تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

ما هو المطلوب حتى يكمل الحريري سيره في «درب التوبة»؟

 

 

أنجز رئيس الحكومة سعد الحريري استدارته السياسية نحو الشرق بما يحقق له الاستقرار في الحكم ويؤمن له المظلة التي تحميه من حرارة الوقوف في العراء، وبقي عليه أن يكمل استدارته السياسية نحو الداخل، وتحديدا في اتجاه «حزب الله»، حتى يتسنى له الاطمئنان أكثر إلى مستقبل صورته السياسية.

دارت دورة الزمن السياسي مرة أخرى في لبنان. تتكرّر التجربة ذاتها بعد خمس سنوات ونيّف. سوريا تعود إلى لبنان أقوى مما كانت عندما انكفأت سياسياً وعسكرياً على غرار ما حصل بعد الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982 وتوقيع لبنان اتفاق 17 أيار مع العدو الإسرائيلي. لا بل إن سوريا التي كان قد بدأ البعض يحلم بإرسال «قوات ردع» إليها، باتت اليوم «أمل» أولئك الذين ظنّوا أنه يمكن للبنان أن يُحكم ضد سوريا وأن يتحوّل إلى منصّة الانطلاق لتغيير نظامها.

صمدت دمشق في مواجهة تدحرج الصخور عليها، ثم انقضت عليها دفعة واحدة وقبضت على كل مراسيها، فأمسكت خيوطاً متشابكة وعملت على تفكيكها وتفريقها لتسهل إدارتها وترفع من قيمة كل منها منفردة، وتربك خصومها الذين اكتشفوا في لحظة معينة أنهم لا يملكون القدرة على مقارعة هذا النظام المتمرّس في المنطقة، فاختاروا التفاهم معه لعلهم بذلك ينقذون ما يمكن إنقاذه من مصالحهم.

ماذا تريد سوريا وماذا ستقدّم؟

يبتسم مسؤول أميركي معني بالوضع في لبنان والمنطقة وهو يروي إلى مسؤول لبناني أن «دمشق تأخذ وتطلب ثم تأخذ وتطلب تكراراً، وعندما نطلب منها أن تقدّم لنا أي ملف تستمهل وتأخذ وقتها لتقول لنا لاحقاً إنها ستعطي لاحقاً.. لكنها ما تلبث أن تتجاهل ما طلبناه منها.. دمشق تريد الكثير ولا تقدّم إلا النزر اليسير، نحن نعرف ذلك، لكننا محكومون بالتعامل معها لأنها ضرورة للاستقرار الاقليمي»..

بعد خمس سنوات لم يعد حلفاء سوريا في لبنان بمرتبة «العملاء»، ومن يرصد الحركة على طريق دمشق يسجّل كل يوم «انتعاشاً» ملحوظاً لخط السير بعد أن كانت الحشائش قد نبتت على جوانبه، فإذا بها تنبت أزهاراً في كل المواسم.

انتهى زمن العداء مع سوريا... وها هو اعتذار جديد يتقدّم به «العمود الفقري» للقوى التي اجتمعت على خصومة سوريا في إطار قوى 14 آذار... فماذا بعد ذلك؟ وهل قدّم الرئيس الحريري كل ما هو مطلوب منه؟

في مراجعة سريعة لـ«درب التوبة» التي سلكها «السلف التائب» وليد جنبلاط يتبين أن إقرار الرئيس الحريري بخطأ ما ارتكبه نحو سوريا، هو محطة في منتصف الطريق نحو «تعويض» دمشق ما تعرّضت له في السنوات الخمس الماضية، وهو تعويض لا يُصرف الا اذا انتقل جنبلاط في تموضعه من «منطقة الوسط» الى مرحلة اتخاذ خيارات حاسمة تكمل استدارته النهائية.

وفي «درب التوبة» محطات عدة من الانفتاح على حلفاء دمشق.. وفيها أيضاً إقفال أبواب و«مزاريب» التمويل السياسي والمالي لأولئك الذين يحاصرون أنفسهم في خانة العداء لسوريا، خصوصاً بعد أن بات الرئيس الحريري محرجاً بمواقف تجاهر بالخصومة مع سوريا و«لا تخجل» من علاقتها ورهانها على إسرائيل لمواجهة سوريا.

ويمكن هنا تسجيل خمس نتائج مباشرة لـ«اعتذار» الحريري العلني من سوريا عبر الزميلة «الشرق الأوسط»:

الأولى، تنطلق من قاعدة أن «ما بني على باطل هو باطل»، وبمعنى أدق فإن اجتماع «قوى 14 آذار» الذي قام على العداء لسوريا بات مصيره قيد البحث، لأن العنوان الثاني الذي ارتكزت إليه قوى 14 آذار في التقائها كان جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والذي ارتبط أيضاً باتهام سوريا بعملية الاغتيال.

الثانية، تتعلّق بمدى قدرة الحريري وتيار المستقبل على «احتضان» قوى سياسية ما تزال خياراتها السياسية بعيدة عن خيارات الحريري الجديدة.

الثالثة، تؤسس لتلاقِ مع حزب الله في شأن رفع الغطاء عن شهود الزور الذين اعترف الحريري بأنهم أساؤوا إلى قضية رفيق الحريري وعائلته وضللوا التحقيق والعدالة وساهموا في تشويه الحقائق. وهنا تحديداً يرفع الحريري الغطاء السياسي عن مجموعة من المقربين منه لطالما وضعوا في دائرة الشك في هذا الملف تحديدا.

الرابعة، تفيد أن الاستدارة السياسية للحريري لا تكتمل إلا بصياغة علاقة مريحة مع حزب الله باعتباره «الخيط الأبيض» الفاصل في العلاقة مع سوريا.

الخامسة، مفادها أن الحريري أعاد السنّة في لبنان مجدداً إلى عمقهم الاستراتيجي التاريخي مع سوريا، مما يعني أن سوريا عادت لتمسك بمفاصل الواقع السنّي في لبنان بهدف «تنظيمه» والحفاظ على «تعدديته» التي كانت صمام أمان في حماية السنّة من الاستهدافات، برغم أن هذه «العودة» جاءت من مدخل البحث عن مظلة احتماء السنّة بسوريا من «فائض القوة» التي يمتلكها «حزب الله» في لبنان.. ولو من بوابة المقاومة ضد العدو الإسرائيلي.

في المحصّلة، عاد اللبنانيون لتسليم أوراقهم وخلافاتهم طوعاً وبالرغبة إلى دمشق التي لديها ما يكفي من الخبرة اللبنانية لإدارة خلافاتهم وتنظيمها، لكن الأهم هو في المحطتين التاليتين اللتين يفترض أن يصل إليهما الحريري على «درب التوبة»، وهما الأكثر حساسية بالنسبة اليه ولسوريا ولحلفائها في لبنان، وخصوصاً حزب الله، وأولهما محطة القرار الظني وكيفية تعامل رئيس الحكومة معه، بعد حصوله على جرعة كافية من الوقت بعد إعلان المدعي العام دانيال بيلمار أن القرار الظني لن يصدر قريباً، وهو ما أوحى أن الجهود التي بذلها الملك عبد الله بن عبد العزيز قد أثمرت في هذا السياق.

أما المحطة الثانية، التي ما تزال بالنسبة للحريري قيد البحث عن مخارج، فتتعلّق بتحالفه مع رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع، والتي تشكّل حساسية خاصة لسوريا وحلفائها في لبنان. ويمكن القول إن الحريري وضع الكرة في مرمى جعجع عندما حدّد سقف خياراته السياسية الجديدة التي شكّل الاعتذار من سوريا عنواناً لها، فبات جعجع أمام خيارات صعبة أقلّها السير خلف الحريري في الاعتذار، وأصعبها الخروج من هذا التحالف نهائيا، علما أن صورة سعد الحريري في الليلة التي أعطى فيها حديثه للشرق الأوسط بين سمير جعجع والسفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري في قريطم، وكذلك «طحشة» جعجع لتقبيل الحريري، لا تشير الى قرب الاحتمال الثاني... حتى الآن.

 

                                                                                                                                          خضر طالب

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.