تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

سورية .. الموقف الثابت والصمود في وجه الاعصار

حاولوا عزلتها على مدار السنوات الماضية، وشنوا حملات شعواء عليها، ونسبوا إتهامات مفبركة باطلة إليها، وحاولوا شق وحدتها الوطنية... ولكنهم في نهاية المطاف فشلوا فشلاً ذريعاً، وادركوا أنهم ساروا على الدرب الخاطىء، وأن سورية أكبر من كل هذه المحاولات اليائسة، وأنها أعظم بكثير مما كانوا يتوقعون..

تعود سورية إلى الساحة الدولية بقوة، ولم تغب عنها، ولم تضعف أمام الرياح السياسية العاتية التي عصفت بالمنطقة، بل واجهت هذه الرياح بكل قوة وصلابة، ورفضت كل محاولات الترغيب والترهيب، وبقيت متمسكة بثوابتها ومواقفها الوطنية رغم ما دفعته من ثمن لهذا الموقف المشرف الجبار.

ها هي سورية تعود لقيادة العالم العربي مجدداً، وها هم من كانوا بالأمس يحاربونها ويعادونها ويشنون الحملات عليها، ويحاولون ضربها، يحجون اليوم إلى دمشق طالبين الصفح عن أخطائهم وعمّا ارتكبوه من ظلم ضدها.. وها هم يعترفون مجدداً ويدركون ويستوعبون أن سورية جزء من المنطقة، جزء من الحل، ولها الدور الفعال والقوي في المنطقة، ومن يتغاضى عن هذا الدور، يؤكد للعالم أنه مخطىء وأنه لا يقرأ أو يفهم المنطقة جيداً..

الرئيس الفرنسي نيقولا ساركوزي عين السفير الفرنسي المخضرم وصاحب التجربة السياسية الكبيرة جان كلود كوسوران مبعوثاً خاصاً له لإجراء الاتصالات من أجل إحياء التفاوض على المسار السوري. وقام كوسوران بزيارة دمشق والتقى الرئيس بشار الأسد الذي أكد له ترحيبه بكل جهد يبذل من أجل تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة، والذي يتطلب إنهاء اسرائيل احتلالها للأراضي العربية المحتلة منذ حزيران 1967. وأكد تمسكه بمشاركة تركيا في مثل هذه الاتصالات أو في أية رعاية لأي تفاوض مستقبلي لأن تركيا تقف موقفاً مشرفاً في هذا المجال، وهي التي حاولت قدر المستطاع إحياء هذا المسار من خلال رعايتها للمفاوضات غير المباشرة التي جرت في عام 2008 وتوقفت مع شن الهجوم الاسرائيلي الأرعن على قطاع غزة، مؤكداً أن سورية وفية لأصدقائها، وستبقى على علاقة جيدة معهم، ولن تتخلى عنهم ما داموا يقفون إلى جانبها وإلى جانب الحق والعدالة... وتحقيق الاستقرار في المنطقة.

الرئيس الاميركي باراك اوباما يدرك أهمية الدور السوري في المنطقة، ويعلم أن لا استقرار من دون سورية، وأن الرئيس الأسد حكيم، ويدير النشاط السياسي بصورة جيدة، لذلك بدأ بتحسين العلاقات السورية الاميركية، ولكن بوتيرة بطيئة وهادئة جداً، وها هي وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تلتقي وزير الخارجية وليد المعلم، وتبحث معه سبل احياء المسار السوري. وقد أكد المعلم أن المشكلة لم تأتِ من الجانب السوري، بل هي آتية دائماً من تعنت الموقف الاسرائيلي ورفضه لتنفيذه استحقاقات السلام بإنهاء احتلاله للجولان وجميع الأراضي العربية المحتلة. وأسفر اللقاء عن اتفاق لمواصلة الاتصالات وتكثيفها من أجل كسر الجمود على المسار السوري.

الرئيس الأسد قالها وأكثر من مرة أنه لن يسمح بأن تكون عملية إحياء التفاوض على المسار السوري على حساب الجانب الفلسطيني، بل هو يدرك أن أي انطلاقة أو إحراز أي تقدم سياسي على المسار السوري سيخدم القضية الفلسطينية وسيكون تعزيزاً لمواقف القيادة الفلسطينية المطالبة بالحقوق المشروعة الكاملة للشعب الفلسطيني.

الرئيس الأسد يعني ما يقول، وينفذ ويطبق ما يعد به لأنه مسؤول، وأمين لمسؤولياته، ويتحملها بكل جدارة وحنكة وقدرة، فهو الذي استطاع أن يواجه الأعاصير السياسية العاتية والخطيرة، وقاد سورية إلى بر الأمان، وأفشل كل تمنيات الأعداء، وكل مخططاتهم... وأثبت أن سورية عظيمة بشعبها، وكبيرة بقيادتها الحكيمة الرزينة، وأن الأيادي التي تمتد إليها تقطع فوراً لأن الصخرة السورية صلبة وستبقى كذلك وإلى الأبد.

الدبلوماسية السورية ناجحة إلى أبعد الحدود، وهي التي تعمل بكل جدية من أجل رفع شأن سورية على الساحة الدولية بتوجيهات من الرئيس الأسد، وحققت هذه الدبلوماسية العديد من النجاحات، وها هي النجاحات بارزة من خلال زيارات كبار المسؤولين في العالم الى سورية للقاء الرئيس بشار الأسد. وها هو العالم كله يطلب "رضى" سورية إذا أراد أي شيء من منطقة الشرق الأوسط.. حتى أن الوحدة في لبنان لم تتحقق إلا بعد التعاون اللبناني السوري المشترك.

إن من يحاول تجاوز سورية يعني أنه يتجاوز المنطقة بأكملها، ويعني أنه سيفشل. ومن هنا يمكن القول والاستنتاج أن أي حل لقضية الشرق الأوسط من دون أن تكون سورية طرفاً فيه أو جزءاً منه يبقى حلاً مؤقتاً وهشاً، وضعيفاً.. وهذا ما استوعبه الكثير من قادة العالم، ما عدا قادة اسرائيل الذين يعرفون الحقيقة، ولكنهم يحاولون التهرب أو الهروب منها.

المسار السوري لم ولن يتم استئنافه إلا إذا التزمت اسرائيل أولاً وأخيراً بمبداً الانسحاب الكامل من الاراضي السورية المحتلة منذ حزيران 1967، ولن تكون هناك مفاوضات من أجل المفاوضات، وسورية تصر على مفاوضات تنهي الاحتلال وفي أسرع وقت ممكن.

من هنا ندرك أن استئناف التفاوض على هذا المسار أمر مستحيل حالياً لأن اسرائيل غير مستعدة لدفع استحقاقات السلام. وهذا لا يعني أن سورية ستنتظر إلى الأبد استعداد اسرائيل لدفع هذه الاستحقاقات إذ لديها الطرق الكفيلة بإجبار اسرائيل على انهاء احتلالها للاراضي المحتلة منذ حزيران 1967.

للصبر حدود، لذلك فإن المجتمع الدولي مطالب بالتحرك الجاد واجبار اسرائيل على أن تكون تحت القانون الدولي وليس فوقه.. لاجبارها على الجنوح للسلام وبأسرع وقت ممكن

 

                                                                                     ** جاك خزمو

                                                                        رئيس تحرير مجلة البيادر السياسي

                                                                                     القدس الشريف

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.