تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

القدس لن تكون في القلب إلا إذا...

 

رئيس تحرير مجلة البيادر السياسي المقدسية: جاك خزمو

 

 

 

بيانات تَصدر ومؤتمرات تُعقد وقرارات تُتخذ لدعم "القدس"، ومن يتابع كل هذه البيانات والمؤتمرات والقرارات يظن ويؤمن بأن "مزراباً" من الدعم يصل إلى هذه المدينة، وأن الوضع فيها ممتاز، وأن الجميع يؤدون واجبهم تجاه القدس والمقدسات فيها على أكمل وجه..

"القدس في القلب" شعار ردده أكثر من مسؤول عربي وفلسطيني، ولكن لا نلمس أي شيء يطبق على أرض الواقع. تقول مصادر عديدة أن مئات الملايين من الدولارات حوّلت للقدس، ولكن السؤال كيف صرفت وعلى ماذا ومن كان المسؤول.. وتقول مصادر أخرى أن هذه الأموال الضخمة مُنحت إلى القدس، ولكنها حوّلت لصالح مؤسسات تحمل اسم القدس أو تتاجر بها، وهي ليست في القدس، ولا تعمل من أجلها، بل إنها فقط تحمل اسم القدس للحصول على دعم وليس أكثر من ذلك..

حتى ولو تم تحويل المئات من ملايين الدولارات للقدس خلال 43 عاماً من الاحتلال، فهذا ليس بالمبلغ المحترم للدفاع عن عروبة المدينة وصمود أهلها، فإن اسرائيل تصرف مئات الملايين من الدولارات سنوياً لاحكام سيطرتها ولتهويد المدينة من كل الزوايا وعبر كل الوسائل..

لست هنا لأوجه النقد الهدام، ولا أهدف إلى "فتح" جروح كبيرة حول تقصير الكل تجاه القدس، ولا أريد أن أطالب بإرسال أموال لأبناء المدينة، لأن أهلها صامدون ولا يتوسلون ولا يمدون يدهم طلباً للعون المالي من أجل تأدية واجبهم، فهم يؤدون ذلك إنطلاقاً من إيمانهم بعدالة قضيتهم، وعمق انتمائهم للعروبة، ولكن ما أهدف إليه من هذه الكلمات عدة أمور:-

الأمر الأول هو وقف كل وسائل "التجارة" باسم المدينة، وان يكون الدعم – وخاصة المعنوي وهو الأهم – لأبناء المدينة وليس لمؤسسات تحمل أو تتاجر باسم المدينة، وتعمل على بعد آلاف أو مئات الكيلومترات عن المدينة. علماً أننا نرحب بكل دعم وكل مساندة حقيقية لنا، ولكننا ضد "الاتجار" باسم المدينة.

الأمر الثاني وهو المهم في رأيي عدم الحديث المبالغ فيه عن دعم القدس والوقوف إلى جانبها سواء في هذه القمة أو في ذلك المؤتمر، لأن مثل هذا الحديث "يؤذينا" من خلال استفزاز الجانب الاسرائيلي الذي يبدأ بتنفيذ سلسلة من الإجراءات لمواجهة هذا الدعم الوهمي بتخصيص مبالغ أكبر لتهويد المدينة، مع تشديد الإجراءات في مصادرة وجودنا وفي ترحيلنا عن هذه المدينة. فإذا أردتم العمل لصالح المدينة فيجب أن يكون الحديث عنه أقل من العمل نفسه.

الأمر الثالث يتعلق بأن يتبنى العرب قضيتنا بصورة يومية وفي كل لحظة ودقيقة، وأن تكون المبادرة للدفاع عن القدس متواصلة، وليست كرد فعل على اجراء اسرائيلي محدد. وهذا يعني ان قضايا القدس يجب أن تثار على الساحة الدولية باستمرار وبتواصل وباندفاع قوي.. ألا تستحق قضية سحب أو مصادرة بطاقات الهوية الزرقاء (أي حق الاقامة) من المواطن الذي ولد وعاش في هذه المدينة نتيجة آرائه السياسية المناهضة للاحتلال الإثارة على الساحة الدولية؟ وألا يستحق القانون الاسرائيلي الجائر الذي يلغي حق الاقامة للمواطن المقدسي من الاقامة في مدينته إذا أقام في الخارج طلباً للعلم أو للرزق أكثر من سبع سنوات بينما يحق لأي يهودي بالاقامة في هذه المدينة متى شاء ومن دون قيود حتى ولو كان من نيوزيلندا أو من أقاصي المعمورة أثارته أيضاً على المستوى العالمي؟

أليس من الواجب أن تكون هناك تحركات دبلوماسية عربية من أجل وقف سياسة هدم المنازل في سلوان، أو طرد المواطنين من حي الشيخ جراح بالقدس، واقامة المزيد من المستوطنات على الاراضي العربية المصادرة في القدس..

الدعم أو التحرك السياسي مطلوب وهو ذو فائدة أيضاً ليشعر المواطن المقدسي أن هناك أخوة له يناصرونه ويدعمونه ويقفون الى جانبه.

لماذا لا تطرح قضايا القدس على الجمعية العامة للأمم المتحدة باستمرار، ولماذا لا نعمل على اتخاذ قرارات.. ولماذا لا يتحرك الجميع لمحاسبة اسرائيل على ما تقترفه في القدس من مخالفات صارمة للقوانين والمواثيق والاتفاقيات الدولية.. لقد ضمت اسرائيل القدس إليها، وتحركنا ضد ذلك وسكتنا ويبدو أن بعضنا قبل بهذه الحقيقة، وهو أمر خطير جداً إذ أن احتلال القدس هو بحد ذاته مخالف للقوانين الدولية، فكيف إذا تم ضمها!؟

الأمر الرابع هو أن تكون هناك استراتيجية عمل واضحة المعالم لدعم القدس، لا أن نسمح لكل واحد أن يعمل كما يحلو له، وحسب رغبته. إننا نرحب بكل دعم مقدم ولكن يجب توحيد الجهد والتنسيق فيما بين هذه الجهات حتى لا يذهب الدعم الى نفس المؤسسات التي تحمل يافطة كبيرة وهي في الواقع لا تقدم أي خدمة لأبناء القدس حتى أنها لا تساهم في دعم الوجود العربي في المدينة.. فهناك عدة مؤسسات تحصل على الدعم من حوالي عشر جهات، وغالبية أبناء القدس لم يشعروا بوجودها أو يحسوا بأي عمل أدته لصالح المدينة..

وكذلك المطلوب أن تكون اللجان المعينة لدعم القدس تعرف القدس ومن أبنائها.. فهناك لجان عديدة مسؤولة عن القدس، ولكنها لم تستطع حتى الآن دخول المدينة، وكذلك كثيرون يتحدثون عن القدس ولكن السؤال الذي يجب طرحه: هل ولد هؤلاء المتحدثون في المدينة وعاشوا فيها؟ أم أنهم أكاديميون يتابعون معاناة أبناء المدينة عبر الكتب والدراسات والمقالات.

إن من يعرف عن القدس ويعاني من احتلالها هو من بقي صامداً فيها حتى الآن... فإن ثمن وجوده كبير ومؤلم، ومن المستحيل وصفه، لأن ألم من إصبعه في النار ليس كمن يتفرج عليه.. "وأهل مكة أدرى بشعابها"..

نشكر كل الذين يقفون إلى جانب القدس بكل أمانة وإخلاص، ونأمل أن يزداد الدعم المعنوي والسياسي لنا، وأن يأخذ كل من يعنيه الأمر ما طرحته بعين الاعتبار، ولن تكون "القدس في القلب" إلا إذا كان العمل صادقاً وسليماً تجاه القدس.. وكفانا شعارات، وكل ما نحتاجه إلى قليل من العمل والجهد الجادين.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.