تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

مازن يوسف صبَّاغ.. المؤرخ المعاصر

تعرفت على الدكتور المؤرخ مازن يوسف صبَّاغ قبل أن ألتقي به، وكان ذلك قبل سبع سنوات، ولا غرابة في هذا الأمر، فقد كنت، طواعية, أتابع مؤلفاته ومصنفاته وكتاباته، بشغف واهتمام ومتعة، بخاصة وأن مؤلفاته تمتاز بصورة عامة، بتقديم المعلومة المنتشرة على نطاق ضيق، بإيجاز ورشاقة حماية لوقت القارئ من الضياع في هذا الزمن المتسارع بإيقاعات ذات ضجيج، وتمتاز أيضاً بلغة مبسطة سلسة دون تقعر لغوي أو حذلقة، مما جعل التاريخ الذي يكون عادة جافاً، يموج بقلمه السيال بالحياة والنضارة والتشويق، دون إثارة أو تهويل، كأنك تحيا بكل مشاعرك وجوارحك، مع هؤلاء الأعلام الكبار في تضحياتهم ونجاحاتهم وانكساراتهم، الذين تحدث عنهم الدكتور مازن صبَّاغ أمثال: وزير الدفاع السوري الشهيد يوسف العظمة، والسياسي المحنك سعد الله الجابري، والمناضل الحكيم جورج حبش، وعميد الأسرى العرب المجاهد سمير القنطار، والمفكر العربي ادوارد سعيد، والمفكر العربي عزمي بشارة، وصديق العرب الرئيس الفنزويلي تشافيز، وغيرهم من المشاهير والأعلام، فأرضت هذه المؤلفات التي جاد بها قلم الدكتور صبَّاغ، فضول القارئ المتعطش للثقافة الجادة، والمعرفة الصحيحة...

وتشاء المصادفة السعيدة وحدها، أن ألتقي به شخصياً، منذ سنوات، من خلال أصدقاء مشتركين، فوجدت في شخصيته الهادئة رحابة صدر ودماثة عفوية، مواكبة لبيت العلم والوطنية الحقّة والفضيلة والكرم العربي الذي ترعرع فيه منذ طفولته السعيدة حتى بدايات تكوينه المعرفي والثقافي، ومن ثم استغراقه في العمل الإداري والإعلامي بوظائف مرموقة، فضلاً عن انتخابه كعضو في مجلس الشعب السوري عن محافظة الحسكة دورة عام /1981/.

وهو في الوقت نفسه، لم يكن يبخل على الكتّاب أو الأدباء الجدد، ممن يلتقون به أو يقصدونه من أجل تقييم أعمالهم الإبداعية، بالنصيحة والتوجيه الأبوي والإرشاد الصادق، دون تعالٍ أو عنجهية أو جرح مشاعر، وكنت واحداً من هؤلاء، حيث كنتُ ألتقيه في مقهاه المفضّل أو في منزله، وأحياناً على مائدته التي أطلق عليها أحد الصحفيين السوريين المخضرمين اسم (المائدة المازنية)، لتنوّع المأكولات الدسمة الشهية التي تقدم عادة بسخاء عليها...

وقد لمستُ وغيري في شخصيته، أيضاً، كفاءة ثقافية وتاريخية معمقة، ومتابعة متأنية دؤوبة للموضوعات التاريخية المسكوت عنها في حياتنا العامة، لأسباب لسنا في صدد الحديث عنها في هذا المقام، هذه الكفاءة رشحته، بقوة، لأن يكون سفيراً ثقافياً ومؤرخاً أميناً لسورية، بفضل مؤلفاته التي تحمل ثمرات تفكيره وخلاصة ثقافته الموسوعية وتجربته الحياتية الناضجة، دون اعتماد رسمي من الخارجية السورية العريقة، في الكثير من الدول العربية والإسلامية والأوروبية التي وصلت إليها كتبه في طباعة أنيقة تشد الأبصار إليها.

إن جهود المؤرخ مازن صبَّاغ في دنيا التوثيق المنهجي الصارم، لأعلام هذه الأمة، كما أشرنا سابقاً، ولبعض شعوب العالم في الشرق وفي الغرب، وكذلك للأحداث التاريخية والوطنية الكبرى التي شهدتها المنطقة العربية، نذكر منها مؤلفاته: عن حزب الله، وعن العدوان الإسرائيلي على لبنان، وعن العدوان الهمجي الإسرائيلي على غزة البطلة، رشحته، بامتياز، عند المهتمين والمنصفين، لأن يكون أحد مؤرخي العصر الحديث، لاسيما وأنه نجح في علاقة تناظرية بربط التاريخ الذي عشناه، بالذاكرة الجماعية لأبناء الشعب العربي، فهو يوثق بالكلمة والصورة معاً، فضلاً عن التحليل الهادئ، أبرز ما جرى في هذه المنطقة العربية...

ولم يغب عن المؤرخ مازن صبَّاغ ـ الذي يتمتع بحسّ تاريخي مرهف ـ في مؤلفاته توثيق طبيعة العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية، وكذلك المعاهدات والاتفاقات الثنائية الخيّرة التي تربط سورية بالعديد من الدول الصديقة، فكانت هذه الكتب:

* كتاب العرب وإيران نداء التاريخ والحضارة.

* كتاب سورية وإسبانيا.

* كتاب دمشق ـ أنقرة ـ استنبول ـ حلب.

* كتاب دمشق ـ بكين ـ إحياء طريق الحرير.

* كتاب موسكو ـ دمشق.

* كتاب رجال رحلوا.

ويستحوذ على المؤرخ مازن صبَّاغ، ذلك الهاجس المحبب إلى قلبه الذي يحرمه من النوم لساعات طويلة، لصالح عمله التوثيقي الريادي، والتأريخ الأمين للدولة السورية منذ عام /1918/ حتى عام /2010/، فكان كتابه الأول في هذه السلسلة الجديدة، بعنوان: (سجل الحكومات والوزارات السورية 1918 ـ 2010م) الصادر عن دار الشرق في دمشق، ويقع في /496/ صفحة من القطع الكبير. وفيه يرصد صفحات مهمة ومضيئة من تاريخ شعبنا وبلادنا، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، ولكل المراحل التي شهدتها سورية، كما أنه يولي أهمية لتطوّر مؤسسات الدولة وفي مقدمتها الحكومات والوزراء ونوّابهم، والوزارات ومدتها والتعديلات التي طرأت عليها.

أما كتابه الثاني فكان يحمل اسم: (سجل الدستور السوري)، وفيه تسجيل لحكاية (الدستور) في سورية بدءاً من (القانون الأساسي) عام /1920/ و(مشروع دستور 1928) و(دستور 1930)، فضلاً عن دساتير أخرى عرفتها سورية بعد حصولها على الاستقلال في السابع عشر من نيسان عام /1946/، حتى دستورنا الدائم منذ عام /1973/. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الكتاب الصادر عن دار الشرق في دمشق يقع في /744/ صفحة من القطع الكبير.

وكتابه الثالث (سجل البرلمان ومجلس الشعب السوري) وفيه كل برلمانات سورية منذ العام 1919 ولغاية 2011 ويقع في /636/ صفحة من القطع الكبير.

أخيراً.. فإننا نتمنى للمؤرخ الصديق الدكتور مازن يوسف صبَّاغ، الاستمرار في عمله التوثيقي الذي يحتاج إلى جهود مضنية وإلى نخبة من الباحثين الموهوبين لإنجاح العمل، لكن الدكتور صبَّاغ آثر أن يعمل بمفرده وبصمت، ودون أن يطلب مساعدة في التحرير من أحد، فاستحق شرف الريادة، شأنه شأن المؤرخ خير الدين الأسدي، مؤلف موسوعة (حلب المقارنة)، التي ما تزال تُدهشنا.

لاشك أن هذه المؤلفات تسهم في توثيق ما أهمله التاريخ من أحداث، وفي إنعاش الذاكرة الوطنية، وتنصف شخصيات وطنية قدّمت لهذا الوطن الشامخ كل ما يرفع من شأنه، دون أن ينتظر كلمة (شكراً) من أحد.

مازن صبَّاغ شكراً

 

بقلم: د. حسين راغب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.