تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أين يقف سليمان من المقاومة وسورية والحريري؟

 

عماد مرمل - صحيفة "السفير"

ليس خافياً أن صلة المعارضة مع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان لم تنتظم بشكل ثابت، منذ انتخابه رئيساً للجمهورية في أيار 2008، وإن تكن نبرة التعبير عن هذا الخلل تتفاوت بين قوى المعارضة، حيث يبدو صوت رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون الأكثر ارتفاعا في انتقاد سلوك سليمان ومواقفه، بينما يميل «حزب الله» الى التحفظ وتزويد مآخذه بـ«كاتم للصوت» في معظم الاحيان لإدراكه أهمية بقاء العلاقة بين المقاومة ورئاسة الجمهورية بعيدة عن أضرار الاستهلاك السياسي اليومي، وهو نهج قائم منذ عهد الياس الهراوي ومن ثم اميل لحود، أما النائب سليمان فرنجية فهو يختار في العادة التوقيت الذي يلائمه لتفجير قنابله السياسية بوجه رئاسة الجمهورية أو لحمايتها اذا رأى الظرف مناسبا لذلك.

 

هذا التأرجح صعوداً وهبوطاً في «ضغط» العلاقة بين المعارضة ورئيس الجمهورية يدل بوضوح على أن هناك حلقة مفقودة في بنيانها الذي يبقى آيلاً الى الاهتزاز عند كل استحقاق، كما أظهرت التجارب المتلاحقة خلال السنوات الثلاث الماضية من عمر العهد.

 

وما يزيد في صعوبة الامر أن الطرفين يتجنبان حتى الآن الخوض في حوار صريح وشفاف، يعكس حقيقة الهواجس والمآخذ المتبادلة، بحيث إن كليهما ما زال يخفي في قلبه أكثر بكثير مما يفصح عنه أو يلمح اليه في العلن، الامر الذي أدى الى نمو تدريجي في ملف التراكمات العالقة... والى تراكم مناخ انعدام الثقة بين الطرفين، حيث بات كثيرون يرددون أن قلب الرئيس وعواطفه عند 14 آذار وأن الأمر الواقعي العقلاني والعملاني يجعله في الوسط.

 

ولعل جوهر الموضوع لدى المعارضة يكمن في أنها باتت تشعر بأن سليمان منحاز «فعلا» في خياراته الى فريق 14 آذار، وخاصة لما يطرحه رئيس الحكومة سعد الحريري وإن يكن يؤكد «قولا» وبصورة مستمرة أنه على مسافة واحدة من الجميع، ما يؤشر ـ برأيها ـ الى أن نظرية الرئيس التوافقي أصبحت تحتاج الى تدقيق، من أجل تبيان مدى مطابقتها للواقع السياسي في ضوء الكثير من الوقائع.

 

وما عزز «فرضية الانحياز» في أوساط المعارضة رفض رئيس الجمهورية السير في خيار التصويت على إحالة ملف شهود الزور الى المجلس العدلي، إضافة الى «الإحساس» السائد في تلك الاوساط بأن التزامه بخيار المقاومة أصبح يميل الى البرودة وان علاقته مع سوريا تفتقر الى الحرارة، وخير دليل ما كشفته وثائق «ويكيليكس» عما أفضى به مستشاروه الى موظفين في السفارة الأميركية في بيروت حيال نظرة رئيس الجمهورية للعلاقة الباردة مع الرئيس السوري وكيف ولدت الكيمياء مباشرة بينه وبين الرئيس الأميركي السابق جورج بوش... ناهيك عن تفاصيل أخرى تتعلق بسلوكه في الملفات التي تقع على تماس مباشر مع حسابات العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية داخل الدولة وفي الشارع المسيحي.

 

في المقابل، تعتبر شخصية سياسية بارزة، تربطها صلة وثيقة بسليمان، أن الكثير مما يقال ويشاع حول مواقفه هو نتاج «إنطباع خاطئ» تكوّن لدى المعارضة، بفعل تراكم مجموعة من العوامل، وبالتالي فإن هذا الانطباع ليس أداة قياس صالحة لمقاربة حقيقة موقع سليمان من الخيارات الاستراتيجية المتعلقة بالمقاومة والعلاقة مع سوريا... وبعض الملفات الداخلية.

 

تأسيساً على هذه القاعدة، تؤكد الشخصية البارزة أن سليمان لم ولن يتزحزح عن ثوابته الوطنية الكبرى، وعن دوره وموقعه التوافقيين، ولكن ليس مطلوباً منه في الوقت ذاته أن يقدم كل يوم شهادة حسن سلوك أو أن يخضع الى اختبارات سياسية دائمة، لافتة الانتباه الى أن للرئيس سليمان أسلوبه في نهاية المطاف، وهو ربما يكون في طبعه ميالاً الى نمط معين من التعبير، إلا ان ذلك لا يعني على الاطلاق انه بصدد التراجع عن خيارات وثوابت، يدرك جيدا استنادا الى تجارب هذا البلد وحقائقه الجيو- سياسية، انه لا يمكن العبث بها.

 

وتلفت الشخصية ذاتها الانتباه الى انه إذا كان البعض قد أخذ على سليمان أنه لم يتطرق مباشرة أو بشكل مستفيض الى المقاومة في خطاب عيد الاستقلال على سبيل المثال، فلماذا يتجاهل هذا البعض قوله في مرة سابقة إنه سيحفظ المقاومة برموش العين، إضافة الى تشديده المتجدد على أهمية دورها خلال الجولة التي قام بها في الجنوب منذ أيام قليلة.

 

وتشير الشخصية المقربة من سليمان الى أن هذا الموقف لرئيس الجمهورية ليس نابعاً من رغبة في المسايرة أو المهادنة، بل هو مستمد من قناعة راسخة لديه بصوابية ما يطرحه، معتبرة أن فهم جوهر توجهاته يستوجب العودة الى سيرته الشخصية ورصد تجربته في قيادة الجيش حيث كان على أتم التنسيق مع المقاومة التي تعرف ذلك جيدا، وهو لم يكن في هذا النهج ينشد نيل رضى المقاومة، بل كان بالدرجة الاولى منسجما مع نفسه.

 

وتقول تلك الشخصية إن سليمان يتمنى لو أن أصحاب الهواجس أو التساؤلات يصارحونه بها مباشرة حتى يناقشهم فيها ويجيبهم عليها، بدلا من أن تأتيه مداورة، لافتة الانتباه الى انه يصله بالتواتر أحيانا ان حزب الله معترض على بعض جوانب سياساته أو مرتاب فيها وفي خلفياتها ولكنه لا يتبلغ ذلك بوضوح من قيادات الحزب حين يلتقيها، كما أنه يسمع أحيانا من البعض ان دمشق مستاءة منه ولكنه لا يلمس ذلك عندما يلتقي القيادة السورية وهو على تواصل دائم مع الرئيس بشار الأسد.

 

أما في ما خص الشكوى من مسايرة رئيس الجمهورية لرئيس الحكومة سعد الحريري، فإن الشخصية المقربة من سليمان ترى ان واقع الحال ليس على هذا النحو الذي يراد منه تشويه الحقيقة، مشيرة الى ان من واجبه أصلا ان يحرص على ان تكون علاقته مع رئيس مجلس الوزراء جيدة، كما مع رئيس المجلس النيابي من موقعه كراع للعلاقات المتوازنة والمتعاونة بين السلطات، بما يضمن حسن تسيير شؤون الدولة والمواطنين، وبالتالي فإن القاعدة البديهية هي التعاون لا التصادم، إلا ان ذلك لا يعني ان رئيس الجمهورية يتهرب من اتخاذ موقف حازم عندما تدعو الحاجة وهو سلك هذا المنحى أكثر من مرة.

 

وتكشف الشخصية البارزة في هذا السياق عن أن سليمان احترم إلحاح الحريري على عقد جلسة لمجلس الوزراء مؤخرا ولكنه رفض التجاوب مع رغبته في وضع ملف شهود الزور في أسفل جدول الاعمال، وهو نصح الحريري بقبول إدراجه كبند أول لئلا يضطر أمام الوزراء الى «ترفيعه» من تحت الى فوق، الامر الذي لن يكون لائقا له كرئيس للحكومة، وهكذا نجح رئيس الجمهورية في إبقاء هذا البند على رأس جدول الاعمال.

 

وبالنسبة الى رفض سليمان التصويت على ملف شهود الزور، تعتبر الشخصية المنضوية في فريقه السياسي أنه ليس من مصلحة المعارضة في الاساس طرحه على التصويت في مجلس الوزراء، لأن من شأن ذلك «إحراق» هذه الورقة سواء تمت الإحالة الى المجلس العدلي ام لا، في حين أن بقاء هذا الملف بندا حيا أو معلقا سيبقيه ورقة قوية على طاولة التفاوض حول التسوية.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.