تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

لماذا تتقاطع السيوف فوق أنقرة؟

 

يتصاعد عزف «الأوركسترا» البرلمانية الغربية ضد تركيا وتحديداً ضد المظالم العثمانية لشعوب السلطنة.
 الأوركسترا تنقلت من فرنسا إلى الولايات المتحدة وحطت رحالها مؤخراً في السويد.‏
 العزف هنا كان أشد صخباً، مروحته دارت لتشمل إضافة إلى الأرمن الشعوب التي كانت خاضعة للدولة العثمانية، وربما لن يكون بعيداً اليوم الذي يناقش فيه برلمان غربي آخر المظالم العثمانية المقترفة بحق الأتراك أنفسهم لتسويغ التحريض ضد الحكومة التركية الحالية بتحميلها أوزار مرحلة ماضية.‏
 
هنا مشروعية السؤال: لماذا الآن؟ ومن دون أن نبذل جهداً لإعادة اختراع العجلة فإن الإجابة تتمحور حول استنفار عام في الغرب لمقاربة الانعطافة التركية عن اللهاث السابق وراء خيار التأورب ومن أجل خيار مستحدث اختيار العمق المشرقي.‏
 
خطورة هذه الانعطافة في نظر الغرب أنها تنذر بانقلاب جيواستراتيجي شبيه بانقلاب إيران 1979، ومتمم له ومتعاون معه.‏
 
وأولى تداعيات هذه الانعطافة أنها قد تختم استراتيجية الابتزاز الغربي لتركيا منذ الحرب العالمية الثانية بتركها واقفة على باب التأورب دون إذن بالدخول تطلبه ولا تناله حتى مقابل إسداء الخدمات في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.‏
 
مسعود يلماظ رئيس الوزراء التركي الأسبق كان قد أظهر غضبه من الاشتراطات الأوروبية التعجيزية لبلاده لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي، إذ بعد طول ارتداء لمسرح العلمانية تساءل يلماظ: «أهذا ناد مسيحي؟».‏
 
والذي حدث سراعاً أن الشعب التركي فندّ عدم الدقة في قراءة يلماظ عبر صناديق الاقتراع، إن هذا ناد امبريالي، ويجب التعامل معه على هذا الأساس فهمش (أي شعب تركيا) خيار التأورب واصطفى خيار العمق العربي- الإسلامي وما يتممه من خيار في المصالحة مع أرمينيا ومن تقييد للعلاقة مع «إسرائيل» ومن تطوير للعلاقة مع روسيا.‏
 
حيال المشهد الجيواستراتيجي المستجد أخذ التحريض ضد حكومة حزب العدالة والتنمية يتصاعد وينتقل من محور إلى آخر وفيه هذا الاستيقاظ البرلماني الغربي المباغت على مظالم مقترفة قبل قرن من الزمان.‏
 
المؤكد أن ثمة مايسترو ينظم عزف هذه «الأوركسترا» المتنقلة يقف بعيداً بين الأضواء تتجسد في أدائه إرادة امبريالية طامعة في إعادة خيارها المتبلور عمقها العربي-الإسلامي المعزز بالمصالحة التاريخية مع أرمينيا وبالتعاون مع روسيا.‏
 
ينصب التحريض ضد تركيا في قنوات تبدو أنها ضد حكومة حزب العدالة والتنمية فقط لاغير.‏
 
ولا يخفى على مراقب أن هذا تكتيك موصول باستراتيجية أشمل فالشجرة لا تحجب الغابة.‏
 
ومحاولة الوقيعة بين حكومة السيد رجب طيب أردوغان وبين الجيش التركي كتأزيم العلاقة بين الحكومة المركزية والأكراد وكبلورة معضلة بين تيار حزب العدالة والتنمية والتيار العلماني إنما هي تفرعات في تلك الاستراتيجية.‏
 
وعلى سبيل المثال فإن دعيّ يسار وعلمانية و «بتاع كله» في التطاول على كل ما هو إيجابي ونبيل في استراتيجية التعاون التركي-السوري وآفاقها الواعدة انتهز فرصة الاستنفار البرلماني الغربي ضد تركيا ليصرخ عبر صحيفة عربية واسعة الانتشار أن سياسة حكومة أردوغان حيال الأكراد «تنطوي على طبيعة قومية رجعية».‏
 
والبقية ستأتي إلى أن تنعقد في تركيا انتخابات عامة يعيد فيها الشعب تقييم الحسابات والخيارات.‏
 
والهدف الذي لا محيد عنه في هذا النفير المتعدد الألوان المتحد في الجوهر، هو أن تبقى السيوف متقاطعة فوق هام أنقرة إلى أن يتصدع احتضان شعب تركيا لخيار حزب العدالة والتنمية.‏
 
والأرجح أن شعب تركيا بكل مكوناته يتابع ويدقق ويفحص مدى الخبث في الهرطقة الغربية المتنقلة والمتصاعدة كي تنقل كاهل تركيا وحكومة أردوغان بخاصة بأوزار المرحلة العثمانية.‏
 
إن النفاق لا يصنع سياسة ولا تاريخاً.‏
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.