تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

صكوك براءة عربية ومضابط اتهام دولية

 

محطة أخبار سورية

كثيرا ما يُطرح السؤال حول الذي يجب أن يفعله العرب لكسب التأييد الدولي للقضية الفلسطينية، وكثيرا ما ينطلق أصحاب السؤال بنيّات طيبة من فرضيات خاطئة، أبرزها أن الموقف العربي محسوم سلفاً لجهة النية بتضييق الخناق الدولي حول السياسات الإسرائيلية، وأن الموقف الدولي متواطئ ضمناً مع الحكومات الإسرائيلية وسياساتها.

 

يتوسع النقاش من هذا المدخل ويطول الدور الذي يفترض للعلاقات الاقتصادية أن تؤديه، والمال العربي مكدس في المصارف الغربية، ودور النفط وهو السلعة الإستراتيجية الأولى في العالم ومخزونه الاحتياطي بيد العرب، ويصل النقاش إلى دور الإمبراطوريات الإعلامية التي تملكها كارتلات مالية قريبة من إسرائيل، وكيفية منافستها أو تحييدها بينما الإنفاق العربي على الإعلام يهدر مليارات الدولارات على ثقافة التخليع والانحلال، وينتهي النقاش بالدور الذي تلعبه اللوبيات الداعمة لإسرائيل في الغرب وخصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية، في مقابل غياب عربي كامل عن المسرح السياسي الأميركي وتخل عن دور الحد الأدنى، في دعم حراك المنظمات العربية والإسلامية المدافعة عن الحقوق الأساسية للجاليات المتحدرة من أصول عربية وإسلامية. ‏

 

يتكشف النقاش تدريجاً أمام حجم الإمكانات المتاحة مقابل سياسة التخلي، عن عطب سياسي وربما إستراتيجي كبير، لا تكفي لتفسيره حالة العجز العربية، بل لا يمكن فهمه إلا في إطار قرار ضمني متخذ لدى مركز القرار الرسمي العربي، بعدم بذل جهود حقيقية لمحاصرة إسرائيل على الأقل، ربما لأن هذا المركز العربي لا يريد إحراج الحكومات الغربية بزج القضايا الخلافية في مساحات المصالح المشتركة النفطية أو المالية، أو لأن هذا المركز لا يرى أملاً في تغيير الموقف الغربي تجاه إسرائيل. ‏

 

قد يكون التفسير غائباً لسبب تجنب العرب استخدام مقدراتهم بعدما ظهرت قيمتها في حرب تشرين وخصوصا ظهور النفط كسلاح في المعركة، وتحديد سبب الغياب الكلي عن بذل جهود جدية للتأثير في موقف قوى الرأي العام في العالم الغربي، حيث تتأثر الحكومات كثيراً بما يدور في شارعها، وقد يكون بمقدور البعض القول: إن اليأس من إحداث هذا التأثير هو المبرر الواقعي لهذا الغياب، لكن منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى ومن بعدها الثانية، ومن بعدهما الحرب العدوانية الإسرائيلية على لبنان، وأخيراً حصار غزة والعدوان عليها، لم يعد ممكنا تقبل هذا التفسير. ‏

 

لقد شهدت الشوارع الغربية والأوروبية بصورة خاصة حراكاً داعماً للقضية الفلسطينية بصورة متصاعدة، وتنامت حركة التنديد بالجرائم الإسرائيلية وصولا إلى تبلور منظمات فاعلة دائمة لملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة، حتى بدا في بعض اللحظات الساخنة أن حراك الشارع الغربي يتقدم على الحراك في الشارع العربي، وبدا أن زيارة عاصمة عربية أسهل على قادة الكيان الإسرائيلي ورموزه من زيارة عاصمة أوروبية، حيث تنتظرهم على بواباتها مذكرات التوقيف بدلا من السجاد الأحمر. ‏

 

وفي هذه الحالات المتنامية برز الموقف التركي الرسمي والشعبي كمفارقة تطرح التحدي على الموقفين الرسمي والشعبي في البلاد العربية، فتقدمت الحركة الشعبية في تركيا على الشوارع الأوروبية وتحولت إلى الشارع القائد على الساحة الدولية للحراك الداعم للقضية الفلسطينية والمتصدي لجرائم الحرب الصهيونية، رغم المعاهدات الموقعة بين تركيا وإسرائيل بما يتجاوز بكثير ذريعة الاتفاقيات الموقعة بين إسرائيل وبعض البلاد العربية، لتبرير البرود والتراخي والخذلان في كثير من الأحيان، وتقدم بصورة موازية الموقف الرسمي التركي كحارس مرمى للدفاع عن حق الشعب الفلسطيني، في ظل مواقف عربية ملتبسة ومخزية في كثير من الأحيان. ‏

 

على ضفة مقابلة كان السؤال الذي يطرح على بعض قادة الغرب حول سبب تقبلهم أو تعايشهم مع الموقف التركي المتنامي في دفاعه عن القضية الفلسطينية، وتصديه للسياسات الإسرائيلية مقابل إعلان الغضب وإشهار التهديد إذا أظهر أي طرف عربي ما هو أقل بكثير، ليأتي الجواب أن ما يقوله بعض القادة العرب في الغرف المغلقة مختلف كليا عما يقولونه في الإعلام، بينما وصل القادة الصهاينة إلى حد التهديد بكشف الاتصالات التي تلقوها أثناء الحرب على غزة، من قادة عرب وفلسطينيين تطالب بمواصلة الحرب وتشديد الحصار على الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، بينما كان إعلام هذا البعض من العرب يذرف الدموع على معاناة الشعب الفلسطيني. ‏

 

فضيحة الفضائح هي المفارقة التي نشهدها هذه الأيام، فالحراك السياسي والشعبي في أوروبا نجح في جعل قضية انضمام إسرائيل إلى منظمة التعاون للتنمية الاقتصادية، مضبطة اتهام لسياساتها العنصرية وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، والمنظمة التي تضم حوالى أربعين دولة من بينها دول الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك وتركيا، وضعت الطلب الإسرائيلي تحت بند المراجعة في ضوء ما حملته المؤشرات الاقتصادية من تفاوت يخفي تمييزاً عنصرياً، سواء في معدلات خط الفقر لدى كل من العرب واليهود من جهة، أو فيما ترصده الموازنات للإنفاق على الطفولة لدى كل من الشريحتين العربية واليهودية، من جهة أخرى، هذا باستثناء التمييز المضاف بين الشرائح اليهودية نفسها شرقية وغربية. ‏

 

البت بالطلب الإسرائيلي سيتم في اجتماع قادة المنظمة المقرر في 27 و28 من الشهر الجاري بعدما قدمت الحكومة الإسرائيلية ما تعتبره جواباً على المآخذ التي تحول دون قبول عضويتها وبدا أن الكثير من الحكومات المعنية تتردد في تسجيل رفض جديد للطلب الإسرائيلي، فاتجهت أنظار المعترضين وخصوصا أصحاب مضابط الاتهام بوجه التمييز العنصري الإسرائيلي على طول الساحة الغربية وعرضها، نحو تركيا كعضو مؤسس في المنظمة التي تحتاج قراراتها إلى الإجماع، بما يمنح كل أعضائها، ومنهم تركيا، حق الفيتو على هذا النوع من القرارات. ‏

 

بينما تتهيأ تركيا للنطق بلسان الحراك الأوروبي والحقوق العربية والإسلامية بقطع الطريق أمام جائزة يسعى الصهاينة لنيلها بدلا من العقوبات مقابل جرائمهم المتكررة، كانت لجنة المتابعة العربية لمبادرة السلام تتخذ قراراً بدعم مفاوضات غير مشروطة بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، بما وصفه بعض القادة الأوروبيين بالضوء الأخضر المستعجل للبت في العضوية الإسرائيلية في منظمة التعاون الاقتصادي، تحت شعار تشجيع مسارات السلام، وهي مسارات يدرك العالم كله أنها مجمدة لحساب مناورات تفاوضية دون غلال. ‏

 

الأصدقاء الذين يتولون متابعة هذا الملف بعناية شديدة بتكليف من القيادة التركية يرسلون رسائل العتب على الحكومات العربية، التي تمنح حكومة إسرائيل صكوك البراءة لتعطيل مفاعيل مضابط الاتهام الدولية، ولا يستبعد أن يخرج من قادة منظمة التعاون من يقول للقادة الأتراك، إذا كان العرب أصحاب القضية لا يريدون ضغطاً وحصاراً على الإسرائيليين فلماذا تريدوننا ملكيين أكثر من الملك؟. ‏

 

المفارقة أن الإسرائيليين يسعون لتحديد موعد جلسات التفاوض مع السلطة الفلسطينية في فترة انعقاد قمة منظمة التعاون الاقتصادي، في رسالة ذات مغزى يريدونها من جهة تسهيلاً للحصول على العضوية في المنظمة باسم مساعي السلام، وإحراجا للموقف التركي من جهة أخرى، مستعملين الكرم العربي بمنحهم صكوك البراءة المجانية دون حساب. ‏

 

غداً قد يظهر من يتحدث عن الدور التركي والمطامح الإمبراطورية والنفوذ التركي المتنامي في العالم العربي، بمثل ما نسمع عن الدور الإيراني منذ سنوات، ولكن في الحالتين لا يسأل أصحاب هذا الكلام أنفسهم، لماذا لا يدرك بعض القادة العرب أن مكانة إيران ومكانة تركيا تصنعهما مواقف جادة وحازمة وحاسمة تجاه قضية العرب الأولى فلسطين، وأن التخلي العربي هو الذي يجعل هذه المواقف سبباً لتنامي نفوذٍ محوره تقدير الشارع العربي لمن يقف مع قضيته المركزية بعدما تركها أولو الأمر. ‏

 

لولا موقف سورية ورئيسها بصورة مبكرة، سواء في تمتين العلاقة الإستراتيجية مع إيران أو في بناء جسور العلاقة الإستراتيجية المتنامية مع تركيا، ولولا التضحيات المباركة للشعب الفلسطيني ومقاومته لبقاء قضية فلسطين على قيد الحياة، لخرج الإيرانيون والأتراك يسألون حكوماتهم لماذا ندفع أثمان الدفاع عن قضية تركها أصحابها؟. ‏

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.