تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

المسيحيون: حالهم ومآلهم السينودس من أجل المشرق

محطة أخبار سورية

رحلة العماد ميشال عون بالعودة إلى الأصول المشرقية والعربية لمسيحيّي لبنان والمنطقة، مستمرة. رحلة تجاوزت حدود المصالح الضيقة القائمة على حسابات لبنان الضيقة. وهو أمر يثبته عون يوماً بعد يوم، وخطوة بعد خطوة. وقد عاد إلى مراجعة كاملة تتيح له تثبيت موقف أو تعديله أو السير نحو مرحلة مختلفة تماماً عن السابق. وهي المرحلة التي تدخل تعديلات جوهرية على آلية التفكير وعلى المقاربات وعلى الخطاب نفسه كما على المفردات. محطة السينودس من أجل المشرق فرضت نفسها بقوة على العماد عون، وعلى آخرين معنيين بالأمر من زوايا إضافية، بين هؤلاء الباحث غسان الشامي الذي بدأ نقاشه مع عون، فور الانتهاء من الإعداد الناجح لزيارة الأخير إلى حلب، واتفقا على إعداد دراسة موثّقة تمثّل مستنداً تاريخياً يتكّل عليه لصياغة الموقف السياسي النهائي. خلال أربعة شهور، عمل الشامي مستعيناً بأصدقاء في مصر والعراق وسوريا، محاولاً الابتعاد عن السياسة قدر المستطاع. وفي المقابل، تكفّل «الجنرال» بإعداد الرسالة ذات الطابع السياسي للسينودس، التي يفترض أن يضع فيها النقاط على الحروف كقائد سياسي مسيحي. يقول الشامي إنه اكتشف خلال اجتماعاته الكثيرة مع المطارنة ومراكز الأبحاث، أنه لا دراسات جديّة في الموضوع. حاول الالتفات إلى جميع المراجع الموجودة، والاتصال بالمسؤولين الروحيين والزمنيين المعنيين في حقول دراسته، وسرعان ما تبيّن للشامي وفريق العمل أن ثمة محاولة خطيرة عمرها نحو عشرين عاماً، منذ بروز مفهوم الإسلاموفوبيا، لأبْلَسة الإسلام بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. تابع العماد عون تفاصيل العمل بنحو شبه أسبوعي، قرأ وبارك النشاط. وسّع تصوّره للموضوع، وتعمّق أكثر في القضية التي تشغله منذ ثلاث سنوات بشأن مسيحيي الشرق. وتابع الأمر مع مجلس المطارنة قبل تسعة أشهر، وفي جولاته على الرهبانيات ولقاءاته المكثفة مع المعنيين في هذا الموضوع منذ انتهاء الانتخابات النيابية.

لبلوغ مـآل المسيحـيـين فـي المشـرق ودورهـم ومستقبلهـم، لا بد من فاتحةٍ تاريخيةٍ سريعةٍ لاستكناه ماضيهم وصولاً إلى وضعهم الحالي، تنطلق من سيرورتهم في المنطقة، وذلك قبل التوجه إلى المسلمين في ما يجـمـع بين الديانتين المشرقيتين نصّاً وروحاً وتاريخاً وثقافة.

والحال أن ما قبل مرسوم ميلانو (313 م) الذي أصدره الإمبراطور قسطنطين الكبير، الذي جعل المسيحية ديانة معترفاً بها فـي الإمبراطورية البيزنطية، غير ما بعده، حيث كانت المسيحية، رغم الاضطهادات، تجتاح بقداسة المؤمنين فيها بلاد المشرق. ولقد اعتمد البيزنطيون على قبائل مسيحية، أهمّها «غسّان» فـي صراعهم السياسي والعسكري ضد الفرس الذين اعتمدوا أيضاً على «المناذرة» اللخميين المسيحيين فـي ذلك الصراع، وانتشرت المسيحية بين القبائل الضاربة فـي بلاد الشام التي كان غالبية سكانها من الآراميين داخل المدن وفـي الأرياف والبادية، ومن قبائلهم الكبرى تغلب وغسّان (شفـيعهما والعلَم الذي يرفعانه، مار سركيس)، وقبائل كلب وبكر ولخم وجذام وطي وقضاعة وتنوخ والضجاعم من بني سليح وغيرها، وكانت علاقاتهم مع قبائل شبه الجزيرة العربية متواصلة، بفعل الترحال والقرابة والتجارة، حيث وُجدت المسيحية فـي نجران واليمن والبحرين ومكة نفسها، التي تعبّد فـيها النبي محمد والقس (الأسقف) ورقة بن نوفل فـي غار حراء.

كانت المسيحية رسالة رسولية على خطى السيد المسيح، رغم تفشّي الخلافات اللاهوتية، لكن ما إن مدّ الأباطرة أيديهم إليها حتى تغيّرت الحال، فمنذ قسطنطين ومجمع نيقية (325م) بات للسلطة الزمنية اليد الطولى فـي الشأن الكنسي، والدليل على ذلك النزاع مع آريوس (336 ـ 256 م) الذي قال إن الكلمة ليس إلهاً. فبعد أن حرّم المجمع تعاليمه، وعدّها بدعة، وأمر بنفيه، اضطر الإمبراطور إلى التراجع عن القرارات التي صدرت ضده تحت وطأة اللعبة السياسية ومصلحة السلطة، فـيما أوغلَ خلفاء قسطنطين فـي تدخّلهم في شؤون الكنيسة وفـي تعيين البطاركة وعزلهم حسب الهوى السياسي والمذهبي. ونجم عن تدخلهم صراع مذهبي مرير ألقى بظلاله حتى وقت متأخر لم يحسمه حتى مجمع خلقيدونية (451م)، أو حتى انسحاب هرقل أمام الجيش العربي عام 638 م، حيث يقول المؤرخ أوسترغروسكي إن الإمبراطور لم يبقَ كبير القضاة، بل بات «حاكماً مستبداً، لم يعد يستمد سلطته من قوة على الأرض بل من الله» وصار له سلطان على الكنيسة، وإنّ «من خصائص الدولة البيزنطية سيطرة السلطة الإمبراطورية على الكنيسة».

يقدّر عدد المسيحيين فـي العالم العربي بحوالى 12 مليون نسمة من أصل حوالى 330 مليوناً ساعدت السلطة الإمبراطورية على تفتيت المسيحيين فـي المشرق عبر تدخّلها فـي تسعير الصراع اللاهوتي، وحتى دورها الصارخ فـي الاضطهادات بين المونوفـيزيين والخلقيدونيين (المؤمنون بالطبيعة الواحدة أو بالطبيعتين للسيد المسيح)، رغم حاجتها الماسة إلى كل جهد ومدد بشري أمام التغلغل والنفوذ الفارسي الذي كان يستشري آنذاك، فـيما بقي المسيحيون المؤمنون غالباً على مبعدة من هذا الصراع، وأسهم النسّاك والقديسون فـي ضخّ روح المسيحية فـي المشرق بعيداً عن الصخب السياسي. لكنّ كُرهاً عميقاً للسلطة البيزنطية كان يترسّخ فـي نفوس السكان تجلّى بمساعدة بعضهم للفرس خلال اجتياحهم للمنطقــة ووصولـهـم إلى القــدس (614 م)، وأخذهــم خشبــة الصليب، ومن ثم فـي اعتبــار السكــان أن الجيــش العربــي ليس جيشــاً غريبــاً عندما بدأ بالدخول إلى بلاد الشــام منذ عام 634 م.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.