تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

فورد في سورية: سفيراً لواشنطن وليس لدمشق!؟

خاص/ محطة أخبار سورية

 

 

بعد غياب دام قرابة الست سنوات، عيّن الرئيس الأمريكي باراك أوباما روبرت فورد سفيراً جديداً للولايات المتحدة لدى سورية في مرسوم صدر عن البيت الأبيض، متجاوزا مجلس الشيوخ. وقد أثار هذا التعيين كثيرا من الاهتمام والتحليلات بين مؤيدين ومعارضين، وآخرين يشعرون أن مصالحهم ربما قد تضررت فحاولوا الاصطياد في الماء العكر.

المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية كاثرين فان دي فيت أكدت ما هو مؤكد ومنطقي ومعروف في العُرف الدبلوماسي وهو أن وجود ممثل رفيع المستوى للولايات المتحدة في دمشق سيعزز "مصالح الولايات المتحدة وأمنها في منطقة الشرق الأوسط"، وأن عدم وجود سفير أمريكي في سورية "لا يخدم أي غرض سوى إلحاق الضرر بمصالح الولايات المتحدة الكبيرة في دمشق وعبر الشرق الأوسط"، (الخليج 1/1/2011). ومن البديهي أن مهمة أي سفير لأي دولة لدى دولة أخرى هي حماية مصالح بلاده. ولكن عندما يكون الحديث عن سورية، يكون للكلام وقع آخر، لأن أهمية هذا السفير أنه في دمشق، ويأتي بعد انقطاع، وهذا ما جعل تعيينه يحظى بكثير من الاهتمام!

لكن اللافت في تصريح فان دي فيت هو حديثها عن  أن إعادة السفير إلى دمشق "يجب أن لا يُنظر إليها على أنها مكافأة للحكومة السورية". وما يدعو للاستغراب هو؛ مَن سينظر إلى إعادة السفير الأمريكي إلى دمشق على أنها مكافأة للحكومة السورية؟؟؟ لان  هذا الكلام يحمل احتمالين:

أولهما، أن الحكومة السورية قدمت للولايات المتحدة ما هي تستحق المكافأة عليه وهي تنتظر هذه المكافأة. بمعنى أن المكافأة تكون على عمل منجز في السابق وليست لعمل سيتم القيام به وهذا أمر مشكوك فيه بالمطلق. وإذا كان ذلك صحيحاً، فما هو هذا الشيء الذي قدمته سورية، ولماذا لا تقدم الولايات المتحدة فعلاً شيئاً مهماً ـ ربما أكثر من إعادة السفير ألأمريكي لسورية ـ مقابل ما قدمته الحكومة السورية. فإعادة السفير لايمكن اعتبارها مكافأة بأي حال ولا حتى "جزرة" صغيرة، وفق هذا المنطق..

ثانياً، أن لا تكون الحكومة السورية قد قدمت أي شيء للولايات المتحدة، وهذا هو المرجّح، وبالتالي لا تجد الولايات المتحدة مبرراً لتقديم مكافأة لسورية.. وتبقى عودة السفير الأمريكي، كالعادة، لخدمة المصالح الأمريكية في المنطقة وللضغط على سورية كما عبّرت فان دي فيت عبر تحسين "قدرة الولايات المتحدة على تقديم رسائل قوية للحكومة السورية".  وفي هذه الحالة، فان المنطق يقول أنه لا يمكن لسورية أن تعتبر تعيين السفير فورد مكافأة لها ، وتكون الولايات المتحدة، التي أضاعت أعواماً عدة في محاولة فرض  العزلة على دمشق ، قد عادت إلى المربع الأول، للتحاور مع سورية والتعامل معها إقراراً بأهمية دورها في المنطقة والحاجة إليه لحلّ مشاكلها المعقدة.

وبالطبع، هذا هو المنطق السليم والمقبول للأشياء. فالحوار هو أساس العلاقات بين الدول وهو الطريقة المتحضرة لحلّ الخلافات.. والحوار يكون بين أصحاب المواقف المتباعدة وليس بين الأصدقاء.. والولايات المتحدة لديها العديد من السفراء في بلدان عديدة في العالم ، و علاقاتها ليست جيدة مع  جميع هذه البلدان، فلماذا تشذّ سورية عن القاعدة، إن لم يكن خلف الأكمة ما خلفها!؟

البعض تحدّث عن الملفات العالقة بين سورية والولايات المتحدة، وقال إن سورية لم تغيّر مواقفها من هذه الملفات ـ مثل دعم المقاومة في لبنان وفلسطين والعلاقات الإستراتيجية، مع إيران ـ وإن عودة السفير الأمريكي إلى دمشق هي للضغط باتجاه تغيير أو تعديل مواقف سورية، تحت ذريعة أن الولايات المتحدة قامت بما عليها، وعلى سورية أن تقوم بالمثل..

وإذ نرى أن هذا الرأي يناقض أولاً الكلام عن "المكافأة"، ويؤكد  ما رجحناه  وهو أن سورية لم تقدّم شيئاً، نرى أيضاً، أنه من السطحية والسّذاجة إن لم نقل أكثر من ذلك، أن يفكّر البعض بهذه الطريقة (أو ربما هو ما يتمنّونwishful Thinking)، لأن هؤلاء ـ على ما يبدو ـ لا يعرفون أن سورية التي أمضت كلّ هذه الأعوام في مثابرتها على مواقفها، والتي تحملت الكثير من الضغوط وواجهت العديد من التحديات، لن تغيّر مواقفها الآن لمجرد أن الولايات المتحدة قررت إعادة سفيرها إلى دمشق، خصوصاً، بعدما بدأت عاصمة الأمويين تحصد نتائج صمودها وصلابة مواقفها، وبعدما تبيّن لها صحّة هذه المواقف الوطنية والقومية التي نالت تأييد الشعوب العربية والإسلامية وتفهّم طيف واسع من شعوب العالم، وبعدما أقامت شبكة واسعة من العلاقات الإقليمية والدولية الواعدة...

أمر أخر، يجب الانتباه إليه، وهو قول السفيرة الأميركية في لبنان مورا كونيللي إن تعيين روبرت فورد في سورية "لن يكون على حساب لبنان... وإنّ أي خطوة تتخذ مع سورية لن تكون على حساب لبنان" (الرياض1/1/2011)، للرد عليه، وللتأكيد أن سورية لم تقبل يوماً ولن تقبل حالياً ولا في المستقبل، أن تكون علاقاتها مع أي دولة أخرى على حساب علاقاتها العربية أو على حساب دولة عربية، فلماذا يتم بيع لبنان من رصيده أو من رصيد سورية، أو من رصيد العلاقات السورية ـ اللبنانية؟؟

ومما يعيدنا إلى التناقض، أن بعض وسائل الإعلام سارع إلى تجاوز التصريحات الأمريكية وعاد إلى نغمة المطالب الأمريكية من سورية. وتناسى هؤلاء، عن عمد أيضاً، وبغية التشويش على الخطوة الأمريكية وتفريغها من أي معطى إيجابي، أن لسورية أيضا  مطالب من الإدارة الأمريكية (التي تدعم إسرائيل بكلّ أنواع الدعم والأسلحة مما يمكّن الأخيرة من الاستمرار في احتلال الأراضي السورية والعربية في الجولان وفلسطين وجنوب لبنان)، اضافة الى  مطالب في السياسة والاقتصاد وغيره من المجالات.. ولو أسقطت سورية مطالبها ومصالحها وأذعنت للمطالب الأمريكية وقبلت الإملاءات قبل حين، لما سُحِبت السفيرة الأمريكية السابقة مارغريت سكوبي من دمشق!!

مهما يكن، فمن المؤكد ان خطوة إعادة السفير الأمريكي إلى سورية بعد غياب طويل، هي خطوة بالاتجاه الصحيح، وربما تعبّر عن حسن النيّة، واستكمالها يكون بأن يعمل السفير فورد، وفق عقلية الإدارة الأمريكية الجديدة وما صرّح به الرئيس أوباما و"أعلنه على الأقل"؛ أي عبر الاعتماد على الحوار والتفاهم لحلّ المشكلات القائمة وبما يخدم مصالح البلدين، وليس عبر "أسلوب" الإملاءات والضغوط وتوجيه الرسائل التي يعرف سلفاً الجواب عليه ، وهو الأسلوب الذي رُفض لأعوام طويلة و ثبت عقمه وفشله ولم يؤد إلى أي نتيجة إيجابية..

وبالخلاصة ليست الحاجة السورية للتعاون مع الولايات المتحدة أحادية الجانب، أو أكبر من الحاجة الأمريكية لمثل هذا التعاون، الذي يخدم مصالح البلدين والمنطقة وعملية السلام ويعزز الاستقرار والأمن الإقليميين.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.