تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

المسيحيون «شهود زور» في دولة تسير نحو الهاوية!

 

محطة أخبار سورية

 «يأتي على الناس زمان يكون أفضل عليهم الصمت، وأفضل أعمالهم النوم»

أبو طالب المكي في «قوت القلوب»

 

ألقى الرئيسان ميشال سليمان وسعد الحريري أطواق النجاة لركاب سفينة الحكم التي تصاعدت أصوات كثيرة لإنقاذها لأنها كادت أن تشارف الغرق بركابها جميعاً الذين بدوا وكأنهم استسلموا للعاصفة المذهبية الهوجاء التي هبّت على البلاد وكادت أن تطيح كل شيء.

ذلك ان الطائفية لا تزال العنصر المدمّر لكل الآمال، وقد وجد الطائفيون في الأجواء التي سادت البلاد في الأعوام الخمسة الماضية، المناخ المثالي لتحكيم المذهبية بكل مفاصل السلطة السياسية والمالية والأمنية، والاستئثار بالدولة ومقدراتها، الأمر الذي أوقف اتفاق الطائف عند حدود سحب العلاجات «المكوكية» من رئيس الجمهورية الماروني وتحويلها إلى مجلس الوزراء مجتمعاً برئاسة رئيس للمجلس وهو من الطائفة السنية الذي وضع يده على القـرارات الرئيسيـة ولا سيـما السيـاسية والماليــة والأمنية وسط انكفاء للشريك المسيحي الذي وافق على نقل السلطة الإجرائية من رئيس الجمهورية الماروني، إلى مجلس الوزراء الذي يعتبر المكان الطبيعي للتشارك في السلطة، من خلال عقد اجتماعي جديد، أو ميثاق وطني رباعي الأضلاع، سني ـ شيعي ـ مسيحي ـ درزي، يحل مكان الميثاق الوطني السابق الذي كان مارونياً ـ سنياً.

لقد جرى تحديد قرابة 12 مشروعاً مرافقة للطائف اشترط الطرف المسيحي تحقيقها، للاعتراف بالسلطة الجديدة التي ستنبثق من الطائف، أبرزها قانون للانتخابات يحقق التمثيل الصحيح الذي سيرفد مجلس الوزراء بممثلين شرعيين عن الأفرقاء الذين سيشاركون في صنع القرار الذي كان يحتكره رئيس الجمهورية الماروني، إضافة إلى تحديد الصلاحيات الجديدة التي أعطيت لرئيس الجمهورية، إضافة إلى الصلاحيات الجديدة لرئيس مجلس الوزراء. والى تحديد الصلاحيات، هناك مشروع إنشاء مجلس للشيوخ، وتأليف الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية وتحديد أعضائها وصلاحياتها، بما يفضي إلى قيام دولة مدنية، وعصرية.

ولأن ذلك المشروع المتكامل الذي أقر في الطائف لم يتحقق، فقد بدا للمسيحيين الذين «خدعوا» في الطائف أن كلام رئيس الجمهورية والحكومة حول ضرورة «الاحتكام إلى المؤسسات الشرعية» تعمية على الواقع، وخصوصاً في المحاولات التي يقوم بها الرئيس الحريري كسباً للوقت، في انتظار القرار الظني المرتقب الذي يمكن أن يوجه الاتهام إلى «عناصر غير منضبطة» في «حزب الله» بالمشاركة في عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. إضافة إلى اكتفائه بالقول بوجود شهود زور من دون طلب ملاحقتهم قضائياً مما يبقي إمكان اتهام عناصر سورية في عملية الاغتيال قائماً.

وبدا الشريك المسيحي في المشهد الحالي كأنه لم يُترك له سوى «نعمة الصراخ» وقد وجد نفسه أمام مشهد ساخر بإزاء الكلام الذي قيل في مجلس الوزراء أول من أمس، سواء على لسان رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء، وخصوصاً عن الشرعية ودولة المؤسسات التي لم تقم بعد، ولا يبدو أن النظام الطائفي سيسمح بها.

في هذا الوقت، كان الفريق المسيحي المغيّب، إلا عن الصراخ، ينظر إلى الصورة التي قدمها الرئيس الحريري إلى هذا الفريق المرعوب من الشحن المذهبي من الجمهور المحسوب على رئيس الحكومة، ثم من الجمهور الآخر الذي اقتحم المطار لمرافقة اللواء جميل السيد وللحؤول دون توقيفه. مُلاحظاً ما قاله الحريري في مجلس الوزراء وكأن لا علاقة له بما جرى: «ان المشاحنات السياسية والإعلامية ليس من شأنها سوى تأجيج العصبيات وتعطيل لغة العقل، وتقديم صورة مشوّهة عن بلدنا. صورة عن بلد مفكك، وعن دولة عاجزة، وعن قيادات غير مسؤولة».

إن الذي يقرأ هذا الكلام يخيّل إليه أن الرئيس الحريري غريب عما جرى في لبنان، ربما لابتعاده عنه والهروب من الأزمة إلى الأمام 13 يوماً استدرج خلالها الخارج للتدخل، ولما تدخّل عاد إلى الوطن ليجده على الصورة التي رسم وكأن «المشاحنات وتأجيج العصبيات المذهبية» من طرف جمهوره، هي من صنع الشيطان!

ولم يخفف الوجع لدى جميع المسيحيين، وهو موضوع جامع، إيفاد رئيس الحكومة مستشاره داود الصائغ إلى بكركي أول من أمس، ليؤكد للبطريرك صفير باسم الحريري حرصه على «الثوابت الوطنية وفي طليعتها الحرص على العيش المشترك (في مواجهة الشحن المذهبي) وعلى السلم الأهلي والاعتدال والحوار وتحصين الدولة ومؤسساتها»، وهو الكلام الذي صمّخت أذنا البطريرك وهو يسمعه من الشهيد الرئيس رفيق الحريري أولاً، ثم من نجله سعد، وبواسطة الصديق داود الصائغ الرسول الأمين، علماً بأن ذلك لم يغيّر شيئاً في الوضع المسيحي لجهة إقامة توازن عادل داخل السلطة، وفي الوفاء بالالتزامات التي قطعها الرئيس رفيق الحريري للبطريرك إبان مناقشة وثيقة الوفاق الوطني في الطائف، والتي لم ينفذ منها سوى «سلب» رئيس الجمهورية صلاحياته ووضعها في تصرف رئيس الوزراء، مما اعتبره سيد بكركي «خدعة». لذلك لم يعلّق صفير بشيء على رسالة الحريري، لمعرفته أن المعركة تدور في مكان آخر.

والآن، إلى أين بعد كل ما حصل أخيراً؟

الجواب جاء في المبادرة المشتركة التي عمل عليها الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط، من أجل تحقيق تضامن وطني إسلامي ـ مسيحي، سني ـ شيعي ـ درزي، حول الأمور التي هي موضع خلاف، وفي مقدمها موضوع المحكمة وملاحقة شهود الزور، وقد دعا جنبلاط إلى «موقف مشترك وموحّد من كل اللبنانيين، ومن كل القيادات اللبنانية لمواجهة القرار الظني ودرء مفاعيله التدميرية. فالبلد لم يعد يتحمل المكابرات والمزايدات، فكفى مكابرة، وبتنا الآن في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى مواجهة العصبيات والغرائز قبل أن تجتاح الجميع قبل فوات الأوان، وساعتئذ لا ينفع الندم».

وأضاف: «بدون حل مشترك حول المحكمة والقرار الظني نحن ذاهبون إلى الهاوية».

ومن له أذنان سامعتان فليسمع، إلا إذا كان الجميع قد أصيبوا بالطرش!

 

ادمون صعب - ادمون صعب

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.