تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تركيا.. وداعاً لديكتاتورية العسكر

محطة اخبار سورية    

لم يكن التصويت ب«نعم »بغالبية واضحة في الاستفتاء من جانب الشعب التركي على اختلاف مكوناته الدينية والقومية واليسارية والعلمانية.

 التي حسمت الجدال والسجال لصالح التعديلات الدستورية الإصلاحية التي طرحها حزب العدالة والتنمية بتوجهاته الإسلامية بزعامة الدكتور أردوغان غير متوقع بل كان في نظر الكثير من المراقبين هو الأكثر ترجيحا رغم حالة الاستقطاب الحاد بين المؤيدين للإصلاح من كل طيف والمعارضين للإصلاح من كل صنف.

التي بددت الرؤية أمام أعين البعض ممن رأوا الصورة الشعبية التركية وفق أجنداتهم السياسية السابقة وليس طبقا للحقائق الواقعية الناطقة.

كما لم تكن ثقة الشعب التركي التي منحها للمرة الثالثة لحزب العدالة والتنمية مجرد نعم لتعديل 26 مادة دستورية، بل كانت في دلالاتها المتعددة هي نعم للديمقراطية المدنية في مواجهة الديكتاتورية العسكرية.

 ولدولة القانون والحريات في مواجهة دولة التسلط بالانقلابات العسكرية، وللأسلمة في مواجهة العلمنة، وإعلاء للتوجهات الأردوغانية الحديثة وطيا لصفحات الأتاتوركية القديمة.

ولكي ندرك ما لنتائج هذا الاستفتاء التاريخي من قيمة ديمقراطية لابد أن نستدعي ما سبقه من خلفيات، ونستشرف ما سيكون له من تأثيرات على ما سيلحقه من تداعيات.

 ويكفي أن نتذكر أن الأتاتوركية التي حققت الاستقلال السياسي بعد الهزيمة العسكرية لتركيا هي التي أعلنت سقوط الخلافة الإسلامية وإقامة الجمهورية العلمانية بدستور مفروض، وبسياسة دكتاتورية تحت حكم الجنرال أتاتورك على مدى 22 عاما.

حاولت انتزاع الأمة التركية من جغرافيتها ومن تاريخها، وحاولت انتزاع شعبها من واقعه الإسلامي ومن موقعه الشرقي وتوجهت نحو الالتحاق بالحلف الغربي.

وبعد وفاة الجنرال، ظل حزبه المسمى بحزب «الشعب الجمهوري» يحكم الشعب بقوة العسكر، من العام 1939 حتى العام 1950 ارتخت خلالها قبضة الدكتاتورية بما سمح بقيام الأحزاب وإجراء أول انتخابات، عندما خرج «عدنان مندريس» من صفوف حزب الشعب كواحد من أبرز القادة التاريخيين الأتراك على رأس «الحزب الديمقراطي ».

الذي عكست مبادئه ذات التوجهات الإسلامية تماسا مع نبض الشعب ليحقق فوزا ساحقا على عصمت إينونو زعيم حزب أتاتورك الحاكم، وليجدد الشعب التركي ثقته به لدورة ثانية بعد أن أعاد الروح لتركيا بإعادة الأذان بالعربية وأعاد فتح المساجد ومدارس تحفيظ القرآن والمعاهد الدينية وباشر في إصلاح ما أفسدته السياسة الدكتاتورية العسكرية السابقة على مدي خمسين عاما في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فماذا حدث لعدنان مندريس؟

 تحرك الجيش حارس العلمانية بانقلاب عسكري دموي ضد الحكومة الديمقراطية عام 1960، وقامت المؤسسة القضائية الخاضعة لوصاية الجيش بالحكم عليه شنقا واثنين من وزرائه بتهمة الخروج على العلمانية ومناهضة المبادئ الأتاتوركية وأعاد هذا الانقلاب تركيا من جديد إلى وصاية العسكر بعد حل البرلمان وإلغاء الدستور ووضع دستور جديد.

وكان هذا الانقلاب الأول بداية لسلسلة الانقلابات العسكرية لإعادة فرض العلمانية بالديكتاتورية العسكرية كلما هبت رياح ديمقراطية أو إسلامية أو يسارية حسبما نص الدستور الأتاتوركي الذي نص على دور الجيش في حماية الوطن من الخارج والجمهورية من الداخل.

 وأصبح هناك انقلاب عسكري كل عشر سنوات ليأتي الانقلاب الثاني عام 1971، والانقلاب الثالث الأكثر دموية عام 1980 بقيادة الجنرال «كنعان إفريم»، ليضع هذا الانقلاب دستورا جديدا أشد وطأة من الدساتير السابقة بما يضع الجيش فوق القانون ويضع القضاء تحت هيمنة الجيش وطغيان السيطرة العسكرية على الحكومات السياسية.

 جاء العام 2002 بعد مراحل مخاض طويلة من مندريس إلى أربكان،إلى أردوغان حين صعد إلى الحكم بانتخابات شعبية حزب العدالة والتنمية بمنابعه الإسلامية وبتوجهاته الديمقراطية الذي توجه لإصلاح كل ما أفسده العسكريون والسياسيون فنقل تركيا نقلة تاريخية كبرى وانتشلها من وهدة الأزمة الاقتصادية التي كانت على شفا الإفلاس إلى التقدم والتنمية والعدالة الاجتماعية ومن الديكتاتورية إلى فتح آفاق الديمقراطية، ومن العلمانية المناهضة للإسلام إلى العلمانية السياسية الرشيدة القائمة على الحريات الإنسانية والدينية والسياسية.

 و ما جري في الأسبوع الماضي من استفتاء كان معناه ومغزاه أنه أول استفتاء شعبي على تعديل للدستور ويكفي أن نتذكر أنه جري من قبل 15 تعديلا دستوريا لم يشارك الشعب في التصويت عليه.

 والمعنى ذات الدلالة هنا أن هذا الاستفتاء الذي جرى لإصلاح الدستور الانقلابي العسكري بمواد ديمقراطية ولإبعاد العسكر عن السياسة ولإصلاح القضاء ووضع الجميع تحت سلطان القانون المدني.

قد جاء في الذكرى الثلاثين لانقلاب الثاني عشر من سبتمبر عام 80 إيذانا بأن مرحلة الانقلابات وتاريخها الأسود قد ولت، وأن تاريخا تركيا جديدا قد بدأت صياغته بإرادة جماهيرية لا فردية، وبإرادة الشعب لا العسكر. 

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.