تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تقسيم السودان مسألة وقت.. والعرب لايبالون بالعواقب!!

لم يعد تقسيم السودان أمراً مشكوكاً فيه على ما يبدو، المسألة متى وكيف. وقد بدأت الجهات الدولية صاحبة المصلحة في انشقاق وتقسيم الدول العربية أحاديثها عن كيفية القيام بهذا الإجراء. والمشكلة السودانية ليست جديدة والخلاف بين شماله وجنوبه قائم منذ سنوات، بل وربما منذ أن كانت بريطانية محتلّة لهذا البلد وتطبق سياسة مارستها وطبقتها في كل الأماكن التي استعمرتها: فرّق تسد.

ولئن استنزفت الحرب الأهلية في السودان الكثير من خيراته وأخّرت نموّه وتطوره، وتسببت بمقتل مئات الآلف من أبنائه، إلا أن اللافت دائماً كان غياب الجامعة العربية ودولها ـ التي لا يبدو أن عددها سيقف عند حد طالما استمر انقسام هذه الدول ـ عن المشهد السوداني وعن الشعب السوداني وآلامه ومعاناته ومآسيه. ولم تتحرك الدول العربية يوماً لإقامة استثمارات في هذا البلد لتطويره ومساعدة مواطنيه، وللعبِ دور في تقوية وتعزيز وحدته. وفي هذا الصدد، تقول الأمم المتحدة ان أربعة ملايين شخص، أي نصف سكان الجنوب، سيتلقون هذا العام مساعدات غذائية(الوطن القطرية5/9/2010). وهذا يكشف حجم الفقر الشديد الذي يعانيه السودانيون رغم الثروات التي يمتلكها وطنهم.

وبالمقابل، كانت هناك دائماً جهات معادية للأمة العربية ولأي شيء يزيد من قوتها وتضامنها، تزور السوادن وتحديدا جنوبه لتحرّك مشرطها هناك عبر تغذية الأحقاد والخلافات والنزاعات حتى وصل الوضع إلى ما وصل إليه. وإذا ما حدث وانفصل جنوب السودان عن شماله، ويبدو أن الأمر واقع؟؟؟، فإن لهذا التقسيم انعكاسات كبيرة ستترك آثارها على الإقليمين الجديدين ومحيطهما وربما على العلاقات العربية والإفريقية:

أولاً، يرجح أن يؤدي انفصال جنوب السودان عن شماله إلى انتهاج هذا الجنوب الجديد سياسة مختلفة عن الشمال، وما يعني ذلك من نشوء خلافات ستشكل وقوداً للتوتر بينهما، لاسيما وأن هناك من سيحاول تغذية هذه الخلافات. وإذا كانت وحدة اليمن على سيل المثال ـ وبعد قرابة عشرين عاماً على استمرارها ـ لم تؤدِّ إلى إزالة الفوارق والخلافات بين شماله وجنوبه وها قد عادت نغمة التقسيم للترداد، فكيف لنا أن نأمل ونرتجي أن يؤدي تقسيم السودان وانفصال جنوبه عن شماله إلى قيام علاقات سويّة وجيدة بينهما!؟ بل هل سيسلم الجنوب نفسه والشمال نفسه من نزاعات داخلية جديدة؟؟ وربما سيكون هناك لاحقاً أكثر من جنوب وأكثر من شمال!!

وفي هذا السياق، حذرت «مجموعة الأزمات الدولية»، السفير(4/9/2010) من أن الحدود غير الواضحة التي تفصل بين شمال السودان وجنوبه تشكل «مصدر توتر خطير» بينهما، واقترحت إقامة منطقة عازلة، على جانبي الحدود لنزع فتيل التوترات المحلية.

وإذا كان الحديث قد بدأ عن "المناطق العازلة" بين الإخوة قبل الانفصال، وهي مناطق تقام عادة بين الأعداء، فالأخطرُ هو أن وجود موارد النفط أساساً في هذه المناطق سيعزز الانعكاسات السياسية والاقتصادية لترسيم الحدود، ويجعلها ترتدي طابعاً عسكرياً خطيراً.

والحدود التي ستفصل الشمال عن الجنوب السودانيين، والتي ستصبح أحدث حدود دولية في العالم، ربما ستفصل الجنوب عن العالم العربي أيضاً، وتقربه من أعدائه وتحديداً إسرائيل. وقد صدرت في السابق بعض التصريحات من مسؤولين جنوبيين تشير إلى احتمال ذلك، لاسيما وأن إسرائيل سعت منذ البعيد إلى التغلغل في قلب إفريقيا وفي الجنوب السوداني، وستسعى لكسب الكيان الجديد إلى صفها عبر المغريات الكثيرة التي ستضعها أمامه، والضغوط التي ستمارسها وتفرضها عليه هي وحلفائها. ولعل جهاز الموساد الإسرائيلي يأتي في مقدمة أجهزة مخابرات دول عديدة متورطة في صفقات تهريب السلاح إلى جنوب السودان.

ولم يخف رئيس بعثة حكومة جنوب السودان في واشنطن، إيزكيل لول جاتكوث، رغبته بإقامة علاقات مع إسرائيل، وقد قال صراحة إن الدولة الجديدة المرتقب الإعلان عنها في جنوب السودان عقب استفتاء 2011، ستقيم علاقات مع إسرائيل مادام «هناك علاقات دبلوماسية لعدد من الدول العربية معها! ولن نكون ملكيين أكثر من الملك»(الغد 12/8/2010).

وفي سياق التدخل الخارجي، قال البنك الدولي إنه سيعمل على تسريع انضمام جنوب السودان إلى عضويته في حال اختار الإقليم الانفصال عن بقية السودان، مما سيفتح للكيان الجديد منافذ للحصول على التمويل الدولي(الخليج 5/9/2010). ولم يشر البنك إلى دعم شمال السودان بشكل مماثل. وهذا التفريق بين الشمال والجنوب سيقود بسرعة إلى خلق فجوات اقتصادية كبيرة سيصعب جسرها حتى لو أراد الطرفان ذلك.

ثانياً، انفصال جنوب السودان سيعني وضع عقبة جديدة أمام حل مشكلة تقاسم مياه النيل بين دول المنبع الإفريقية ودول المصب: أي مصر ودولة شمال السودان الجديدة. والمشكلة موجودة أصلاً وقائمة والدور الأمريكي والإسرائيلي في تسعير نارها ليس بعيداً. وإذا ما انضم موقف جنوب السودان إلى مواقف دول المنبع فسيتحول ذلك الى جزء آخر من المشكلة وسيزيد من تعقيد الأمور كثيراً وسيفاقم أزمة من أزمات القارّة العديدة. ولعل مصر ستكون أول المتضررين من تقسيم السودان لما فيه من تهديد للأمن القومي لها.

وخطر تقسيم السودان استشعرته الدول الإفريقية بسرعة ولاسيما المحيطة منها، حيث عبّرت عن قلقها من تبعات التقسيم لما سيحدثه من خلل في منطقة مضطربة وغير مستقرة. وفي هذا السياق فإن تدخل الدول المجاورة للسودان في الشؤون الداخلية له، ولاسيما بعد التقسيم، سيعني الانزلاق إلى حروب خارجية إقليمية قد تهدد السلم والأمن الإقليمي والدولي.

ثالثاً، وإذا كان تقسيم السودان سيعني إضعاف هذا البلد بالمجمل ونهب خيراته غير المستفاد منها أصلاً، فإنه قد يترك آثاراً جانبية أخرى سيتم لحظها لاحقاً في عدد من الدول العربية التي تضم مجموعات عرقية ودينية مختلفة؛ فقد يشجع تقسيم السودان هذه المجموعات على السعي إلى الانفصال وإقامة كيانات عرقية أو دينية خاصة بها، مع ما يعني ذلك من تهديد لاستقرار هذه الدول ووحدة كياناتها وقوتها وقيام حروب بينها وبين جيرانها. وهناك العديد من الدول العربية المرشحة لذلك.. والاصوات المطالبة بانفصال اليمن والعودة إلى ما قبل الوحدة ليست خافية على أحد.

بالنتيجة، فإن عقدين من الحرب في السودان، لأسباب دينية وسياسية واقتصادية، أدت إلى الفقر والمجاعة والخلافات والموت، ويبدو أنها انتهت أيضاً بالاتفاق على تقسيم هذا البلد الذي يملك من الثروات ما يكفي ـ لو استغلت ـ إلى إطعام الوطن العربي بأكمله. وتقسيم هذا البلد إن حصل كما يرجو الكثيرين ستكون له تبعات واسعة محلية وإقليمية ودولية ... والعرب أول الخاسرين ..كالعادة.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.