تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

المناورات الإسرائيلية للتخويف أم لدرء الخوف!!

يجري الجيش الإسرائيلي وقيادة الجبهة الداخلية هذه الأيام، أوسع مناورات يقول إنها تحاكي حربا تتعرض خلالها إسرائيل لضربات صاروخية من إيران وسورية وحزب الله وحركة حماس في آن واحد. وستستمر المناورات الضخمة للجبهة الداخلية خمسة أيام وهي أكبر مناورة أجريت في إسرائيل حتى الآن. ومن السيناريوهات في المناورة احتمال تعرض شبكة الحواسيب التابعة للجيش الاسرائيلي لهجوم الكتروني من شأنه ان يؤدي الى شل أجهزة الحواسيب.

وصرح قائد المنطقة الشمالية الجنرال غادي ايزنكوت بأن "الجيش الإسرائيلي يعرف كيف يواجه أعمالا قتالية بشكل متزامن على الجبهتين السورية واللبنانية. وكذلك في قطاع غزة". وأضاف: "لا يمكن ردع دول ومنظمات بشكل يمنعها من التعاظم العسكري، ولذلك يظل الجيش الاسرائيلي جاهزاً لخوض حرب شاملة في غضون ساعات معدودة". وفي قراءة في خلفية هذه المناورات يمكن ملاحظة الآتي:

أولاً، سعي المسؤولين الإسرائيليين ـ السياسيين والعسكريين ـ من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى وزير الدفاع الاسرائيلي إيهود باراك وغيرهم، إلى إرسال رسائل تطمينية الى الدول العربية وحزب الله، بأن المناورة تقرر تنفيذها قبل فترة طويلة وهي تمرين روتيني لا يأتي نتيجة تطورات أمنية استثنائية. كما أكدت صحيفة يديعوت أحرونوت ان إسرائيل نقلت خلال الأيام الأخيرة رسائل مطمئنة الى دول المنطقة عبر جهات مختلفة، تؤكد أنها لا تنوي استغلال تمرين الجبهة الداخلية لمهاجمة أي طرف بصورة مفاجئة.

ورغم أن أحداً من المعنيين بالتطمينات الإسرائيلية لا يثق بأي شيء يصدر عن إسرائيل، لا بخصوص نواياها السلمية ولا الحربية، فإن هذه الرسائل تعكس القلق الإسرائيلي من أن تتدهور الأوضاع الأمنية في لحظة لا تريدها وليست جاهزة لها. كما تعكس تناقضا إسرائيليا صارخاً في توجيه الرسائل؛ فكيف لأعداء إسرائيل أن يثقوا برسائلها والمناورات هي بالأصل لتخويفهم وتذكيرهم بقدرة إسرائيل الردعية كما أكد غادي ايزنكوت.

وفي هذا السياق، يبدو أن الآذان السورية لم تستسغ ولم تسمع هذه الرسائل. فقد أكد وزير الخارجية وليد المعلم أنه «يجب أن نكون متنبهين الى انه بغياب السلام الحقيقي كل الاحتمالات واردة». وتساءل هل إسرائيل مستعدة للحرب أم للسلام، وإن كانت قد« توقفت عن التسلح، وهل توقفت عن التحريض والمناورات، لماذا مسموح لإسرائيل وممنوع عن العرب؟ ما دام هناك احتلال وما دامت هناك حالة حرب، فسوريا لن تكون شرطيا لإسرائيل».

ثانياً، القول إن المناورات ضد هجمات صاروخية بهذا الحجم وهذه الكثافة ومن قبل عدد من الجهات في المنطقة، يعني ببساطة أنه لم يبق مكان آمن للإسرائيليين في إسرائيل. بمعنى أوضح تحولت الجبهة الداخلية الإسرائيلية للمرة الأولى ساحة للصراع. أي أن المقاومة ومن يدعمها نقلوا المواجهة من أراضيهم كما كان يحصل في الحروب السابقة إلى الأرض المحتلة. والسؤال هل تستطيع الجبهة الداخلية الإسرائيلية تحمّل مواجهة أي حرب من هذا النوع مهما أعدَّت وهيئت لذلك؟ الأمر وعلى لسان قادة إسرائيل، مشكوك فيه وبدرجة كبيرة. ولذلك، فإن الرسائل الإسرائيلية موجهة للداخل الإسرائيلي كما الخارج. كذلك، فإن هذه المناورات تكشف حجم المخاوف التي تهيمن على العقل الإسرائيلي. حتى أن البعض في إسرائيل اعتبر أن حجم المناورة ونوعية السيناريوهات القائمة عليها تبث الذعر والخوف أكثر مما تبعث على «الهدوء والاستقرار والسلام»، كما ادعى نتنياهو.

وفي خطوة تعكس حجم القلق الذي يسيطر على الجمهور الإسرائيلي من إمكان نشوب حرب، طالب رؤساء السلطات المحلية في شمال إسرائيل، من قائد المنطقة الشمالية، اللواء غادي ايزنكوت، «توجيه رسالة تهدئة واضحة إلى الجمهور» الإسرائيلي، وعبّروا عن أملهم بأن «يكون الطقس فقط هو الحار خلال فصل الصيف، لا الجو الأمني». ومع أن ايزنكوت أكد أن الجيش يعرف كيف يواجه جبهة في سورية ولبنان، وغزة، لكنه شدّد على أنّ السؤال هو «كيف سنعرف مواجهة ذلك كشعب وجمهور وجبهة داخلية تقدم الدعم» للجيش. بل وأقرّ بأنّه « من غير الممكن ردع دول ومنظمات عن أن تُعاظم قدراتها».

ثالثاً، تأتي هذه المناورات، وهي ليست الأولى هذا العام، في وقت يغرق معظم القادة الإسرائيليين ـ السابقين والحاليين ـ في فضائح بالجملة ومن أنواع مختلفة، مالية وجنسية ورشاوى وما إلى ذلك، وفي وقت بدا العالم أنه تغير كله تقريبا حيال إسرائيل. وآخر هذه الفضائح، هي إعلان الشرطة الإسرائيلية، أنها أوصت باتهام وزير الخارجية اليميني المتطرف افيغدور ليبرمان، والسفير الإسرائيلي السابق لدى بيلاروسيا زئيف بن أرييه، بخيانة الثقة العامة وإعاقة تحقيق الشرطة في قضية تتعلق بتسريب معلومات.

وصار الوزراء الإسرائيليون الملاحقون في الغرب يراقبون التقارير الدولية والإعلامية والتعليقات التي تدين دولتهم، وتفضح زيفها وهمجية سلوكها، ولاسيما في الحرب الأخيرة على قطاع غزة المحاصر حتى الآن منذ عامين. ولم يعد الكثيرون مقتنعين، حتى في الولايات المتحدة، بأن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، وان حمايتها واجب غربي مطلق. وانتقلت إسرائيل من موقع الضحية الذي كانت دائما تضع نفسها فيه إلى موقع الجلاّد.

رابعاً، كل ذلك يعني أن إسرائيل لم تعد في مأمن. والسبب هو سياسات الاحتيال الاستعمارية والتوسعية والقمعية التي لطالما انتهجتها، إضافة لرفضها تنفيذ القرارات الدولية جميعها، وانتهاجها سلوكاً استفزازياً، جعل أقرب الحلفاء لها ينفرون منها. وبدأت العديد من الدول في شتى أنحاء العالم تغيير مواقفها وسياساتها تجاه هذا الكيان الشاذ وكان آخرها هولندا. حيث أظهرت الاستطلاعات تراجع التأييد الشعبي لإسرائيل بنسب كبيرة ولاسيما بعد الحرب على غزة. وبالأمس طردت أستراليا دبلوماسيا إسرائيلياً بعدما تأكدت من أن إسرائيل استخدمت جوازات سفر استرالية مزورة في عملية اغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح في دبي في كانون الثاني الماضي. وأعلن وزير الخارجية الاسترالي ستيفن سميث، أنها لم تكن المرة الأولى التي تقوم فيها إسرائيل بتزوير جوازات سفر استرالية. وقال سميث «هذه ليست أفعال صديق».

يأتي ذلك أيضاً في وقت كشفت صحيفة الغارديان البريطانية، عن أن الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، الفائز بجائزة نوبل للسلام، حاول عام 1975 بيع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا قنابل نووية. ونشرت الغارديان وثائق وهو ما يؤكد أن إسرائيل ليست دولة «مسؤولة» كما تدّعي، وأنها كانت على استعداد للمتاجرة بالسلاح النووي.

كذلك خسرت إسرائيل أهم حليفين في المنطقة؛ إيران وتركيا، وكسبتهما سورية والجبهة المقاومة بالمقابل. ولم تعد أسباب وصول السلاح الى حزب الله، وأسباب دعم سورية للمقاومة وأسباب انتفاض الفلسطينيين أكثر من مرة مجهولة، بل أصبح معلوماً أكثر أن السياسات الدولية لن تقود العرب إلا إلى اليأس والإحباط. وازدادت القناعة بأن المقاومة حققت ما عجزت عنه السياسة ومنحت أصحابها احترام وتقدير خصومهم والآخرين.

خامساً، بالطبع، لا يعني ذلك أن إسرائيل ستصبح أكثر قربا للسلام أو ستلتزم قرارات الشرعية الدولية. بل قد تقوم إسرائيل نتيجة أوضاعها بشن حرب ما في مكان ما على بلد ما سواء لبنان أو سورية أو غيرهما لنقل الاهتمام. كما أن أكثر ما يقلق إسرائيل هو الحديث عن السلام وتحقيق السلام لأن ذلك سيمنعها من ممارسة سياساتها الاستيطانية التوسعية التي لطالما دأبت على ممارستها. وكنا قد شاهدنا السرعة في تبدل الحكومات الإسرائيلية وسقوطها منذ مؤتمر مدريد عام 1991، وحتى الآن. فكلما اقترب استحقاق معين للسلام، كانت وما زالت الحكومات الإسرائيلية تهرب للأمام وتضع الشروط والعراقيل، ثم يتم إسقاطها.

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.