تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تدعيم العلاقات السورية اللبنانية:

لم يكن أكثر المتفائلين بمستقبل العلاقات السورية ـ اللبنانية، قادراً قبل عام من الآن، على تخيل ان هذه العلاقات ستتطور بمنحى إيجابي كما تطورت في الأشهر الماضية وتحديداً، منذ زيارة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري لسورية في كانون أول الماضي، واستقبال الرئيس بشار الأسد المميز له في لقاء تعارفي وضع الأسس السليمة لمرحلة جديدة من العلاقات الشخصية والسياسية بين الرجلين، وإن دلّ هذا على شيء فإنه يدل على ان معظم العراقيل التي وضعت في وجه تحسين هذه العلاقات خلال الخمس سنوات الماضية كانت مفتعلة.

بالأمس تكررت الزيارة، وأحسَّ الرئيس الحريري بجدية القيادة السورية ورغبتها في العمل معاً على بناء علاقات سليمة بين البلدين، تقوم على خدمة مصالح الشعبين الشقيقين وترسي أسساً مستقبلية قوية دائمة لاتهزها الظروف الآنية والطارئة على الصعيد الإقليمي والدولي والتي تتناغم أحياناً وتنسجم مع رغبة قلة من الأطراف اللبنانية ومصالحها الخاصة.

لقد مرّت تجارب كثيرة في حياة البلدين، ولابد من الاتعاظ منها. وأول خطوة يفترض التأكيد عليها، هي العمل على التخلص من بعض ترسبات الماضي السلبية والتطلع نحو الجوانب المشرقة في هذه العلاقات والتأكيد عليها؛ الجغرافية والاجتماعية والثقافية... المعروفة. وهذا يتطلب إبعاد هذه العلاقات عن المصالح الضيقة للبعض ووضعها في السياق الإستراتيجي والصحيح لها. وبمعنى أوضح؛ عدم تدخل أي من البلدين في التفاصيل الداخلية للبلد الآخر، وعدم تمكين المنتفعين من الاستفادة من بعض الثغرات الموجودة ومن تسخير هذه العلاقات لمصالحهم الخاصة. ولابد من منع بعض الأطراف اللبنانية من الاستقواء بهذه العلاقة على البعض الآخر، لأن ذلك يرتد سلباً عليها.

وقد رأينا تحسناً في مناخ الانتخابات اللبنانية البلدية التي انتهت قبل أيام، لجهة عدم إقحام اسم سورية من قبل بعض اللبنانيين في هذه الانتخابات كما كان يحصل في السابق. ولم تشذ عن هذه القاعدة سوى أسماء لبنانية قليلة جداً، حتى أن ذكرها لتدخل سورية في هذه الانتخابات بدا نشازاً ومستهجناً.

وإذا أردنا قيام علاقات وثيقة ومستمرة بين البلدين، لابد ثانياً، من إنشاء مشاريع مشتركة في كلا البلدين وعلى جانبي الحدود، حتى يشعر المواطن العادي والرجل الاقتصادي والمستثمر والتاجر والإعلامي والسياسي... وغيرهم ان هذه العلاقات تخدم فعلاً مصالحه وبالتالي هو معني أولاً وأخيراً بالحفاظ عليها. وهناك الكثير من المشاريع التي يحتاجها البلدان في الطاقة والمصارف والزراعة والتجارة والنقل والصناعة والأهم في السياحة...والتي يمكن العمل على إقامتها لاستقطاب الاستثمارات العربية ـ السورية ـ اللبنانية التي ستوفر آلاف فرص العمل لمواطني البلدين وتؤمن حاجات كثيرة.

ثالثاً، إن قيام علاقات دائمة وشاملة وإستراتيجية بين سورية ولبنان، يقتضي تنسيق المواقف السياسية والاقتصادية وآخذ مصالح الجانبين الأمنية والوطنية بالاعتبار، ومنع تسلل الغرباء القادمين من وراء البحار للعب بهذه العلاقات. وإذا كان هذا التنسيق يتم خلال هذه الفترة بشكل لافت بين قيادتي البلدين في المجالات السياسية والأمنية، وزيارة الرئيس الحريري الثالثة خير مثال على ذلك، فإن المطلوب أن يرتقي التنسيق إلى نفس المستوى في بقية المجالات وعلى كافة الصعد. وهذا ما قد يتطلب إنشاء هيئات خاصة لتحقيقه، يتولى المعنيون في البلدين بحثها ودراستها وإنشاءها وتثبيتها.

رابعاً، وإذا كانت سورية وتركيا ـ على سبيل المثال ـ قد قطعتا في سنوات قليلة مرحلة مهمة في بناء علاقاتهما الثنائية ووقعتا أكثر من خمسين اتفاقية، فالأولى أن تسعى سورية ولبنان لعلاقات بأفضل مستوى. ويمكن ان يشكل البلدان معاً قوة إضافية تساهم ـ إلى جانب الدول العربية والصديقة الأخرى في استقرار المنطقة وتكون مؤثرة وفاعلة في بناء مستقبلها الذي تحدث عنه الرئيس بشار الأسد، والذي يرمي إلى إنهاء المشاكل العالقة وربط البحار الخمس المحيطة ببعضها، اقتصاديا وسياسيا وأمنياً وخلق إقليم مستقر ينعم بالسلام، بعد عشرات السنوات من الفوضى والقلق واللااستقرار.

إن الفرصة مؤاتية لتطوير علاقات سورية ـ لبنانية مشتركة تخدم مصالح الشعب في البلدين، وتساهم في زيادة قوتهما واستقرارهما، والتأخر أو التلكؤ عن تحقيق ذلك لن يحمل الخير لأي منهما، وسيضطر البلدان لدفع ضرائب أكثر مما دفعا في السابق، وسيكون العدو الإسرائيلي أول المستفيدين من أي انتكاسة أو تأخير في رفع مستوى هذه العلاقات وتدعيمها

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.