تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

هل ولّى زمان المعجزات كما يقول شاعرنا الكبير نزار قباني

 

هل ولّى زمان المعجزات كما يقول شاعرنا الكبير نزار قباني في إحدى قصائده الخالدات؟

المعجزات ليست تلك الأساطير التي تناقلتها الشعوب عبر الأجيال، بل هي تلك الإنجازات التي صنعها البشر، مثل عجائب الدنيا السبع، والهبوط على سطح القمر والثورات العلمية الهائلة التي أوصلتنا إلى عصر تكنولوجيا الاتصالات التي صرنا بوساطتها نتلاقى مهما بعدت المسافات، وبتنا جيراناً للقمر ومتابعين لما يجري في الكواكب والنجوم والمجرات. ‏

المعجزة الصغيرة التي نضيفها اليوم إلى موسوعة المعجزات هي أن تتوحد كلمة العرب على أمر واحد فيكون هناك موقف واحد مؤثر، ولو في قضية هامشية وثانوية وبدهية. ‏

المعجزة أن يتمكن العرب ولأول مرة في تاريخهم من إجبار هيئة دولية على إدراج إسرائيل بالاسم في قائمة الدول الخارجة على القانون الدولي وعلى الاتفاقيات الدولية! ‏

المعجزة حدثت عندما حقق مؤتمر مراجعة منع الانتشار النووي في نيويورك إنجازاً مهماً كما وصفه الإعلام العربي بعدما تمكن ممثلو 189 دولة للمرة الأولى خلال عشر سنوات من اعتماد الوثيقة النهائية التي تتضمن دعوة إسرائيل بالاسم للانضمام للمعاهدة وفتح منشآتها للتفتيش.

هذا الإنجاز على تواضعه ما كان ليحدث لولا الإصرار العربي على الصيغة التي اعتمدها المؤتمر وطلب فيها من إسرائيل فتح منشآتها النووية لتفتيش وكالة الطاقة الذرية ودعوتها إلى الانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي. ‏

والوصول إلى هذه النتيجة لم يكن سهلاً، إذ كانت دونه عقبات وصعاب ومفاوضات شاقة مع الجانب الأميركي الذي كان يرفض بإصرار إدراج إسرائيل بالاسم، وأن تتضمن الصيغة النهائية عبارات عامة دون تحديد أسماء. ‏

بل إن الجانب الأميركي عبر عن أسفه الشديد لهذا الأمر الذي سيؤثر على خلق الظروف المناسبة لعقد مؤتمر ناجح في عام 2012 لخلق منطقة خالية من الأسلحة النووية حسب تعبير السفيرة الأميركية إيلين توشر، ممثلة الولايات المتحدة في المؤتمر المذكور. ‏

لا أظن أن عاقلاً واحداً في الكون قادر على استيعاب هذا الكلام الأميركي. إذ كيف يمكن لنص يدعو إسرائيل إلى إخضاع منشآتها النووية للتفتيش أسوة بدول العالم قاطبة أن يؤثر على خلق الظروف المناسبة لعقد مؤتمر دولي قادم لإخلاء الشرق الأوسط من السلاح النووي؟! ‏

فإذا كان الهدف من مؤتمر عام 2012 هو إخلاء المنطقة من هذا السلاح المدمر، فكيف تكون دعوة إسرائيل للالتزام بالقوانين الدولية التي تعمل على عدم انتشار النووي عقبة في طريق المؤتمر؟ ‏

ما قالته المندوبة الأميركية لا يستحق حتى التعليق، فأي مبتدئ في السياسة قادر على تفنيده وإظهاره على حقيقته على أنه تبرير هش لا يصمد أمام أدنى محاكمة عقلية. ‏

وبعيداً عن هذا الموقف الغريب لكنه المتوقع فإن ما جعلنا نقول إن ما جرى في نيويورك معجزة هو إدراج اسم إسرائيل لأول مرة، على الرغم من أن أطفال بنغلادش وهندوراس وفنزويلا ومدغشقر، وكل الدول، يعرفون أن إسرائيل دولة نووية تخزن ما لا يقل عن مئتي رأس نووي إذ إن الملاحظ هنا أن كل وسائل الإعلام استخدمت العبارة نفسها عندما تناقلت الخبر وهي البيان يشير إلى إسرائيل بالاسم وكأن إيراد اسم إسرائيل يعتبر كفراً ومن المحرمات.

الإيجابي هنا ليس إدراج اسم إسرائيل فحسب، بل إن موقفاً عربياً موحداً أدى إلى الوصول لهذه النتيجة، وهذا يعني أن العرب قادرون على النصر في معاركهم السياسية الكبرى فيما لو توحدت مواقفهم حيالها، فالإرادة هي الأساس الذي يضمن للعرب كسب التحديات. ‏

والسلبي في الموضوع يتمثل بسؤال: إذا اقتضى الأمر عشر سنوات من المفاوضات من أجل إدراج اسم إسرائيل في هذا المؤتمر، فكم من السنوات سيحتاج العالم لإجبار إسرائيل على التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي؟ ‏

وكم من السنوات سنحتاج لإجبار إسرائيل على وقف الاستيطان، وإطلاق سراح آلاف الأسرى ورفع الحصار عن قطاع غزة قبل أن نقول: كم من السنوات نحتاج إلى إجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، وبالتالي صنع السلام؟ ‏

أما الدفاع الأميركي المستميت عن إسرائيل وبرامجها التسلحية، بما فيها النووي، فهذا شأن الإدارات الأميركية لها أن تشعر بالأسف الشديد لموقف هنا أو بيان هناك، لكن هذا الأسف لن ينفع في شيء إذا ما توافرت الإرادة العربية الصلبة وتوحدت الكلمة العربية، عندها قد نسمع الكثير من عبارات الأسف الأميركية، لكن الأسرة الدولية تكون في الوقت نفسه تمارس دورها في إماطة اللثام عن وجه إسرائيل الإرهابي البشع. ‏

إنه درس على العرب الإفادة منه في قضايا أكبر وأوسع، ويجب ألا نقف عند حدود هذا الإنجاز الصغير الذي قد يكون بداية لمعجزة حقيقية هي وحدة الموقف والصف لدى العرب. ‏

حدثت المعجزة في المؤتمر المذكور وتوحدت كلمة العرب للمرة الاولى على قضية، فنجحوا في الامتحان، لكننا اليوم بحاجة إلى معجزة جديدة لمواجهة الهجمة الاسرائيلية التي بدت بأبشع صورها أمس من خلال المجزرة التي ارتكبتها بحق دعاة الحرية وحقوق الانسان عندما مارست عدواناً إرهابياً بحق قافلة الحرية منتهكة بذلك كل قوانين وشرائع الأرض والسماء. فهل تحدث المعجزة هذه المرة أم تبقى إسرائيل طليقة لا تنال العقاب الرادع على جرائمها البشعة. ‏

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.