تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

مصر وأرملة زوربا في ذاكرتي!!

كنت أطالع رواية "زوربا" للكاتب اليوناني نيكوس كازانتزاكيس، وتحديداً، كنت أقرأ الفصل الذي تستعيد فيه الأرملة التي قابلها زوربا، أمجادها وجمالها وتاريخها. وقد ذكرت "بابولينا" ان ثلاثة ضباط (روسي وانكليزي وايطالي) أجلسوها ذات مرّة في حوض مليء بالنبيذ ثم شربوا النبيذ كلّه. كانت تحاول إطلاق العنان لمخيلة زوربا لتشده إليها بعد ان فاتها قطار العمر، وأدركت ان العطارَ لن يصلح ما أفسدَ الدهر..

توقفتُ قليلاً عن قراءة الرواية، لأقلّب عناوين الصحف فقرأت في  صحيفة السفير 14/7/2010 عنواناً يقول: مبـارك يـرجـئ مجـدداً لقـاءيـه بعبـاس ونتنـياهـو. وفي الخبر ان القاهرة أرجأت مجددا أمس الاجتماعات بين الرئيس المصري حسني مبارك ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وسط أنباء عن ان مبارك سيسافر قريبا الى ألمانيا في رحلة علاج جديدة (الإرجاء هو الثاني لليوم الثاني على التوالي).

كذلك أوردت صحيفة الخليج (14/7/2010) بدورها، عدداً من العناوين المتعلقة بجمهورية مصر العربية. وأول العناوين؛ القاهرة: ملف حوض النيل سيستغرق سنوات وعقوداً. وفي الخبر أيضاًُ أن وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط، أكد أن ملف حوض النيل سيستغرق سنوات وعقوداً لحسمه. ومن العناوين الأخرى التي تتناول الوضع في مصر العزيزة، في صحيفة الخليج: سياسيون مصريون يطالبون المعارضة بـ “فك الارتباط” بالنظام. وفي الخبر أيضاًُ، ان محللين وسياسيين مصريين دعوا أحزاب المعارضة إلى فك الارتباط بالحزب الوطني الديمقراطي (الحاكم) وتشكيل جبهة واسعة تهدف إلى إحداث تغيير حقيقي في بنية النظام السياسي. واتهموا الحزب الحاكم بإفساد التجربة الحزبية في مصر من خلال عقده صفقات سياسية مع بعض أحزاب المعارضة.

هذه الأخبار، وغيرها من  أخبار مصرية كثيرة في نفس العدد من الخليج: النيابة تطلب تقارير تتهم برلمانيين مصريين بتجاوزات..احتجاجات جديدة للمحامين المصريين..حقوق الإنسان في مصر.

مرة ثانية وثالثة وعاشرة تدفعنا محبة مصر والغيرة على مصر لأن نتساءل؛ مصر، أم الدنيا أين هي الآن!؟ أين دورها؟ أين حضورها العربي والإفريقي والآسيوي والدولي. أين مصر عدم الانحياز ودعم الثورات التحررية؟ هل حقاً أنّ هذه الدولة ودبلوماسيّتها تُعانيان مستوى عالياً من الضغوط كما ذكرت صحيفة الأخبار (13/7/2010). هل حقاً أن أمنها القومي في خطر؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما انعكاس ذلك على الوضع العربي والجسم العربي والقضايا العربية!؟ هل حقاً شاخت مصر وترنح دورها؟؟

يجري حديث كثير عن عجز مصري عن إنجاز المصالحة الفلسطينيّة بين حركتي فتح وحماس، وعن توتّر كبير في العلاقة مع حركة حماس، بل وعن دور مصري في الحصار المفروض على قطاع غزة. ويرى كثيرون انه لولا الهجوم الإسرائيلي على "أسطول الحرية" في المتوسط والتحرك التركي الذي أعقبه، لبقي معبرُ رفح مغلقاً حتى الآن.. وكأن الحكومة المصرية التي تلكأت في فتح المعبر سنوات، لم تكن تسمع نداءات الاستغاثة القادمة من القطاع المجاور ومن الأهل المحاصرين.

كذلك يجري حديث، يتناقله المصريون أولا، عن تراجع الدور والحضور المصري في القارة السمراء، وعن غياب التأثير المصري في القضايا التي تهم القارة الإفريقية. حتى أنه يقال أن مصر غائبة عن المغرب العربي كله... وما الإشكالات التي حدثت بين منتخبي مصر والجزائر لكرة القدم قبل التأهل لكأس العالم العام الماضي إلا دلالة ـ في نظر الكثيرين ـ على الانكفاء المصري والنظرة المصرية القطرية الضيقة والمنكفئة على ذاتها.وعل هذا  يتساءل كثيرون؛ منذ متى كانت مصر تقف عند مباراة كرة قدم وهي أم الثورات وملهمتها!

ويسأل آخرون؛ السودان، الأخ الجنوبي، أمام خطر التقسيم، فماذا فعلت مصر؟ تقسيم السودان يعني أن تتضاءل قدرة مصر على الوصول «البري» إلى منابع النيل.. النيل الذي بدأ اللعب في منابعه. النيل الذي بدأت دول منبعه تنتهج سياسات خاصة حول تقاسم مياه النهر تؤدي إلى تراجع حصة مصرـ وهذه الدول  لم تعد تعط الكثير من الاهتمام للموقف المصري. وهناك  اتفاقية جديدة جرى توقيعها بين دول المنبع  وحدها دون استشارة أو مشاركة دولتي المصب (مصر والسودان) .

أما بشأن علاقات مصر العربية والإسلامية، فيحكى عن الكثير من الشوائب. هناك حديث عن علاقات باردة مع كل من المملكة العربية السعودية وسورية، المثلث الذي إن صحّ صحّت العلاقات العربية وإن اعتلّ اعتلّت تلك العلاقات.. ولا يمكن لأي عربي أن يفهم ويتقبل أن يزور رئيس الوزراء الإسرائيلي القاهرة ثلاث أو أربع مرات خلال عامين ولا يتمكن الرئيس السوري أو الملك السعودي أن يزور القاهرة أو ان يزور الرئيس المصري دمشق أو جدة أو الدوحة مرة واحدة خلال هذين العامين.. هل حقاً التنسيق مع إسرائيل أسهل وأهم بكثير من التنسيق مع سورية والسعودية مثلاً؟؟ أم أننا وصلنا في علاقاتنا العربية ـ العربية إلى مرحلة لم نعد قادرين على الحوار.. أم انه ليس مسموح لنا الحوار مع بعضنا؟؟

أيضاً وأيضاً.. هناك حديث عن دور مصري سلبي في لبنان والدليل كما يورد أصحاب هذا الرأي، استقبال سمير جعجع مؤخراً من قبل رأس السلطة في مصر. فالسؤال؛ لماذا يتم استقبال سمير جعجع والجميع يعرف  من هو جعجع.. أما العداء والتوتر مع إيران والبرودة مع تركيا فلا يمكن فهمهما، ولا معرفة لمصلحة من هذا الجفاء مع الدولتين، لاسيما بعد أن وقفت الدولتان إلى جانبنا وأيدتا القضايا العربية بكل عزم وقوة!!

هل تنفّذ مصر رغبة أمريكية أو غربية؟ أم أن الدبلوماسيّة المصريّة، انتقلت كما يقال من «ثوابتها» القديمة، وهي الحراك البطيء والمدروس إلى ردّات الفعل لتثبت أنها ما زالت قادرة على الحراك، وعلى الفعل السياسي، وأنها قادرة على خلق الاضطرابات في وجه الخصوم.

لا نرجو أن تكون مصر ضعيفة ..ولا نتمنى ان تكون مصر وهنة مثل أرملة زوربا تحاول العيش على أمجاد الماضي.. نريد العافية  لمصر ، قيادة وحكومة وشعباً،وهي صاحبة الدور الخلاق والقوي والجامع والريادي في المنطقة وعلى مستوى العالم.. نريد أن تُلهِم مصر العرب جميعا من المحيط إلى الخليج.. وأن تكون قدوة للعرب والمسلمين في العمل المشترك الذي يخدم قضايا الأمة العربية والإسلامية..لإن تقوقع القاهرة وانكفائها، يضعف الدور المصري أولاً، ويضعف الدور العربي ثانياً، ويخدم العدو الإسرائيلي ثالثاً.

نأمل أن تنهض مصر بدبلوماسية خلاقة تتجاوز الحدود والحسابات الضيقة إلى فضاء رحب يتسع لها ولأشقائها العرب، بعيدا عن الجمود والتفرد والانكفاء. فمصر، كلها، في قلوب العرب، وخوفهم وحرصهم عليها  كبير ..كبير على قدر محبتها..

 

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.