تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

بديع عفيف : من أفسد الامم المتحدة وأضعف دورها

“The effectiveness of the United Nations is mainly determined by two factors, the international climate and the way governments choose to use the organization”.

Urquhart, B., “ The United Nations System and the Future”, International Affairs, vol. 65, no. 2, Spring 1989.  P. 225

 

 

 

انتقدت مديرة مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المنتهية ولايتها اينغا بريت الينيوس، الأمين العام بان كي مون في تقرير سري أعدته لمناسبة نهاية خدمتها. وقالت المدققة المالية السويدية مخاطبة بان كي مون إن «إجراءاتك في الأمم المتحدة لا يرثى لها فحسب، بل تستحق الشجب، جديا. وقراراتك التي تحرج نفسك بها، غير مسبوقة... والأمانة العامة للمنظمة غارقة حاليا في الانحلال والتدهور والفساد».. وأكدت الينيوس، أن الأمين العام للأمم المتحدة «يساهم في تراجع مستوى المنظمة الدولية اثر عرقلته العمل المستقل والنزيه».

ورغم انه يمكن الحديث مطولاً عن انجازات المنظمة في مناطق ساخنة كثيرة من العالم، وفي مجال الاحتباس الحراري ودعم تمكين المرأة والمساعدات الإنسانية...الخ، إلا أن دور الأمم المتحدة تراجع كثيراً وقلّ احترام  الاخرين لها وضعفت فعاليتها، أولاً، لأسباب ذاتية بيروقراطية وبسبب الفساد المستشري داخلها، مثلها مثل أي مؤسسة أخرى. وثانياً، لأسباب خارجية، سنبحثها في هذا المقال، وقد لخصها الخبير الهندي برايان أورغهات، الذي عمل في الأمم المتحدة لعقود بالقول؛ إن فعالية الأمم المتحدة يحددها عاملان: المناخ الدولي والطريقة التي تختارها الحكومات لاستخدام المنظمة الدولية".

إن المنظمة العالمية "United Nations" التي تأسست بتاريخ 24 تشرين الثاني عام 1945 في مدينة سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، وهدفت وفق ميثاقها إلى؛ صون السلم والأمن الدوليين؛ تنمية العلاقات الودية بين الأمم؛ تحقيق التعاون على حل المشاكل الدولية وتعزيز احترام حقوق الإنسان؛ وجعل هذه الهيئة مركزاً لتنسيق أعمال الأمم، والتي تضم في عضويتها دول العالم المستقلة لم تعد فعّالة كما تمنّى وأملَ منشؤوها قبل أكثر من ستين عاماً، ولم تتمكن من حماية السلم والأمن الدوليين في أغلب الأحيان ومعظم الأماكن.

وبالعودة إلى تاريخ الأمم المتحدة، فإن مناخ الحرب الباردة والتنافس بين الشرق والغرب الذي أعقب تأسيس المنظمة الدولية تحكم بالكثير من قراراتها، وقدرتها على العمل وشلّ تحركها وعطل

تطبيق قراراتها، فكانت بدعة قوات حفظ السلام الدولية "peacekeeping Forces" التي استخدمت لملء الفراغ الموجود في الأمم المتحدة، ولتبريد الجبهات أو الأماكن الساخنة التي لا تسيطر الدول الكبرى عليها، أو التي لا تريد التدخل والحل فيها، أو أنها تمارس فيها دورا غير مباشر مثلما يحدث في كشمير وجنوب لبنان وأماكن أخرى.

وبعد انتهاء الحرب الباردة برز دور كبير للأمم المتحدة وانتشرت قوات حفظ السلام في أكثر من عشرة أماكن لمواجهة المشاكل والأمراض والقلاقل الدولية التي تهدد السلام والأمن الدوليين والتي تتراوح بين التطهير العرقي وجرائم الحرب إلى الفقر وتدمير البيئة.. ولكن هذا الدور عاد وتراجع ولاسيما بعد وصول إدارة جورج بوش الأمريكية السابقة إلى الحكم في الولايات المتحدة وتجاهلها لدور المنظمة وقراراتها ومحاولة الضغط عليها عبر طرق عديدة، أحدها المساهمات المالية التي كان على الإدارة الأمريكية دفعها للمنظمة ولم تسددها تحت حجج كثيرة أهمها الفساد المستشري وغياب الشفافية في الأمم المتحدة وضرورة قيام المنظمة بالإصلاحات الضرورية قبل تسديد هذه المستحقات.

أما في مجال دور حكومات الدول، فليست الأمم المتحدة حكومة عالمية فوق حكومات الدول المستقلة. وعليه فإن المنظمة الأممية لا تملك أداة أو جيشاً مستقلاً لتطبيق قراراتها. ورغم تعهد الدول الموقعة على الانضواء تحت رايتها بتقديم المساعدة لتنفيذ هذه القرارات، إلا أن ذلك لم يتحقق في كثير من الأحيان. بل إن أكثر الدول ولاسيما الدول الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للمنظمة، والتي تتمتع بحق النقض "الفيتو" مارست دورا معرقلا لتطبيق قرارات الأمم المتحدة وتوصياتها. ولعل المثال الأبرز والأقرب إلينا هو استخدام الولايات المتحدة الأمريكية مرات عديدة لحق النقض لحماية إسرائيل ومساعدتها في تجاهل عشرات القرارات الصادرة عن المنظمة الدولية في تحدٍّ صارخ لكل القيم والأعراف والمواثيق الدولية.

أكثر من ذلك، فإن هذه الدول سعت وتسعى عبر الضغوط والتهديدات إلى استصدار قرارات دولية عن المنظمة يشكل تنفيذها استهدافا لطرف معين وخدمة لطرف آخر، مما جعل الأمم المتحدة تبدو في كثير من الأحيان أداة تنفيذية لأغراض الدول المتنفذة فيها، وتكيل بمكيالين، وهو ما أساء إلى صورتها وسمعتها وزاد في ضعفها.

من جهة أخرى، فإن حكومات الدول، في استجابتها لقرارات المنظمة  الدولية ـ سلبا أو إيجاباً ـ  تسير وفق ما تراه مصالحها الخاصة أو وفق قدرتها على رفض هذه القرارات أو التحايل عليها أو تأجيل تطبيقها لحين نسيانها أو تجاهلها، وبالتالي لا تعير احترامَ المنظمة الدولية الكثير من الاهتمام. وفي هذا السياق، تبدو إسرائيل أكثر من تجاهلَ قراراتِ الأمم المتحدة حيث انها  لم تنفذ يوماً أي قرار لمجلس الأمن الدولي ملزماً كان أو غير ملزم، باستثناء القرار الذي ثبت  قيامها.

وإذا كانت الأمم المتحدة ليست حكومة عالمية وهي لا تضع القوانين، ولكنها توفر سبل المساعدة على حل النزاعات الدولية وصياغة السياسات المتعلقة بالمسائل التي تمسنا جميعاً، فربما هذا ما قد يجعل الكثيرين يتمسكون بوجودها حتى الآن أملاً في تحقيق "العدالة" في مستقبل قادم.

ونظرياً فإن كل الدول الأعضاء كبيرها وصغيرها، غنيها وفقيرها، بما لها من آراء سياسية ونظم اجتماعية متباينة، لها في الأمم المتحدة أن تعرب عن آرائها وتدلي بأصواتها وفق مبدأ المساواة الكاملة بينها، ولكن الواقع العملي مغاير والتأثير مختلف تماماً. وبديهي أن تأثير الصومال أو موريتانيا في الأمم المتحدة مثلا، لا يوازي ولا يساوي تأثير الولايات المتحدة أو روسيا أو فرنسا.

 

أما على صعيد الإصلاحات التي تطالب بها العديد من الدول، فإننا نلاحظ اختلافا وأحيانا تعارضا بين الإصلاحات المطلوبة. ففي حين تطالب دول عديدة بالبدء بإصلاح مجلس الأمن ليكون أكثر تمثيلا للعالم جغرافياً وإقليمياً وسياسياً، فإن الكثير من الدول ولاسيما الدول الفاعلة والدائمة العضوية في مجلس الأمن، ترفض هذا الاقتراح للمحافظة على الحقوق التي تميّزها عن غيرها. وفي نهاية المطاف، فإذا لم تقم الأمم المتحدة بإصلاح نفسها، وتطوير ذاتها إدارياً لتكون أكثر شفافية وديناميكية، وسياسياً وبنيوياً لتلبي حاجة التطورات التي حصلت في العالم بعد انتهاء الحرب الباردة وتراجع دور وأهمية دول معينة وبروز دول أخرى صاعدة، فإن أهمية هذه المنظمة سوف تتراجع أكثر وتنكفئ وقد تتعرض للإهمال والتآكل أكثر مما هي عليه رغم أهمية وجودها.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.