تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

متع الأغنياء.. جوع عند الفقراء..

خاص/ محطة أخبار سورية

 

أظهرت أرقام صادرة عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) أن عدد الجياع في العالم وصل إلى نحو مليار شخص، معظمهم أطفال في أفريقيا وآسيا. وحذر تقرير المؤشر العالمي للجوع من معدلات وصفها بالمقلقة في 25 دولة.

وعزت المتحدثة الإقليمية باسم برنامج الغذاء العالمي عبير عطيفة أسباب وصول عدد جياع العالم إلى نحو مليار شخص إلى عدة عوامل، منها العوامل المناخية التي تجتاح العالم وقلة الاستثمار في الأمن الغذائي وارتفاع معدلات الفقر.. وكذلك الكوارث الطبيعية مثل فيضانات باكستان المدمرة وزلزال هايتي، إضافة إلى حالة الجفاف والتصحر التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط والقارة الأفريقية (قناة الجزيرة 16/10/2010).

الخبر لافت جداً، لأن عدد الجياع إلى ارتفاع، ولأن الأسباب التي ذكرت لزيادة عدد الجياع تغفل الأسباب الحقيقة المسببة للجوع في العالم.

فقبل 1400 عام قال الرسول العربي الكريم محمد (ص) "ما أمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به". وببسيط العبارة، ربط النبي الكريم الإيمان وصحته وتمامه وكماله بأن يعامل الإنسان أخيه الإنسان كما يحب أن يعامله هو وأن يساويه بنفسه. فالدعوة اقتصادياً، موجهة لمن لديه السعةَ في المال إلى الرأفة بأهل الفقر والحاجة والبؤساء لأن البلاء إذا اشتدَّ سيصيبُ الجميع والغني والفقير على السواء. بمعنى أخر، يحضّ الحديث الشريف على الإيثار والغيرية والابتعاد عن الأنانية وحب الذات وتفضيلها على الآخرين.

ومما قاله الخليفة الرابع الإمام علي بن أبي طالب (ك) قبل 1400 عام أيضاً، أنه: "ما جاع فقير إلا بما متّع به غني"، وهو جسّد بذلك نظرية الاقتصاد الإسلامي. ولهذا فإن العدالة الاجتماعية في الإسلام تركّز على التنمية، وفي الوقت نفسه تركز على "توزيع الثروات" بين الناس، بصرف النظر عن دينهم ولونهم وجنسهم. أما ما يحدث من خلل في توزيع الثروات والخيرات بين المسلمين في الوقت الحالي، فأمر آخر ولا علاقة له بالإسلام.

وفي السياق، يبدو أن المذاهب الاقتصادية الرائجة أعجز ما تكون عن امتلاك "الكفاءة التوزيعية" التي تضمن رفاه المجتمع وسعادة الجميع. وهي أنظمة ابتدعها الأغنياء والأقوياء لخدمة مصالحهم وزيادة ثرواتهم ولم تقترن يوماً بالرفاه الاجتماعي العام.

وبكلام آخر، ورداً على كلام عبير عطيفة فإن الفقر والحرمان ليسا نابعين من الطبيعة نفسها وليسا كذلك بسبب تغيرات المناخ التي أيضاً الإنسان أهم أسبابها، وإنما نتيجة "لسوء" التوزيع والانحراف عن العلاقات الصالحة التي يجب أن تربط الأغنياء بالفقراء وأفراد المجتمع جميعهم ببعضهم.

لم تذكر عطيفة مثلاً الحروب التي تدور رحاها في أرجاء العالم ودورها كسبب من أسباب الفقر.. ولم تذكر جشع الشركات الاحتكارية الغربية الهائل التي تريد ان تلتهم كل شيء.. ولم تقل إن سبب "قلة الاستثمار في الأمن الغذائي" هو رغبة بعض الدول الغربية بإبقاء بعض أجزاء العالم فقيرة تعاني الجوع حتى الموت.. وتفضل بدل الاستثمار في مشاريع تؤمّن الغذاء، بالاستثمار في مشاريع تحقق التفوق العسكري أو الذري أو التدميري وليس التنموي.. أو أن أحد أسباب الجوع في العالم هو الجشع الغربي والاستبداد الغربي والاستعمار والاستغلال الغربيين لدول العالم الأخرى..

ولكن، إذا كان ممكناً تفهّم ألا يبالي الغرب تجاه تزايد عدد الجياع في العالم إلا من خلال إعلانات تلفزيونية أو مساعدات شكلية دعائية، فإن المستغرب هو ألا يبالي العالم المسلم تجاه جياع المسلمين. والمستغرب أيضاً أن الكثيرين في العالم الإسلامي يزيدون ثرواتهم على حساب شعوب هذا العالم وأمنه وقوته ورفاهه مما يخالف كل تعاليم الدين الإسلامي الذي يدّعي هؤلاء تمسكهم بها، ويخالف أساس الإيمان أصلاً. والمستغرب أيضاً ألا يتم الاستثمار في دول العالم الإسلامي ومناطقه الفقيرة لتحسين حياة شعوبها وزيادة نموها وتطويرها..

إذا تناولنا موضوع الفقر في العالم الإسلامي من الناحية الدينية فنحن كمسلمين مقصّرين، وإذا تناولنا الموضوع من ناحية تنموية، فنحن مقصّرين أيضا، وإذا أخذنا الموضوع من نواحي اقتصادية وسياسية واجتماعية فنحن كأمة إسلامية مقصّرين..

هل يصحّ إيماننا بعد كل هذا؟؟؟

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.