تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

يستطيع نتنياهو خلط الأوراق ولكننا قادرون على منعه من تحقيق أهدافه

 

بقلم رئيس تحرير مجلة البيادر السياسي المقسية: جاك خزمو

 

 

 

 

عندما مسّ الرئيس الاميركي باراك اوباما بالطاعة الاميركية العمياء للسياسة الاسرائيلية في الشرق الأوسط بتقديم طلب الى اسرائيل بضرورة وقف البناء في المستوطنات (وليس إزالة المستوطنات) غضب رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو واعتبره تدخلاً في شؤون اسرائيل الداخلية، ومساً أيضاً بالامن الاسرائيلي.

وعندما رفض الرئيس اوباما طلب اسرائيل الملّح جداً، والمتكرر أيضاً، هنا بشن هجوم على ايران لمعالجة الملف النووي الايراني، اعتبر قادة اسرائيل هذا الرفض بمثابة انحيازاً للعالم العربي على حساب علاقاته مع اسرائيل، علماً أن إدارة اوباما، وحتى يومنا هذا، لم تقدم أي شيء ايجابي للعالم العربي، ومواقفها لم تتغير عما كانت عليه مواقف إدارة بوش إلا بالكلام والاعلام وبعض الخطوات الصغيرة جداً، وأهمها أن هذه الإدارة ترفض أن تكون إمّعة بيد اسرائيل كما كانت ادارة بوش، كما ترفض أن تكون الدولة العظمى مجرورة للسياسة الاسرائيلية، بل جارة لهذه السياسة، وخاصة بعد أن ورطتها في العراق، وما زالت هذه الدولة العظمى تدفع ثمن هذا "التورط"، وتبذل جهوداً كبيرة للخروج من مستنقع غاصت فيه القوات الاميركية، ولكن هذه الجهود لم تؤت ثمارها بالنسبة للإدارة الاميركية بعد.. وما زال الجيش الاميركي يدفع ثمن "غوصه" في هذا المستنقع الكبير..

رئيس وزراء اسرائيل نتنياهو لم يعجبه تصرف الرئيس اوباما معه خلال لقاءاتهما السابقة، ولم يعجبه ما قاله اوباما، وشعر بأن الرئيس اوباما إنسان آخر يدرك ويفهم الوضع في المنطقة، ويريد أن يعيد الهيبة لاميركا حتى داخل اسرائيل قبل أن يفرضها على الشرق الأوسط والعالم كله، وأراد أن يقول أن الكلمة الأولى هي للدولة العظمى وليست لحليفتها المدللة جداً اسرائيل..

اوباما يصر على استئناف المفاوضات لكن اسرائيل تضع العراقيل أمام العودة للمفاوضات إذ أنها ترفض وقف البناء الاستيطاني في داخل القدس العربية، بل صعدت من وتيرته وقالت أن القدس هي العاصمة الابدية لدولة اسرائيل.

ورغم أن اوباما يكرر القول أنه ملزم بالدفاع عن أمن دولة اسرائيل، وأن اميركا لن تتخلى عن حليفتها الاستراتيجية، وان العلاقات قوية ومتينة إلا أن اسرائيل تجد في اوباما "عدواً" لأنه لا يطيع مصالحها، ولا يطيع سياستها، ولأنه يهتم بالمصالح الاميركية مثل اهتمامه بالمصالح الاسرائيلية.. في حين أن اسرائيل "أنانية" جداً، ولا تهتم إلا بمصالحها، ولا تكترث بمصالح حتى أصدقائها وحلفائها وفي مقدمتهم الولايات المتحدة..

نتنياهو مصمم على مواجهة اوباما بشتى الطرق من خلال الالتفاف على مطالبه، ومن خلال خلط أو خربطة الأوراق وبالتالي إجبار اوباما على الاستسلام، وتقديم الطاعة لاسرائيل أو الفشل في الحصول على ولاية رئاسية ثانية، أي أن اسرائيل، ومن معها من اللوبيات والتجمعات على الساحة الاميركية بدأت معركة "تدجين" اوباما أو "انهاء ولايته" من دون أن يحقق أي إنجاز في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك تأمين هزيمته في الانتخابات الرئاسية القادمة..

وخلط الاوراق يعني العديد من الاجراءات التي تضع اوباما أمام اختبار صعب، وفي موقع لا يريد أن يكون فيه.. وخلط الأوراق قد تجبر اوباما على التراجع عن مطالبه بوقف البناء في المستوطنات أو العودة إلى طاولة المفاوضات، والى إضطراره لمعالجة الملف النووي الايراني بطرق غير دبلوماسية..

ولهذا يجب الحذر جداً من هذه اللعبة الخطرة والخبيثة التي يلعبها نتنياهو الآن، فهو لا يريد أن يكون هناك أي شريك فلسطيني للتفاوض معه، وهذا يعني لربما القيام ببعض الأعمال البهلوانية في اغتيال قادة معارضين أو موالين لسياسته على الساحة الفلسطينية لادخال الساحة الفلسطينية في حالة من الارباك والصراع، وبالتالي الإدعاء بأنه مستعد للعودة إلى طاولة المفاوضات، لكن الساحة الفلسطينية غير جاهزة، ويجب أن نتذكر دائماً أن الحصار الجائر المفروض على قطاع غزة هو جزء من سياسة اسرائيل لإبقاء الساحة الفلسطينية منقسمة، ومنع أي تقارب فلسطيني فلسطيني نحو الاتفاق أو توحيد الجهود لمواجهة اسرائيل.

خلط الأوراق قد يعني أيضاً القيام بعمليات مباغتة هنا أو هناك قد تكون محدودة، ولكن ردود الفعل عليها ستكون كبيرة، وتضطر ادارة اوباما في هذه الحالة الى التدخل والتورط للدفاع عن أمن اسرائيل الذي قد يواجه بالفعل خطراً كبيراً نتيجة هذه العمليات "الحمقاء" و"الخطيرة".

من هنا يمكن القول وبكل صراحة أن حكومة اسرائيل تعيش في أزمة داخلية مع نفسها ومع العالم، وعليها بالتالي الخروج من هذه الأزمة أو الهروب منها من خلال "عملية ما".. لابعاد الأنظار والضغوطات عن اسرائيل، ولادخال العالم في متاهة جديدة، والابتعاد عن المطلب الاسياسي وهو انهاء اسرائيل لاحتلالها للأراضي العربية منذ حزيران 1967.

وهذا الوضع يتطلب من العرب جميعاً، ومن شعبنا الفلسطيني بالتحديد، كل اليقظة والحذر والوعي لأن المرحلة القادمة هي مرحلة جمود، وهروب من الحلول، ومرحلة خلط الاوراق، وتعقيد الحل، ويتطلب أولاً وأخيراً أن يوقف العرب حالة الخلاف ما بينهم، وان يعودوا جميعاً إلى مرحلة التنسيق والتعاون، وألا يظنوا أن الصراع السياسي الآن هو بين اميركا واسرائيل، ولا دخل لنا فيه، وان نضع أيدينا في مياه باردة بل عليهم أن يفكروا جيداً في أنّ من يدفع ثمن هذا الصراع في نهاية الامر هو عالمنا العربي ان كنا منقسمين وضعفاء، لأن اميركا واسرائيل في نهاية الأمر ستتفقان ولكن على حسابنا وبالتالي سيبقى الاحتلال قائماً وجاثماً على أراضينا العربية، وستبقى إمكانية التوصل إلى حل سلمي شامل وعادل أمراً شبه مستحيل في المرحلة القادمة..

على العالم العربي أن يتحرك، وعليه أن يمنع خلط الأوراق، وعليه أن يفرض وجوده على الساحة الدولية، ويجب عليه اجبار اسرائيل على أن تكون تحت القانون الدولي وليس فوقه، كي تدرك أن خلط الأوراق ستكون باهظة الثمن لها أيضاً وليس لاميركا أو العالم العربي فقط.

هل نحن قادرون على منع نتنياهو من خلط الأوراق.. لربما لا نستطيع منعه، ولكننا نستطيع أن نفشله في تحقيق أهدافه من وراء هذه خطوة خلط وخربطة، ونستطيع أن نجبره على دفع ثمن باهظ لذلك... نحن قادرون، ولكن المطلوب هو النية والجدية في التعامل مع "عدو" لا يريد السلام ولا الاستقرار ولا الطمأنينة لشعوب المنطقة!؟

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.