تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

جنون «العقلاء»!

http://www.alwatan.sy/newsimg/2011-01-23/94501/ma_23024736.jpg

«الجنون هو أن تفعل الشيء نفسه المرة تلو الأخرى، وأن تتوقع الحصول على نتائج مختلفة». لا تكف هذه العبارة عن تذكيري بنفسها منذ أن سمعتها في فيلم المخرج البارز أوليفر ستون «وول ستريت- المال لا ينام»، على لسان رجل المال الفاسد غوردون جيكو، الذي أدى دوره باقتدار مايكل دوغلاس وشاركه البطولة شيا لبووف.
صحيح أن العبارة السابقة قيلت بصدد الحديث عن المال، لكنها في كل مرة تأخذني إلى السياسة، ربما لأن جل الحكام العرب ما زالوا يسوسون بلدانهم كما لو أن كل ما جرى، منذ اغتيال السادات، يؤكد صحة مقولته المشؤومة بشأن وجود 99% من أوراق القضية بيد أميركا، ذلك لأن جل حكامنا يتصرفون على أساس أن أميركا هي قدر العرب المحتوم الذي لا يحول ولا يزول ولا محيد عنه.
أعتقد أن أخطر ما جاء في تسريبات ويكيكليكس ليس المعلومات التي باح بها الساسة العرب للدبلوماسيين الأميركان، عن حقائق الوجوه الخبيئة تحت أقنعتهم، بل هو الطريقة التي مارسوا بها فعل البوح بحد ذاتها، فالسياسي العربي في جل الوثائق المسربة يتحدث للدبلوماسي الأميركي بـ«خُوشْبُوشِيَّة» عالية كما لو أنه صديقه الصدوق ومستودع أسراره المؤتمن.
أحسب أن أنبل تعريف للسياسة هو الذي قدمه أبو البقاء الكفومي في كتابه «الكليات» فهي برأيه: « استصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجي في العاجل والآجل، وتدبير المعاش مع العموم، على سنن العدل والاستقامة».
لكن الأمام محمد عبده يرى السياسة أنها: «محيط تحكمه الطموحات وأقدار القوة، لا قواعد الأخلاق والقانون» أما إيلي غيلبرستون فيصفها بأنها «اسم التحبب لقانون الغاب». ولعل أغرب وصف للسياسة هو الذي تفضل به رونالد ريغان، قبل أن يخرف طبعاً، فقد وصفها بأنها «ثاني أقدم مهنة في التاريخ» وأضاف مازحاً: «إنها تشارك المهنة الأولى أشنع صفاتها وخصائصها». إلا أن أدق تعريف واقعي للسياسة برأيي هو قول المنظر الألماني كارل شميت المولود في عام 1888 والمتوفى عام 1985: «إن السياسة هي فن التمييز بين العدو والصديق».
أقر أنني لست معجباً بماضي كارل شميت الملوث بالنازية، ولا يستهويني فكره خاصة قوله عام 1963: إن النازية «من أمراض الحداثة»، إلا أنني أجد تعريفه للسياسة أقرب للمنطق فمن لا يميز بين أصدقائه وأعدائه، يلغ مصالحه وكرامته الوطنية من خلال التملق للأقوياء باسم الصداقة، وكذلك حال جل الحكام العرب الذين يمارسون الجلوس على الكراسي فقط دون أن يمارسوا السياسة ودون أن يكون لهم أصدقاء! بعضهم يظنون أنهم بتملقهم لأميركا يرسخون وجودهم على الكراسي، وهؤلاء غافلون عن مصالح بلدانهم وعن طبيعة أميركا، فما أسهل أن تنفض أميركا يدها ممن يظنون أنفسهم «أصدقاء» لها! ومن لا يصدق ذلك فليسأل زين العابدين بن علي.
نعم «الجنون هو أن تفعل الشيء نفسه المرة تلو الأخرى، وأن تتوقع الحصول على نتائج مختلفة». والطريف في الأمر هو أن هذا هو جوهر ما يفعله ساستنا «العقلاء»!

 

حسن م. يوسف   

 

 



 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.