تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

في لبنان.. كل شيء حمّال أوجه!!

لبنان دولة صغيرة بمساحتها وعدد سكانها ولكن ليس بأهمية موقعها الجيوسياسي في قلب الشرق الأوسط الملتهب دائماً.. واللبنانيون يدركون هذه الأهمية ويستغلونها لدرجة تكاد تحرق البلد.. وهم شعب حيوي وديناميكي متعدد الطوائف والقناعات ولاسيما في الخارج، حيث يلعب اللبنانيون المغتربون دوراً كبيراً في بناء الحضارة العالمية وقد بدأت الهجرات الاغترابية الأولى الى العالم الجديد من قارة أمريكا ربما منذ السنوات الأولى لاكتشافها.

وإحدى إبداعات اللبنانيين تتجلى في صناعة الكلمة؛ الكلمة الحلوة في الشعر والغناء والموسيقا.. والكلمة القاسية في التهكم والتهجم والعداء والقدح والذّم. إذا أحبّ اللبنانيون أحداً ما وتقاطعت مصالحهم مع مصالحه رفعوه إلى السماء وحجبوا عنه كل مذمّة أو صفة سوء وكأنهم يريدون تأليهه.. لا يعرف من يقعُ عليه الحب من أين تُسبغ عليه الصفات الحميدة ومن أين تأتيه الابتسامات ولايجد وقتاً لتلبية دعوات الغذاء والعشاء ولا مكاناً لحفظ التحف والهدايا. أما إذا أصاب الكره اللبناني أحداً آخر، فالويل له؛ تقوم الدنيا ولا تقعد ويصبح مسؤولاً عن كلّ مشاكل الكون وعن أمراضه وفقره وأمواته ونكباته وتغيّر مناخه وكل التحديات التي تواجهه.. وتصبح كل كلمة سيفاً مسلطاً على رأسه.

في لبنان الكل يتحدث عن محبة لبنان ووحدته والمواقف الوطنية وتاريخ لبنان ويحرص على مستقبل لبنان ومصلحة لبنان وموقع لبنان وأهمية لبنان... ولكن، لكلٍ في لبنان مفاهيمه ومقاصده واتجاهاته وأهدافه وأسبابه ومنظوره ورؤيته وخلفيته عند الحديث عن لبنان وعن الوحدة الوطنية والمواقف الوطنية والتاريخ والمستقبل والمصلحة والأهمية وحتى عند الحديث عن العمالة والخيانة.. والأهم والجامع المشترك هو؛ الالتباس. لماذا؟؟؟ لضمان خطوط العودة وتغيير المواقف وإعادة إخراجها عندما يحين الأمر.

والانقسام في لبنان أيضاً على كل شيء تقريباً؛ الانقسام على القرار وعلى الموقع السياسي والعلاقات مع الجوار والانقسام بين الجنوب والشمال وحتى على موعد عيد رمضان وأغاني فيروز ..

في لبنان الكل يتحدث عن الديمقراطية وممارسة العمل الديمقراطي. ولكن أياً من قادة الأحزاب السياسية لم يأت إلى قيادة حزبه عبر انتخابات دورية. ومعظم هؤلاء القادة يقبعون على رأس الهرم الحزبي منذ عشرات الأعوام دون وجود مهلة محددة لقيادتهم. أما الديمقراطية اللبنانية فهي فريدة أيضاً، إذ أنها تقوم على مبدأ التوازن الطائفي. ولذلك، فرغم الانتخابات النيابية التي تجري ـ إذا ساعدت الأحوال والأجواء والمناخات المحلية والإقليمية والدوليةـ كل أربع سنوات، فإن العديد من الوجوه التي نراها، موجودة منذ أعوام كثيرة، ليس لأنها الأفضل والأكثر تمثيلاً، بل لأنها ترمز لطوائف ومواقف معينة. أما في حرب الانتخابات فكل شيء مسموح، ولاسيما الإعلام والمال. وفي لبنان مصطلح خاص لهذا المال هو: المال السياسي. وقد وُصِفت الانتخابات النيابية الأخيرة بأنها الأكثر فساداً في تاريخ لبنان. ولفت رئيس وزراء لبنان الأسبق سليم الحص إلى أن لبنان "فيه كثير من الحرية وقليل من الديمقراطية"..

في لبنان المواقف تتغير وتتلون أيضاً، ولاسيما المواقف السياسية. لا يمكنك الركون إلى موقف حزبٍ أو سياسيٍ وأن تنام وأنت مطمئن إلى أن هذا الموقف لن يتغير ولن يتبدل وفق المعطيات التي تفرزها التطورات.. الحلفاء حلفاء اليوم... وغداً يصبحون أعداء.. والتبريرات جاهزة ومنصة الاتهام للشريك السابق منصوبة وأسباب الفرقة مجهّزة.. والكل يعرف اللعبة وكيفية إلقاء التهمة على الآخرين والتنصل مما كان وتبني ما سيكون واختراع الحجج واللعب على الكلمات. أما اصطناع الأقاويل فهو صنعة رائجة في كل زمان ولدى الغالبية من اللبنانيين..وقد كان وزير الخارجية الفرنسي الحالي برنار كوشنير أوضح من صُدِم عندما وقع في شرك المتناقضات اللبنانية قبل اتفاق الدوحة عام 2008حين لم يعد قادراً على فهم كيفية تقاتل اللبنانيين وعودتهم لتقبيل بعضهم في آن.

الخوف على لبنان أنه كثرت الطوائف والمذاهب والجماعات وقلّ الدين، وهو ما ينذر "بالويل" كما قال جبران خليل جبران.. الخوف على لبنان عندما يصبح الخلاف على كل شيء أكثر من الاتفاق وعندما تطغى الأنا على الـ"نحن" ومصالح الجزء على مصالح الكل.. وعندما يصبح الكل ملتفتاً إلى خطر الداخل ومتناسياً أو متعامياً عن خطر الخارج القادم من خارج حدود الجنوب. والخوف على لبنان عندما يتسلل هذا القادم من الجنوب أو من الغرب ويلعب في "التوليفة" الداخلية فتنفلت الأمور من عقالها في لحظة "غفلة" قاتلة وينقطع خيط السّبّحة.

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.