثر من مئتي شيخ. ومثّل خطاب ميقاتي نقطة التحول العلنية الأولى. مع الأخذ في الاعتبار أن وسط الإسلاميين المقربين جداً من تيار المستقبل كبلال دقماق مثلاً، من أعلنوا أمس أنهم كانوا يفضلون الرئيس سعد الحريري، لكنهم يعتقدون أن ميقاتي«رجل جيّد».

2 ـ حضوره في المناطق الشعبية، سواء عبر مؤسساته الاجتماعية أو عبر احتضانه «قبضايات» هذه الأحياء. ومن باب التبانة إلى باب الرمل فغيرها من الأحياء الطرابلسية هناك إجماع على أن لحم أكتاف القبضايات من «الأستاذ نجيب».

3 ـ قربه من العائلات الطرابلسية التقليدية التي ترى، كما رجال الأعمال الأساسيون في المدينة، أن ميقاتي مرشحها. وتجدر الإشارة هنا إلى أن عضو كتلة المستقبل النائب سمير الجسر بحكم انتمائه إلى نادي العائلات هذا، مقرب جداً من الرئيس ميقاتي وبرغم حضوره التاريخي في تيار المستقبل سيكون محرجاً جداً في المشاركة بأي تحرك طرابلسي لمطالبة ميقاتي بالاعتذار عن التأليف.

 

ضعف «المستقبل» طرابلسياً

في المقابل، فإن حضور تيار «المستقبل» في المدينة التي يفترض أن يكون الضغط فيها استثنائياً لإسقاط ميقاتي، ضعيف جداً مقارنة بحضور المستقبل في مناطق أخرى مثل بيروت وصيدا وغيرها. فإضافة إلى الحرمان الرسمي الذي تعانيه المدينة، هناك زعامات تاريخية متجذرة فيها عجز تيار «المستقبل» في السنوات الخمس الماضية عن ابتلاعها أو ترهيبها. وأبرز الأدلة على حالة المستقبل المتردية في طرابلس مقارنة مع أقضية أخرى، اضطرار الرئيس الحريري عشية الانتخابات النيابية الأخيرة إلى زيارة الرئيس ميقاتي في منزله لإقناعه بتأليف لائحة ثلاثية الرؤوس تضم إضافة إلى الحريري وميقاتي، الوزير محمد الصفدي، عارضاً تقاسم المقاعد الثمانية مع الصفدي وميقاتي رغم رفضه المعلن الدخول في أية مفاوضات على الحصص ضمن الطائفة السنّية في مختلف المناطق اللبنانية. وبالرغم من ذلك، حصد النائب السابق جان عبيد، المرشح عن المقعد الماروني في مواجهة اللائحة الثلاثية، في «مدينة المسلمين السنّة»، أكثر من ثلاثين ألف صوت. وحين يتناقش الشماليون بشأن القوة الانتخابية الأولى في طرابلس، يقارنون بين الرئيسين عمر كرامي وميقاتي باعتبار أن أحدهما الأول والآخر الثاني، بينما ينافس تيار «المستقبل» في أفضل حالاته الوزير محمد الصفدي على الموقع الثالث. أما في الانتخابات البلدية الأخيرة، فاضطر الحريري مرة أخرى إلى التحالف مع القوى الطرابلسية كافة من موالاة ومعارضة، ومن ضمنها ميقاتي وكرامي والأحباش والمردة لتأليف لائحة توافقية.

وبعد إعلان رئيس المجلس البلدي نادر الغزال أمس إقفال البلدية اليوم تضامناً مع «يوم الغضب»، سارع تسعة أعضاء من المجلس البلدي إلى إصدار بيان باسم الفاعليات التي يمثلونها، يهنئون ميقاتي بالتكليف. وإضافة إلى حالة تيار «المستقبل» المتردية في طرابلس مقارنة مع مناطق نفوذ المستقبل الأخرى، يعاني التيار عدة مشاكل داخلية: أولها، الصراع على السلطة داخل التيار بين المقربين من النائب الجسر ومن يحسبون أنفسهم على النائب السابق مصطفى علوش. ثانيها، دخول أفرقاء جدد مثل النائبين محمد كبارة وخالد ضاهر وكنعان ناجي والعقيد المتقاعد عميد حمود وغيرهم من أنصار «عليَّ وعلى أعدائي» الذين علمتهم تجربة خالد ضاهر ِأن بإمكانهم شغل الكثير من الأماكن الشاغرة في تيار المستقبل وحول زعامة المستقبل، إذا أثبتوا أنهم «قبضايات» في الشارع. مع العلم بأن الأساس في تحرك الأمس شمالاً، سواء في عكار أو في طرابلس، كان خالد ضاهر الذي عرف كيف يوزع شبابه وأدار كالعادة غرفة العمليات، محسناً إشاعة أجواء توحي أن الشمال كله يحمل أحذيته ويتأهب لرشق الرئيس ميقاتي بنعالها، كما طلب ضاهر أول من أمس.

كل ذلك يؤكد للمقربين من ميقاتي أن المدينة التي ستحتضن احتجاجات الشماليين على قبول ابنها نجيب ميقاتي التكليف لتأليف الحكومة الجديدة ستراقب بمشايخها وعائلاتها وأحيائها الفقيرة، كما أمس من بعيد سواء المجموعات أو الحشود، مدركة بحسب أحد أطباء المدينة، أن معركة دعم ميقاتي لا إضعافه هي التي تعنيها، وسط رهان أنصار ميقاتي على رغبة المدينة التي خاضت الكثير من المعارك دفاعاً عن غيرها، في خوض معركتها الخاصة هذه المرة، دفاعاً عن حقها في رئاسة الحكومة.

 

اللحاق بنبض الشارع

ما إن تحرك بعض مناصري تيار المستقبل في الشمال والمناطق ونزلوا إلى الشارع، حتى تبدلت لهجة قيادة المستقبل. عبارات الإحباط تحولت إلى كلمات تحدٍّ: سنبقى في الشارع حتى نرغم نجيب ميقاتي على التراجع. وإذا نزل إلى طرابلس غداً (اليوم) أكثر من خمسين ألف شخص، فهذا يعني أن لا حسن نصر الله ولا غيره قادر على فرض مرشح لرئاسة الحكومة غير سعد الحريري، إذ إن إسقاط نجيب ميقاتي في مدينته سيعني أن لا مرشح للسنّة سوى الحريري.

وفيما يؤكد أحد نواب كتلة المستقبل أن تحرك النائبين محمد كبارة وخالد ضاهر في الشمال، ومفتي زحلة والبقاع خليل الميس، لم يكن مُنسَّقاً مع الرئيس سعد الحريري ولا مع المحيطين به في منزله بوادي أبو جميل، إلا أن اللقاءات تلت تحركات المناطق، فعقدت اجتماعات في وسط بيروت ومعراب، أدت إلى الاتفاق على اللحاق بـ«نبض الشارع». وقد قررت قيادتا المستقبل والقوات أن يكون التحرك الرئيسي اليوم في مدينة طرابلس، على أن يكون ثمة تحرك رمزي في وسط بيروت، «تمهيداً، ربما، لاعتصام مفتوح لا يُرفع سوى برحيل الرئيس نجيب ميقاتي». وأكد مصدر في تيار المستقبل لـ«الأخبار» أن أيّ خطة لم توضَع للتحرك، بل إن ما سيُعتَمد هو نسق «الكرة المتحركة». وبناءً على النتائج التي يحققها تحرك اليوم الأول، يُتّفق على تحرك اليوم التالي. في هذا الوقت أعدّ الجيش اللبناني خطّة انتشار، وعُلم أن قيادته تتعرّض لضغوط لعدم التدخّل ميدانياً.

وقد تجمع عدد من مناصري 14 آذار، وخاصة من القوات اللبنانية، في وسط بيروت أمس، قبل أن يُخلوا الساحة ليلاً، متفقين على التلاقي صباح اليوم في المكان ذاته.

وفي البقاع، قطع مناصرو تيّار المستقبل طريق شتورة ـــــ زحلة في بلدة تعلبايا، ورشقوا أفراد الجيش بالحجارة، الذين ردّوا بدورهم بإطلاق الرصاص في الهواء لتفريق المحتجين وفتح الطريق الدوليّ. كذلك أقدم عشرات الشبان على قطع طريق راشيا ـــــ المصنع في بلدة البيرة بالإطارات المطاطيّة المشتعلة، وعلى الفور تدخل الجيش لفتح الطريق. وقرب منسقية تيار المستقبل في جب جنين، تجمهر العشرات. وفي البقاع الأوسط، تجمهر بعض المستقبليين في حي البحصاصة في بلدة قب الياس. وكان مناصرو المستقبل قد أقدموا أيضاً على قطع طريق دمشق الدوليّ في مجدل عنجر، فيما عقد اجتماع موسع في منزل مفتي البقاع الأوسط الشيخ خليل الميس ضم رؤساء بلديات ومخاتير وشخصيات موالية للمستقبل، حيث اتّفق على تنفيذ إضراب عام اليوم.

ومن الطريق الجديدة، خرج مناصرون للمستقبل في منطقتي قصقص والمدينة الرياضية لقطع الطرق، قبل أن يتدخل مسؤولون من تيار المستقبل وقوة من الجيش لإعادة فتحها.

وفي صيدا، نظّم مناصرو تيار المستقبل مواكب سيارة وسط انتشار عسكري لوحدات من الجيش اللبناني. من كانوا في السيارات رفعوا صور الحريري الأب والابن، متوعّدين النائب وليد جنبلاط بـ«احتلال الجبل بنصف ساعة». وعلى الطريق الساحلي بين صيدا وبيروت، قُطع الطريق عند مفرق إقليم الخروب والناعمة بالإطارات المطاطية في الاتجاهين، قبل تدخل الجيش لإعادة فتحه. وفي عكار، انطلقت مواكب سيّارة من مراكز تيار المستقبل في العديد من البلدات قبل التجمع في ساحة حلبا.

(شارك في الإعداد: عبد الكافي الصمد، عفيف دياب، أسامة القادري، روبير عبدالله وخالد الغربي)

 

فشل الإعداد لإضراب تجاري

نأت الهيئات الاقتصادية بنفسها عن الصراع على السلطة الذي يخوضه رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، إذ رفضت الضغوط التي تُمارس على رؤسائها وأعضاء مجالس إداراتها لدفعهم إلى إعلان الإضراب ردّاً على إقصاء الحريري عن رئاسة الحكومة العتيدة.

وبحسب المعلومات، فقد تولّى عدد من الأشخاص، بينهم النائب غازي يوسف، الاتصال من منزل الرئيس الحريري بعدد من هؤلاء لدعوتهم إلى التحرّك اليوم، ولكن أكثرية الهيئات رفضت الاستجابة، فيما هيئات قليلة، منها جمعية الصناعيين، اكتفت بحضور وفود منها إلى منزل الحريري لإعلان تضامنها معه والاعتذار عن عدم المشاركة في الدعوة إلى أي إضراب.

إلا أن الضغوط لم تتوقّف طيلة يوم أمس، وقد نجحت مع بعض لجان التجّار في بيروت المحسوبة بالكامل على تيّار المستقبل، حيث عقد ممثّلو بعض هذه اللجان اجتماعاً في قصر قريطم ليلاً، واتفق المشاركون على استكمال الاتصالات اليوم لإقناع بقية اللجان والتجّار بالدعوة إلى الإضراب أو العدول نهائياً عن هذه الفكرة، بحسب ما أفادت به مصادر شاركت في الاجتماع.

وتقضي الخطّة المتفق عليها بالتركيز على أسواق محدّدة، ولا سيما مار الياس وعفيف الطيبي، بالتزامن مع التحرّكات الاحتجاجية المتوقّعة في الشارع.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.