تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

زكريا شاهين: بعدالعراق.. أمريكاتتورط في أفغانستان

 

محطة أخبار سورية

لم تنته الورطة الأمريكية في العراق بعد، وأيضا.. ها هي تطل في أفغانستان. التململ ضد هذه الحرب يرتفع تدريجيا، ولعل أبرز مظاهره أن وسائل الإعلام الأمريكية تجاهر علنا بانتقاداتها للتواجد الأمريكي في أفغانستان، وبفشل السياسة الأمريكية في إدارة تلك الحرب.

 

وسائل الإعلام ليست وحدها بالطبع، فهنالك أيضا المؤسسة العسكرية ومراكز الدراسات الاستراتيجية ومسؤولون كبار، كلهم بدأوا ينضمون إلى مسلسل التململ الذي يواجهه الرئيس الأمريكي "أوباما" والذي على ما يبدو، يحاول أن يتغلب عليه من خلال الإيحاء بثقته بقادته العسكريين وباستراتيجيته المدروسة بجدية.

 

التململ الشعبي حاضر هو أيضا، ولكن ليس بالضرورة أن يكون على شكل تظاهرات واحتجاجات كما كان الحال في رفض الحرب ضد العراق، وإنما يأتي على شكل تحليلات ودراسات تمس المواطن الأمريكي وتشعره بعبث التواجد الأمريكي المكلف في أفغانستان.

 

تنشر وسائل الإعلام الأمريكية تكاليف الحرب لتقول، "إن الحرب على أفغانستان تكلف دافع الضرائب الأمريكي ما بين مائة ومائتي مليون دولار سنويا، وأنها إذا ما استمرت سنوات أكثر فقد تكلف الولايات المتحدة ما يزيد على تريليون دولار دونما فائدة ترتجى؛ تتحدث عن فشل الهجوم الأخير الذي بدأ قبل أشهر دون تحقيق أية نتائج، بل على العكس من ذلك تقول: إن المناطق الرئيسية في أفغانستان البالغة حوالي 121 منطقة هي إما محايدة أو متعاطفة مع طالبان أو داعمة للحركة بشكل جارف، وإذا كانت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تلوح بأنها قد تنجح بفتح الحوار المباشر مع طالبان حتى فترة قادمة تكون فيها الحركة في موقف ضعيف فإن ذلك لن يتحقق، حيث إن الحركة تتعاظم قوتها ونفوذها وتتزايد شعبيتها، وقد عادت بقوتها وبهجماتها المعاكسة إلى بلدة مرجة حيث هللت واشنطن قبل شهور لعمليتها العسكرية الأخيرة.

 

لا تخفي الصحافة الأمريكية والبريطانية اتجاهات قادة الدول التي تشارك في الحرب في أفغانستان، إذ تلتقي في تحليلاتها بالقول، إن معظم اللاعبين في أفغانستان والمنطقة ربما يودون وقف الحرب المستمرة منذ 2001 ويسعون للنجاة من تبعاتها، وعلى رأسهم إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، معتبرة أن إعلان أوباما عن إستراتيجيته إزاء الحرب، والمتمثلة في نيته بدء سحب قواته من أفغانستان بحلول يوليو/ تموز 2011، كانت خطوة استباقية من جانب إدارته لتلافي الاصطدام مع مناهضي استمرار الحرب حتى من بين الديمقراطيين أنفسهم، بينما تنفرد الـ"نيوزويك" بالقول: إن واشنطن تواقة لعقد صلح مع طالبان وبشكل قد لا يتصوره الأمريكيون أنفسهم.

 

يوضح المذكور أن واشنطن تقوم منذ شهور بمراجعة ودراسة الأسماء التي احتوتها لائحة قدمها الرئيس الأفغاني كرزاي، مشيرا إلى أنه يمكن إغراء أصحابها برفع أسمائهم من "اللائحة السوداء" أو تهديدهم بإجراءات ما، ربما تكون في غالبيتها مالية واقتصادية، مما يثير سخرية حركة طالبان التي يقول أحد مسؤوليها "أن لائحة كرزاي، والتي تضم "1267" اسما، هي لائحة مثيرة للسخرية، موضحا أنهم في الحركة لا يملكون حسابات بنكية يخافون عليها وأنهم لا يرتحلون سوى بين أفغانستان وباكستان عبر استخدامهم السيارات أو الحمير، وأنهم ليسوا بحاجة إلى جوازات سفر أو تفويض من جانب الأمم المتحدة إزاء ذلك.

 

المؤسسة العسكرية ومحاولة لملمة الصفوف

يقولون في واشنطن إنه ربما حالف الرئيس الأمريكي الحظ هذه المرة بتعيينه بترايوس بدلا من ماكريستال، فباترايوس الذي شارك في الحرب على العراق كان مهندس إنشاء الصحوات التي يرفض كرزاي شبيهة لها في أفغانستان، لكن واشنطن تريد فعل شيء بشأن وقف الحرب على أفغانستان دون مزيد من الترقب والانتظار، حيث ترى أن ترقب استقرار الأوضاع الأمنية على الأرض الأفغانية أشبه بتوقع مولود لا يمكن التنبؤ بلحظة قدومه، ومع ذلك فالعديد من المسؤولين الأمريكيين، خاصة في المؤسسات التشريعية، يرون أن إقالة ماكريستال تعبر عن حالة التدهور التي تعاني منها المؤسسة العسكرية الأمريكية وكذلك الأمر بالنسبة لحلفاء أمريكيا المشاركين في الحرب على أفغانستان.

 

لقد أقيل جنرال، وجاء آخر، وأحيط تعيينه بهالات من التفاؤل والأمل، خصوصاً في ما يعتبرونه نجاحاً سجل على يديه في العراق عبر تشكيل الصحوات، لكن ما لا يذكر في هذا الصدد، أن العمل الأمريكي على تشكيل صحوات أفغانية كان في صميم ما سعى إليه ماكريستال، ويبدو أن تنحيته من منصبه لم تكن نتيجة تطاوله على أوباما وغيره من المسؤولين الأمريكيين، بقدر ما كان نتيجة لسلاسل من الفشل في طليعتها الفشل الذي مني به قبل أسابيع قليلة اجتماع "اللويا جيرغا" "زعماء القبائل الأفغانية"، والذي كان الهدف الأساسي منه هو استيلاد صحوات أفغانية عبر شق طالبان، تمهيداً لإجراء مصالحة وطنية مع المنشقين.

 

وبالطبع، فإن الفشل في تشكيل قوة أفغانية تحارب في أفغانستان لمصلحة أمريكا العاجزة عن تحقيق تقدم بالوسائل العسكرية الأمريكية والأطلسية كان قبل ولادة فكرة الصحوات الأفغانية في أساس فكرة تشكيل جيش أفغاني من 400 ألف مقاتل بتكاليف تقل بآلاف المرات عن تكاليف مباشرة الحرب من قبل الجيوش الغربية بنفسها.

 

كذلك فإن البحث عن ملاذ غير مرهق للميزانية الأمريكية، دفع بالأمريكيين إلى إدخال باكستان كطرف استراتيجي في حربهم الأفغانية، لكن ذلك لم يفض إلا إلى المزيد من الفشل الذي وسع من دائرة التورط الأمريكي وهدد بنشوء وضع باكستاني يزيد خطورة عن خطورة الوضع الأفغاني.

 

بترايوس المنقذ المنتظر

قبل أن يغمى عليه أثناء استجوابه في الكونغرس، كان بترايوس قد اقترح توزيعاً للأدوار على الأساس التالي: "هم يقومون بالقتال ونحن نقوم بدعمهم بالمعدات وبالتمويل...". بكلام آخر، الكلام عن بقاء استراتيجية أوباما في الحرب الأفغانية دون تغيير.

 

النقطة البارزة في استراتيجية أوباما بتعهده بالانسحاب من أفغانستان في منتصف صيف العام 2011 بدأت بفقدان قيمتها مع التحفظات التي أبداها ماكريستال على إمكانية تنفيذها الذي ربطه، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، في تقرير سري، يقول بإمكانية تصفية طالبان خلال الأشهر الإثني عشر المقبلة.

 

إذن، ما قاله ماكريستال بهذا الخصوص، يقوله الآن بترايوس مع تعديلات لا تغير شيئاً في واقع الحال؛ فهو يعتقد أن الالتزام بالموعد الذي حدده أوباما لبدء الانسحاب في تموز/ يوليو 2011، يحتاج إلى بعض المرونة، وهذا ما دفع بأحد المستجوبين لبترايوس في الكونغرس الأمريكي إلى القول: "إن ما يعتقده ماكريستال وما يظنه بترايوس هو عين ما يعلمه أوباما نفسه".

 

توصف استراتيجية أوباما، بما في ذلك شقها المتعلق بالانسحاب، بأنها خرقاء وحمقاء ويشوبها الخلل، وهذا ضمن سلسلة من التهكمات على أوباما واستراتيجيته، يعود الفكر المحافظ إلى محاولة النيل من الرئيس الديمقراطي الذي يتخبط هو وإدارته بين هزائم أمريكا العسكرية والسياسية وأزماتها المالية وبقعتها النفطية، وغير ذلك من الفشل في إدارة الوضع الأمريكي في الداخل. تعود الأصوات المتشددة للتشكيك في إدارة أوباما لهذه الحرب لتعلن بأن من الضروري "إعداد الجمهور الأمريكي لحرب طويلة في أفغانستان"، كما قال كيسنجر مثلا، أو كما يقول غيره من أقطاب المحافظين الذين يطالبون بحرب مفتوحة لأجل "غير مسمى حتى تحقيق النصر"، بالرغم من أن بعضهم يرى أن تحديد أوباما لجدول زمني للانسحاب من أفغانستان، إنما يهدف إلى طمأنة الشعب الأمريكي بأن "الولايات المتحدة لا تخطط لاستمرار الحرب فى أفغانستان إلى الأبد".

 

لكن وفي نفس الوقت، تنقل وكالة "يو بي اي" الدولية للأنباء "16 يونيو 2010"، بأن مسؤولين أمريكيين أكدوا أن الموعد الذي حدده الرئيس أوباما لبدء سحب قواته من أفغانستان في يوليو 2011 سيعتمد على ظروف كابل والتقدم في الحرب، لافتين إلى أنه لم يقرر بعد مدى سرعة سحب هذه القوات، وهو ما قد يتسبب في خلق توتر داخل الإدارة الأمريكية حول مدى صلاحية خطة أوباما.

 

الهروب إلى اتجاهات تبريرية

الفشل الأمريكي وكذلك الإحباط، سمتان تميزان تصرفات السياسيين الأمريكيين والعسكريين على حد سواء، تذكر "صحيفة واشنطن بوست" أن من بين التحديات التي سيواجهها قائد قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان الجنرال الأمريكي ديفد بترايوس هي تلك المتمثلة في حالة الإحباط السائدة بين أفراد القوات الأمريكية. لكن الإحباط الأكبر يأتي على شكل هروب من الوقائع الفاشلة وتحميل الفشل نفسه إلى جهات أخرى. ففي 13 يونيو 2010 أشارت دراسة نشرها مركز "لندن سكول أوف إيكونوميكس" إلى أن أجهزة الاستخبارات الباكستانية تقدم على ما يبدو أموالا وتدريبا وحماية لعناصر طالبان في أفغانستان، مؤكدة أن لديها العناصر الأكثر إقناعا حتى اليوم بوجود تعاون وثيق بين أجهزة الإستخبارت الباكستانية والحركات التي تصفها بالمتمردة. وقد نُشرت الدراسة في ختام واحد من أدمى الأسابيع للقوات الأجنبية في أفغانستان، حيث قتل أكثر من 21 من أفرادها الأسبوع الأول من شهر يونيو.

 

هذا اتجاه؛ أما الاتجاه الآخر فهو تبرير الذهاب إلى أفغانستان بوجود الثروات الهائلة بها، والتي تستحق هذا الذهاب، إذ فجأة وبعد تسع سنوات من تلك الرحلة الفاشلة، تخرج صحيفة نيويورك تايمز " 14يونيو 2010" لتقول: إن علماء جيولوجيا أمريكيين اكتشفوا في أفغانستان كميات هائلة من المعادن، بينها النحاس والليثيوم، تقدر قيمتها بـ2000 مليار دولار، لكن مراكز رصد وخاصة أوروبية تقول إن الحديث عن ثروات أفغانستان المعدنية ليس سوى جزء من قصة أكبر وهي تلك التي تتعلق بتجارة المخدرات التي توفر للمتعاملين فيها عشرات مليارات الدولارات سنويا والتي تستخدم حسب عدد من الملاحظين كسلاح صامت، مشيرة إلى أنه في نهاية سنة 2009 وخلال شهر فبراير 2010 اتهمت روسيا الولايات المتحدة مرتين وخلال أسبوع واحد بالتواطؤ مع منتجي المخدرات الأفغان لرفضها إتلاف محصول الأفيون عبر رش حقوله بالمبيدات جوا وتدميره في مناطق تقدم القوات الغربية، علما أنه وبحسب تقرير لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة في مارس 2010 فإن الكميات الهائلة من الأفيون الذي يتم إنتاجه في أفغانستان تسبب عددا من الوفيات بين مواطني الدول الغربية أكبر مما تسببه الحرب.

 

تداعيات الحرب الأفغانية على حلفاء أمريكا

الفشل الذي يصيب الأمريكيين بسبب عدم تحقيق أية نتائج في الحرب الأفغانية، ينعكس سلبا على حلفائهم، ففي بريطانيا يعتبرون أن الحرب الأفغانية الآن غدت حربا أمريكية، بحسب ما جاء في الموضوع الرئيسي لصحيفة الأندبندنت التي اعتبرت أن القوات البريطانية تمر الآن بـ"أوقات عصيبة ومؤلمة في الصراع القاسي في أفغانستان"، مشيرة إلى أن عدد الجنود البريطانيين الذين سقطوا هناك بلغ 312 قتيلاً، فيما يقدر الجنرال ريتشارد دانات القائد السابق للجيش العدد بأكثر من 400 قتيل.

 

وزير الدفاع ليام فوكس كان قد دعا في وقت سابق إلى أن الخروج مما وصفها "دولة القرن الثالث عشر" يجب أن يتم في أسرع وقت ممكن.

 

يوم الأحد 13 يونيو 2010 أفادت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" أن الحكومة البريطانية قررت إقالة رئيس هيئة أركان القوات المسلحة البريطانية مارشال الجو السير جوك ستيروب من منصبه، في إطار مراجعة الإستراتيجية البريطانية في أفغانستان. كما تقرر إقصاء السير بيل جفري Kأعلى موظف مدني في وزارة الدفاع البريطانية، من منصبه أيضا، حيث يرى منتقدو المارشال أنه يعتبر جزءا من فشل الحكومة العمالية السابقة وفشل الدور البريطاني في أفغانستان؛ ويمكن قياس هذه التداعيات على العديد من الدول التي تشارك الأمريكيين في حربهم الفاشلة والتي بدأت تعلن عزمها على سحب ما لديها من قوات في ذلك البلد الذي لم تنجح معه أية غزوات سابقة.

 

الصورة الأمريكية وشبيهتها في دول الحلفاء قاتمة جدا، فالحرب في أفغانستان يخشى أن تكون سببا في تساقط رؤوس كبيرة كما فعلت حرب العراق، وهذا ما يدفع بالجميع للتفكير بجدية في الهروب من هذه الحرب.

العرب أونلاين

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.