تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

غزة وتركيا وأحرار العالم وطريق البحر

 

 محطة أخبار سورية

كثيرة وكبيرة هي المعاني التي حملتها التجربة التي جسدها بالدماء والعزة والكرامة والكبرياء أبطال أسطول الحرية ، ومعهم الموقف التركي الحازم في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية، لكن المهم هو المسار الجدي الذي فتحته التجربة أمام مستقبل التوازنات في المنطقة، والصراع المركزي حول فلسطين الذي بات مفتاح الاستقرار العالمي.

 

لا أحد في العالم ولاسيما صناع السياسة والقرار فيه، ينكر أن السلام العالمي بات وقفاً على مصالحة تاريخية بين الغرب والشرق، وخاصة بعد الحروب التي شنتها الإدارة الأميركية السابقة تحت عنوان: مكافحة الإرهاب، وتحولت إلى حرب على شعوب العالمين العربي والإسلامي، وتمتلئ الدراسات والوثائق الغربية والأميركية خاصة، بتأكيد محورية القضية الفلسطينية في إنجاز أو تأخير أو حجب هذه المصالحة. ‏

 

كان واضحاً ولا يزال توق الشعوب في الغرب والشرق لهذه المصالحة، بمثل ما كان ولا يزال واضحاً أن الروابط بين الغرب وإسرائيل إلى حد التغطية العمياء على جرائمها، تشكل العائق الأكبر أمام ترجمة هذا التوق. ‏

 

كان ولا يزال السؤال المحوري كيف يمكن للشعوب ونخبها الحية، تحريك المياه الراكدة في هذه البحيرة، وإحداث اختراق في جدار العداوة الذي يراد له أن يرتفع بين الشعوب؟ ‏

 

قضية المقاومة ونصرتها كان ممكناً على الدعاية الصهيونية والغربية محاصرتها بتهمة الإرهاب، والعنف غير المشروع الذي يهدد السلام والاستقرار، وتقديم هذه المقاومة كمصدر للخطر، وكذلك بناء عناصر القوة لدى الدول العربية والإسلامية كان يتعرض دوما للتطاول والحصار والادعاء عليه كمصدر للتوتر. ‏

 

من جهة ثانية فإن النقطة التي بلغتها توازنات المنطقة مع انكسار الحملة الحربية الأميركية وإخفاقها في إخضاع شعوب ودول المنطقة من جهة، وبلوغ المقاومة في لبنان وفلسطين بعد حربي 2006 و2008 مرحلة الردع بوجه خطر الحروب الإسرائيلية ومعهما سورية وإيران، فتحا الباب أمام مرحلة جديدة، عنوانها: العجز الإسرائيلي عن الحرب وبالمقابل غياب المناخ الدولي والإقليمي والشعبي لخرق هذا التوازن إيجاباً لحساب الشعب الفلسطيني، فلا المصالحة الفلسطينية تتقدم، والنظام العربي الرسمي يقدم الغطاء لمفاوضات عبثية مع إسرائيل، تمنحها صك البراءة عن جرائمها وتجهض أجواء الفضيحة التي ترتسم عالميا حولها كدولة للجريمة المنظمة. ‏

 

كان السؤال المحوري الثاني: كيف يمكن ترجمة توازن الردع بما يحرك هذا التوازن نحو اختراقات حقيقية لحساب الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية ؟ ‏

 

من جهة ثالثة حالة الشارع العربي ونخبه الحية كانت ولا تزال موضوع حيرة، فلا الشارع يتفاعل بقوة وثبات مع القضية الفلسطينية ، وكل تحرك فاعل يواجه بالقمع بتهمة تعريض الأمن الوطني للخطر، بينما النخب الصادقة تتحرق للمشاركة بمساهمة جدية في تغيير المعادلات في بلادها من جهة، نحو سياسات أكثر أمانة لمفهوم الاستقلال وأكثر التزاماً بقضية العرب المركزية، فلسطين من جهة أخرى. ‏

 

تمكنت تجربة الانتفاضتين الأولى والثانية في فلسطين من رسم معادلة تقول: إنه كلما ضعفت إسرائيل تحسنت شروط الحياة الوطنية والسياسية الداخلية في البلاد العربية، وجاء نصر المقاومة في لبنان وفلسطين ليعمق هذه المقولة. ‏

 

كان السؤال المحوري الثالث: كيف يمكن ترجمة هذه المعادلة بما يسهم في تحقيق اختراق جدي في الركود السياسي العربي الممسوكة أنفاسه بالخوف والرعب؟. ‏

 

عظمة الذي جرى في تجربة أسطول الحرية، أنه قدم الأجوبة عن كل الأسئلة ومعه تجربة الموقف الحازم للقيادة التركية، فبات واضحاً أن تحركاً للأحرار نحو غزة بسفن تحاصر الحصار قادر على استنزاف إسرائيل وهيبتها وقدرة ردعها، وقادر على فضح طبيعتها الإجرامية، ولا يمكن توصيفه بتهم الإرهاب ونصرته، وقادر على تحفيز جبهة عالمية تتسع بسرعة لمحاصرة حضور إسرائيل على الساحة الدولية، وإحراج الحكومات المساندة لسياساتها العنصرية. ‏

 

عظمة ما جرى أنه قدم الجواب عن سؤال: كيف يمكن صرف توازن الردع في تحقيق اختراق حاسم عنوانه، فك الحصار عن غزة، وتحويل غزة المحررة إلى غزة الحرة على طريق تحرير فلسطين وحريتها؟. ‏

 

وتبدو عظمة ما جرى في مشهد العائدين من الحصار، محمولين على الأكف في بلدانهم أبطالاً ورموزاً للعزة والنشاط الإنساني والكرامة، بدلاً من السجون التي كانت تنتظرهم لو تحركوا في ساحاتهم تضامناً مع فلسطين. ‏

 

إذا تخيلنا المشهد المقبل فسنرى مئات السفن المتجهة إلى قطاع غزة متوقفة في المياه الدولية تنتظر اكتمال القافلة، وتتقدم هذه المئات نحو سواحل القطاع المحاصر تحت رقابة كاميرات مئات الصحفيين، وعلى متنها آلاف الناشطين العرب والأحرار من أنحاء العالم. ‏

 

نقطة الدم التي تسقط هناك تسقط في المكان والاتجاه الصحيحين، ولا تورط في فتنة أو نزاع أهلي، وتجعل طريق الحرية أقصر والعقاب على الجريمة أقرب، ونشطاء العالم ونخب العرب تخوض بالواسطة معارك التغيير في بلادها، بوضع سياسات حكوماتها على محك القضية التي لا تقبل التأويل بين الجريمة والعدالة وبين الحق والباطل. ‏

 

العائدون من شهداء وجرحى ومحرري أسطول الحرية، حركوا السياسة في بلدانهم في الاتجاه الصحيح كما حركوا السياسة الدولية بالاتجاه الصحيح . ‏

 

هل يمكن أن نكون واقعيين ونتخيل أن موعدا لتلاقي أساطيل الحرية في ذكرى العدوان على غزة قبل نهاية هذا العام، قد يكون موعدا لحرية غزة وتغيير معادلة الصراع في المنطقة، يعود معه الفاتحون إلى بلادهم أبطالا تنصب لهم أقواس النصر، وتتغير معهم كثير من الأشياء في بلادهم وبلادنا والعالم. ‏

 

مرة أخرى هي فلسطين البوصلة التي لا تخطئ ولا يخطئ من يتخذها بوصلة لمواقفه دون سواها، مرة أخرى هي الدماء وهي الإرادة تجتمعان فتصنعان المعادلة الجديدة، عسى بعض الحكومات العربية تجيب عن أسئلة، من نوع لماذا العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل تسوق عندنا كذريعة لحل القضايا الإنسانية لا يجوز التفكير بقطعها ؟ وتظهر في تركيا كورقة ضغط ينفع التهديد بقطعها في إجبار الحكومة الإسرائيلية على التراجع، ولماذا العلاقة مع الإدارة الأميركية والحلف معها تتحول عندنا إلى مبرر للانصياع للتعليمات المذلة ؟وتظهر في تركيا ورقة قوة للقول: نحن حلفاء لكن لا تحرجونا فتخرجونا. ‏

 

إنها حكاية الدماء معطوفة على الإرادة ودرس غزة الذي لا ينسى. ‏

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.