تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

سجِّل يا «غينيس».. عن عرب الحمُّص والتبُّولة!

مصدر الصورة
sns - العرب أونلاين

 

محطة أخبار سورية

بينما نحبس أنفاسنا خشية حرب إسرائيلية على لبنان، يصنع الطباخون اللبنانيون المفاجأة بإلحاق هزيمة مروعة بإسرائيل وطردها من موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية؛ في البداية من خلال صنع أكبر طبق حمص، ثمّ من بوابة الفلافل التي صنع منها اللبنانيون كميّة تعادل مساحة لبنان.

 

كم هي رائعة فكرة أن يدخل لبنان موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية بأكبر صحن تبولة وأكبر صحن حمص، وأن تدخل فلسطين المحتلة الموسوعة العالمية بأطول كوفية، في "حيلة نضالية" تحاول التصدي للسرقات الإسرائيلية لتراث الوطن السليب؛ فالحرب ليست فقط صواريخ وقنابل وإنما أصبح ميدانها يسع أنواعا أخرى من الأسلحة من قبيل صحون التبولة والحمص والفلافل.

 

كل ذلك رائع ولا غبار عليه،  لكن الأروع أن يدخل لبنان وبقية العرب "غينيس" أيضا، من باب العلوم والاختراعات لا فقط من باب "الطرائف".. ففي الوقت الذي تدخل فيه كثير من دول العالم موسوعة الأرقام القياسية بأحدث تكنولوجيا رقمية وأصغر كاميرا رقمية وأصغر جهاز كمبيوتر وأصغر قنبلة مدمّرة وأكبر حاملة صواريخ وأكبر مكتبة الكترونية وأسرع سيارة، وغيرها، يكتفي العرب بتسجيل براءة اختراعاتهم في "غينيس" في ميادين من قبيل أكبر بطاقة تهنئة وأطول دبكة لبنانية وأكبر قرص شنكليش، وأكبر سيخ شاورما، وأطول سيخ كباب وأكبر طبق كبسة وأكبر صحن كسكسي وأطول علم وأطول كوفية...؟، وقائمة الانجازات تطول حتى تكاد تضيق بها سجلات "غينيس".

 

لقد سجل العرب الكثير من الانجازات في "غينيس"، لكنهم نسوا أن يسجّلوا على صفحات أشهر موسوعة عالمية للأرقام القياسية أن بين هذه الأمّة شعبا يعيش تحت ظلم أسوأ احتلال في التاريخ؛ وأن عدد الشهداء والأسرى في فلسطين والعراق يندى له الجبين؛ وأن هناك الكثير من الحقائق لو أمكن تسجيلها في هذه الموسوعة العالمية لامتلأت سجلاتها وانتهت لكثرة المنسيات التي لا يعرفها العالم عنّا.

 

فسجّل يا "غينيس" في صفحة العرب أنهم الأمة الوحيدة في العالم التي تفضل أن ينجح أبناؤها خارج حدودها، وتفتخر بهم وتنوه بانجازاتهم لكن بشرط أن يبقوا في أبراجهم العاجية بعيدا عن عامة الناس، وألاّ يفكّروا يوما في الترشح للرئاسة!؛

 

وسجّل يا "غينيس" أن الـ15 مليون عربي المشتركين في الفيسبوك يجهل أكثرهم، إن لم يكن كلّهم، أن "الشفرة"، هذا العلم الذي يعتبر ركيزة مهمة في عصر الحسابات الإلكترونية والكمبيوتر، اختراع إسلامي، وأن الفضل يعود إلى نظرية "المحددات" للخوارزمي، التي على ضوئها وضع علماء الرياضيات في اليابان الخطوات العلمية الأولى نحو اختراع الكمبيوتر الذي يتباهى علماء الغرب بأنه من أهم "معجزات" العصر الحديث.

 

وسجّل يا "غينيس" أنه على ضوء إبداعات المسلمين واختراعاتهم قامت الحضارة المعاصرة، ولكن هذه الابداعات أصبحت اليوم تقتصر على السعي المحموم نحو أرقام غينيس القياسية بأطباق التبولة والكبسة.

 

ماذا حقق وقدم العرب للإنسانية منذ أكثر من 500 عام؟ وبماذا سيدخلون "غينيس" بعد هذه القرون الخمسة؟ وهل أصبحنا كأبناء أمة عربية بهذه السذاجة، نصرف الملايين على أكبر وأضخم الانجازات في مجالات لا تقدم لنا شيئا بل تؤخرنا أكثر فأكثر؟

 

الشكوى وحدها لا تكفي، ولا يتحمّل الغرب إثم التخلّف العلمي عند العرب، بل هم وحدهم الذين يتحمّلون الوزر الأكبر، حين قدّموا لعلماء الغرب وباحثيه في البداية تراثهم الإنساني والتاريخي والعلمي على طبق من ذهب، ثمّ أيضا حين قدّموا لمؤسّساته وجامعاته نخبة أبنائهم من العلماء الذين لا يزالون يحملون مشعل الريادة والتفوق الذي حمله أجدادهم في العصر الذهبي للحضارة العربية والإسلامية..

 

اليوم، غالبية الشباب العربي تحفظ عن ظهر قلب تشكيلات فرق كرة القدم الاسبانية أكثر مما تعرف عن مجدي يعقوب، أشهر جراح قلب في العالم، أو عن فاروق الباز، الجيولوجي الذي تفتخر جامعة بوسطن الأمريكية بأنه مدير مركز أبحاث الفضاء بها.

 

وجمهور الفضائيات يعرف مشاكل هذه الفنانة وزواج الأخرى وطلاقها وعدد عمليات تجميل فلانة ويحفظ عن ظهر قلب كلّ أغاني هذا المطرب أو ذاك، ولا يعرف أن محطة "الناسا" الفضائية الأمريكية الشهيرة تزخر بعديد العلماء من مختلف الجنسيات العربية المصرية والتونسية والمغربية وغيرها.

 

لقد كرّمت البلدان الغربية المتقدمة ومنحت جنسيّاتها لعديد العلماء والمفكرين العرب في شتى مجالات العلوم، ووهبتهم ما يستحقون من قدر وإكبار باعتبارهم روادا خرجوا من دائرة المحلية إلى مصاف العظماء، وتبنّت منجزاتهم وأعمالهم.

 

ولا ندري هنا هل الغرب استكثر على العرب هؤلاء العلماء، أم أن عرب القرن الحادي والعشرين هم الذين استكثروا على أنفسهم أن يخرج من بينهم علماء أفذاذ؟، لكن المؤكد أنه لا مجال لنا للانتصار في هذا الصراع الحضاري والتاريخي إلا إذا احترمنا تاريخنا ومنحنا عظماءنا، الأحياء منهم قبل الأموات، ما يستحقونه؛ لا أن نكون آخر من يسمع بماضيه وننتظر الغرب حتى يسجّل اعترافه بعربي رائد، لا في مجال الفن والرقص والغناء، بل في مجالات العلم والفكر، لنتذكّر نحن بعد ذلك أنه عربيّ ابن عربي، عاش عربيا وفي حال وفاته لن تجوز عليه غير صلاة الجنازة وفق الشرع الإسلامي.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.