تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تقسيم السودان مستمر.. مَن التالي؟؟

"كشفت تقارير بثها موقع ديبكا الإسرائيلي أمس نقلاً عن مصادر استخباراتية افريقية وجود نشاط وتعاون محموم بين أجهزة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية والفرنسية، لتنفيذ مخطط يهدف إلى تقسيم السودان إلى ثلاث دويلات، (دولة السودان الإسلامية، ودولة دارفور، ودولة في الجنوب). وأشارت إلى أن أجهزة المخابرات المذكورة تعمل حاليا على تفكيك السلطة المركزية عبر عملاء داخليين وحركات متمردة" (الخليج 20/10/2010).

بالتأكيد لا يمكن تكذيب الخبر لأن ما يجري على أرض الواقع يؤكد أن الأمور تسير باتجاه أبعد وأسوأ من ذلك.. فقد بدأ العمل الدولي والغربي تحديداً، على تقسيم السودان منذ عشرات الأعوام عبر طرق ووسائل مختلفة، أهمها إثارة الخلافات التي وصلت حدّ التقاتل بين أبنائه ومكونات شعبه وخاصة بين جنوبه وشماله.

وسيلة أخرى تم اعتمادها مؤخراً هي الضغط على الحكومة السودانية المركزية وعلى الرئيس السوداني عمر البشير شخصياً عبر اتهامه بجرائم حرب وإبادة لإخضاعه.. إحدى طرق تثبيت التقسيم هي ترسيم الحدود التي تم تنفيذ 80% منها.. كذلك يتم التركيز في الأمم المتحدة على "الاستفتاء" الذي سيجري لاحقا في التاسع من كانون الثاني المقبل حول مصير الجنوب.. لكن التحريض الغربي والمغريات على الانفصال أشد بكثير من التأكيد على بقاء السودان موحداً والذي لا أحد يطالب به جدياً ويسعى إليه عملياً..

الحرص الغربي على الاستفتاء مفهوم السبب؛ لأنه سيؤمن انفصال الجنوب. ولذلك يجري التصعيد والحديث عن مخاطر تأخير هذا الاستفتاء عبر التحذير من الاستعدادات للحرب وشراء الأسلحة وإنه يجري نشر قوات على جانبي الحدود بين الشمال والجنوب، والتي لم تعلن رسمياً حتى الآن.

الحديث الآن عن إنشاء منطقة عازلة بعرض /16/ كم. وعادة لا تكون المناطق العازلة داخل وطن واحد أو حتى بين جارين صديقين.. إذن المطلوب عدم العودة إلى الوراء، والبقاء على السودان موحداً يبدو مستحيلاً، وربما حتى لو حاول السودانيون البقاء ضمن دولة واحدة لاجتمعت الدول الكبرى تحت مظلة الأمم المتحدة وأصدرت قراراً بتقسيم السودان لأن وحدته قد "تهدد السلم والأمن الدوليين"، مَن يدري؟؟ وفي هذا السياق، يأتي تصريح وكيل الأمين العام لعمليات حفظ السلام آلان روا قبل أيام أن الأمم المتحدة ستقوم بإعادة نشر قواتها التي تفوق عشرة آلاف في بعض «المناطق الساخنة» بين الشمال والجنوب تحسباً لاحتمال اندلاع عنف.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، قال في مراكش إن «الاستفتاءين حول تقرير المصير في جنوب السودان ووضع آبيي اللذين سيجريان بعد أقل من ثلاثة أشهر» يحملان «رهانات كبيرة.. والرهانات مهمة بالنسبة الى السودان ... وإفريقيا... والمجموعة الدولية». وخلص الى القول «يجب ان نساعد السودانيين على إيجاد وسيلة سلمية للتفاوض حول واحدة من أهم محطات تاريخهم»، مؤكدا أن «خيار الشعب سيحترم»، (السفير18/10/2010).

ليته يتم حقاً احترام خيار الشعوب، ليس في السودان فحسب بل في كل مناطق العالم.. لكن ليس المطلوب تقسيم السودان فقط، بل المطلوب ان تكون الدولتان الجديدان أو الدول الثلاثة الجديدة.. في حالة صراع ونزاع وقتال على الحدود والموارد والثروات النفطية والمياه والدين والمذاهب وغيرها مما سيتم اختراعه من مشاكل لتأجيج الصراع وسهولة السيطرة..

إسرائيل فرحة بالطبع بالتوائم الجديدة لأنها "القابلة" التي تساهم في خروجها إلى الحياة.. ولأنها تعلم أن أحد أهم القرارات التي ستتخذها قيادة الدولة الموعودة في جنوب السودان سيكون بإقامة علاقات دبلوماسية معها تؤمن لها محطة أكثر اتساعاً في القارة الإفريقية، تقع على "ضفة النيل" وتتحكم بمفاصل مهمة في القارة السمراء، تساعد إسرائيل على ممارسة كل أنواع التوتير وخلق المشاكل وبيع الأسلحة واستغلال الثروات لمصلحتها، والتضييق على العرب ولاسيما محاربة مصر باستخدام مياه النيل..

وحدهم العرب غير مبالين. يفتحون أفواههم ويتثاءبون..ينامون على فراش الكسل والتلهي ويلوكون الهواء.. لم يقدموا مساعدات لتحسين أوضاع هذا البلد العربي الواسع المترامي الأطراف.. لم يقدموا مبادرات لوقف الحرب الأهلية فيه.. لم يقوموا بأي استثمارات في السودان الغني بموارده وأرضه.. الفقير بخبراته وقدراته على استغلال هذا الثروات.

العرب مشغولون بهمومهم.. بمتابعة أخبار الرياضة العالمية.. بإنشاء قنوات رياضية وفنية وترفيهية للتخفيف عن المواطن العربي الذي تعب من كثرة الخمول والنوم والذي بات مطالباً بأن يتعلم أن الحديث عن المقاومة يقارب الكفر وان التفكير بالوحدة العربية يعتبر مسّاً أصاب العقول، وأن التنسيق العربي عبثيٌ ويمثل ضرباً من المستحيل..

سَكَتَ العربُ على تقسيم السودان ولم يقوموا بأي مبادرة.. سكتوا قبل ذلك على تقسيم فلسطين.. وسكتوا على أشياء أخرى كثيرة، وسيسكتون على أشياء أخرى قادمة ليس آخرها تقسيم السودان.. وربما اليمن وقد استعرت فيه الحرب الأهلية.. وربما العراق طالما أنه ليس هناك من يمنع الفرعون عن فرعنته..

استنزاف الأمة العربية متواصل بكل صوره.. ومَن يقلْ واحد، يقل اثنان ويقل ثلاثة ويقل "اثنان وعشرين" وأكثر.. ومن يحني ظهره لا يحق له أن يلومَ الآخرين إذا ركبوا عليه أو حتى ان يستغرب ذلك..

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.