تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الرئيس الحريري خطوة أخرى بالاتجاه الصحيح!!

 

أرسل رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري أمس وعبر صحيفة الشرق الأوسط عدة رسائل محلية وسورية وإقليمية. وإذا ما استطاع نقل هذه التصريحات إلى حيّز التطبيق فإنه يكون وللمرة الأولى قد رسم ملامح جديدة للمرحلة المقبلة في العلاقات مع الأصدقاء والخصوم.   

وأول هذه الرسائل إلى الداخل اللبناني حين تحدث عن دور "شهود الزور" في تسييس التحقيق الدولي وتخريب العلاقات اللبنانية السورية: "هناك أشخاص ضللوا التحقيق، وهؤلاء ألحقوا الأذى بسورية ولبنان، وألحقوا الأذى بنا كعائلة الرئيس الشهيد... وشهود الزور هؤلاء، خربوا العلاقة بين البلدين وسيّسوا الاغتيال". وفي هذا الإقرار بوجود هؤلاء، رسالة موجهة إلى الأصدقاء والخصوم بآن؛ فقد أكد الرئيس الحريري للحلفاء أولاً، أن ذيول المرحلة السابقة انتهت أو شارفت على الانتهاء، وأن مرحلة الاستغلال السياسي لدم الرئيس رفيق الحريري قد انتهت وأن منطق اتهام سورية الذي اعتمدته قوى 14 آذار طيلة السنوات الماضية قد انتهى أيضاً. والاعتراف بدور شهود الزور السلبي مرحلة أولى لرفع الغطاء عنهم وعمّن فبركهم ووقف خلفهم ولعب أدواراً قذرة في المرحلة الماضية، بعدما أوقف الحريري الانقسام السياسي حول الاعتراف بوجودهم.

وعليه فإن المرحلة المقبلة قد تشهد غربلة "الأصدقاء" الذين أساءوا أو الذين لا يريدون مسايرة النهج الجديد. وفي هذا السياق، يبدو من المنطقي التساؤل: كيف سيطوّر السيد الحريري علاقاته الجيدة والممتازة مع بقية الأطراف اللبنانية ومع سورية، وفي نفس الوقت يُبقي على تحالفه، مثلاً، مع النائب سامي الجميل الذي اعترف علناً قبل أيام بتعامله مع العدو الإسرائيلي ضد سورية وما يفترض ذلك من محاسبة، والتأكد من أن "الجميل" أوقف(وا) تعامله(م) مع العدو وأن هذا التعامل الذي يعتبر خيانة ليس مستمراً.

وثانياً، أكد الرئيس الحريري للأطراف الأخرى- وتحديداً حزب الله والمقاومة- أنه سيمارس دوره كرئيس لحكومة كل لبنان، ودوره "كابن" رفيق الحريري الذي طالما دعم وأيّد وساند المقاومة ودورها. والمقصود هو أن يمنع الرئيس الحريري استخدام التحقيق الدولي في اغتيال والده من استهداف المقاومة والنيل منها، وبالتالي النظر في القرائن التي قدمها حزب الله والتي تشير إلى احتمال التورّط إسرائيل في جريمة الاغتيال.

وهذا يعني منطقياً فتح صفحة جديدة بين الطرفين بعدما زالت أسباب الخلافات، وما يعني ذلك من قلب للمعادلة الداخلية اللبنانية وإنهاء للانقسام العمودي الذي قسّم الحياة السياسية اللبنانية خلال السنوات الخمس الماضية بين 14 و8 آذار ووضع البلد على كفّ عفريت، والتأسيس لتصويب كل المسار السياسي.

الرسالة الثانية التي وجهها الرئيس الحريري لبنانية ـ سورية، بأنه لا عودة لعلاقات البلدين إلى الوراء، وأن "العلاقة بين البلدين...علاقة إستراتيجية سواء اقتصاديا أو اجتماعيا أو أمنيا أو دفاعيا أو سياسيا، خصوصا في القضايا الإقليمية وفي ظل التعنت الإسرائيلي". وهذا الاعتراف يشكل خطوة إضافية على طريق تكريس الثقة مع سورية ومع قيادتها ـ التي تحملت الكثير وتأذت ولكنها صبرت ـ من خلال الاعتراف بالخطأ. وهذا يعني منطقياً أن تسير هذه العلاقات منذ الآن فصاعداً، وفق منهج مؤسساتي بعيداً عن أصحاب المنافع الخاصة والمصالح الضيقة الذين دأبوا في الماضي على رهن هذه العلاقات وفق مصالحهم وأهواءهم، فسمموها وخربوها، وعندما وقع اغتيال الرئيس رفيق الحريري كانوا جاهزين لتوظيفه وتوجيه الاتهام لسورية والاستغلال السياسي له بغض النظر عن النتائج. وكلام الرئيس سعد الحريري الذي يؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات مع سورية بعد إنصافها، يقطع الطريق على هؤلاء لمنعهم من التصيد في الماء العكر مرّة أخرى.

وتطوير العلاقات لا يعني كلاما إنشائياً، فقط. فلا بد في هذا الصدد من التأكيد على ضرورة التنسيق المشترك في القضايا الأساسية التي تهم البلدين، وإقامة المشاريع المشتركة التي تساهم في تعزيز علاقات البلدين وحمايتها على المستوى الشعبي.. فسورية كما رأى الحريري تمثل للبنان "بوابة الأسواق العربية، وتمثل سوقا عربية مهمة جدا، فما بالك لو أرحنا هذه العلاقة بالسياسة، والمصلحة بيننا مشتركة". ولحماية العلاقات السورية اللبنانية، لابد من محاسبة الذين "يشاغبون" على هذه العلاقات لتشويشها وتشويه صورة سورية لدى الرأي العام اللبناني ووضع حدٍّ لهم ولتصرفاتهم مرة واحدة وإلى الأبد..

والرسالة الثالثة التي وجهها الرئيس الحريري عبر صحيفة "الشرق الأوسط السعودية"، هي إقليمية، وأن الرعاية السورية ـ السعودية للبنان والتهدئة الداخلية اللبنانية، مستمرة وان الذين يحاولون نسف نتائج القمة الثنائية السورية ـ السعودية، والثلاثية السوريةـ السعودية ـاللبنانية في دمشق وبيروت على التوالي، واهمون. فالتنسيق بين البلدان العربية الثلاثة عالي المستوى ومستمر، ولذلك فلا يعوّل أحد على تراخي وتراجع هذا التعاون. ولذلك لم يغب عن بال الرئيس الحريري الإشادة بالدور السعودي والتنسيق السوري السعودي. وفي هذا الصدد فإن لبنان قد يستفيد من العلاقات السورية ـ الإقليمية الأخرى المتطورة، سواء مع تركيا أو مع إيران، لتعزيز مصلحة لبنان والأمة العربية.

إن تصريحات الرئيس سعد الحريري مهمة لجهة توقيتها ولجهة مضمونها ولجهة مكان نشرها، ومهمة لجهة ما قد يستتبعها سياسياً وقانونياً وقضائياً، وقد تكون الخطوة الأهم على صعيد السياسة الداخلية اللبنانية منذ الزيارة الأولى للرئيس الحريري نفسه إلى سورية، وتحوّل النائب وليد جنبلاط وإقراره بخطأ اتهام سورية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي كان من أقرب المقربين لدمشق..

 

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.