تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الإمام فضل الله داعية الحب ورسول السلام

 محطة أخبار سورية

حيثما حلت عمامته رأيت محراباً ينادي لدعاء الوحدة وصلاة التوحيد، وقد بسط شعلة روحه لإنهاض الأمة من ضعفها وتبصرة العلماء برسالة أن يبلغوا رسالاتهم ولا يخشون إلا الله ووسيلته في ذلك تنوير الكلمة الإسلامية بتجديد منهاجها في دنيا العمل والدعوة إلى سبيل الله بالتي هي أحسن.

كذلك عرفته جهيراً بفقه النقد لمشهورات من الفقه لم تثبت عنده. وهو دائم التفكير دائم المناداة بإصلاح المؤسسات الدينية بأجود وأنسب ما يرجو لها من إصلاح منذ كان يافعاً بسعة عقله وصحة إرشاده في النجف الأشرف, فكان له في مجلة الأضواء منبر وكان له في – جماعة العلماءفي العراق رباط واحد لم تره الصحوة الإسلامية منذ أيام السيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده فاتصل بها التاريخ على وحدة الغرض من رسالة الأزهر في مصر ورسالة النجف في العراق.. ‏

اتصلت به وأنا فتى في بيروت أواخر الستينيات من القرن الماضي كما اتصلت به ثلة من طلاب المعرفة فتعلمنا من حوزته الأولى علم الفقه وأصوله واستفدنا من بصره دافعاً لإجادة القلم والدروس فكان يهذب الخلق فينا قبل أن يربي العقل, كيما تزهر غرساته الطيبة في مقام المواءمة بين الدين والأخلاق.

 

وكانت بيروت في أول عهده بها هائجة مائجة بأخبار نكسة العرب عام 1967, وكان مدركاً لخطر أن تنسب هذه النكبة لشعوب الأمة وذاكرتها الدينية ولهذا كتب عن فلسفة القوة وخطوات على طريق الإسلام لبث روح المقاومة وإعداد جيل من الآباء والأبناء وتولى رعايتهم وسماهم – أسرة التآخي – فيما اتجه إلى جبل عامل والبقاع ليبذر فيها مع ثلة من رفاقه بذور الوعي الجديد بالنهوض الإسلامي في لبنان ولعل هذا هو السبب في أن يقال عنه بأنه الوالد الروحي والمرشد الأعلى لشبان المقاومة في لبنان والعراق في الاسم والمعنى سماحة الإمام السيد محمد حسين فضل الله. ‏

كذلك يعتبر الإمام فضل الله وما يرتبط باسمه من مؤسسات اجتماعية ومشروعات ثقافية، ودينية مدرسة متكاملة في مضمار قضايانا الإسلامية الكبرى في الوحدة والتجديد والحوار. ‏

ولعل أبلغ درس تعلمته من دروسه الصباحية هو درس الأخلاق وإنماء المعرفة – بالدين- على قيمها وخصالها، وعنده أن خطر – الفراغ الديني – قد بدأ في مجتمعنا العربي عشية تجريد الثقافة الإسلامية من كنوزها الأخلاقية في صورة متناغمة نستشفها في مناعة الموقف المقاوم، الذي لم ينفصل يوماً عن ثقافة الأمة وأخلاقها.. وطالما لفتني سماحته إلى ذلك العطب المنهجي في ظاهرتين تثقلان كاهل الأمة: ‏

إحداهما: ظاهرة عزوف السياسة العربية عن سلوكها الأخلاقي. ‏

وثانيهما: ظاهرة عزوف المتكلمين باسم الدين عن جوهر الثقافة الإسلامية وأخلاقها.. ‏

وهكذا تباعد الخطاب الديني في بعض أحواله عن رسالته الدينية، في بناء الحضارة وإصلاح المجتمع، و لا تزال منابر الإمام فضل الله في جوار السيدة زينب عليها السلام بدمشق أمثولة لإشعاع الفكر الإسلامي المعاصر المتسقة بتكريس قيم الربط بين الفقه والفكر، وبين الفكر والتربية، عبر فضاء توحيدي عاطر بانفتاح هذه القيم، على معنى البدايات الروحية والثقافية لمعنى الوطن والمواطنة والاجتماع الإنساني، بعيداً عن عنف العولمة وفوضاها التي تبشر العالم بنهايات الدول والأوطان ونهايات التاريخ والأخلاق، وفي إطار التصدي لهيمنة هذه العولمة يرتفع صوت الإمام فضل الله محذراً من تبعات الشطط في استعمال الثقافة العربية ومنابرها، لتبديد مفاهيمها ومعاييرها على أرصفة التكالب واللهاث خلف أسياد الاحتلال الجديد، ذلك أن تأصيل الثقافة العربية والإسلامية في واقع هذا الاحتلال لن تعبر عن جذور هويتها إلا إذا امتلك المثقف العربي أهلية الاقتدار على مقاومة ثقافة المحتل، من منطلق إيمان السيد بأن من يربح معركة الثقافة سيتمكن في حاضره ومستقبله، من أن يربح معركة – السياسة – ومعركة المصير. ‏

تلك مسألة سبق لسماحة الإمام فضل الله رضوان الله عليه أن عالجها بكثير من التفصيل في ندواته وكتبه عندما تحدث قبل خمسين عاماً عن تشرذم الهوية العربية والإسلامية، في زمن الحرب المفتوحة على هويتنا وثقافتنا، منذ احتلال فلسطين. وأراني أناشد علماء الأمة في يوم رحيله الاقتداء بمنهاجه في تأصيل ثقافة الوحدة والمقاومة، وما كنت أحسب أن ثقافتنا بحاجة إلى إصلاح إلا حين أصغيت إلى إرشاد السيد رضوان الله عليه ناصحاً: ‏

إذا كانت أزمة العقل العربي والعقل الإسلامي هي أزمة تفكير وأزمة سلوك، فإن إصلاح الثقافة في وحدة منابعها هو القمين لإصلاح مناهج التفكير وآداب السلوك وهذا هو الأجدر باهتمام الباحثين في شروط النهضة العربية والصحوة الإسلامية. ‏

ولنا في مدرسة الإمام فضل الله نموذجاً يُحتذى من سياسة تضيء رونقها من الثقافة، وثقافة تضيء قامتها المنيعة من الأخلاق، وأخلاق تضيء خفقة الروح فيها من خلجات هذا المجتمع المقاوم المحب كأصفى ما يكون سلام الحب، وأروع ما يكون عنفوان المقاومة وهو الضامن الأساس لشروط التنمية الثقافية ببلاغة مرجعنا الكبير رضوان الله عليه الذي نذر عمره كله من أجل كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة. ‏

ولنا من لوعة الحزن أن نبوح بأسرارك لنزهو مثلك في صمت الوفاء، ونوافيك من طلعة المقاومة يا رضى الله عليها ترتجل الآن أوار الأنبياء وتسميك.. شهدناك في نضرة ما غرست من صورة وجهك في وجع الينابيع؛ وكنت يا أبانا من خلف الليل والدموع تخضّ فجر الجنوب مرفوع القباب وظلالك تعدو مضاءة بمحاريبك الهيمانة خلف صلاة الشهداء.. ‏ ‏

‏ إيه يا حزنك الخاشع خبأته القمر الوردي في مدى كربلاء، وها يسّاقط في عيون الأطفال والأيتام، متدثراً بعباءتك يا أسوة الأولياء.. ويا لدموعك المشعة بأسمائنا، هل تغشاك برق أيوب، أو دمعة حرّة على يوسف أو آهة مريمية على جراح المسيح فأضرمت هواك لترتيل الانتظار، وفوق احتمالك فلسطين في مهب الرماد والظمأ، وفوق احتمالك تلك التي نقضت غزلها ومالت بخلاخيلها تحت سقفها المستعار؟ ‏

وها إنني أحمل وجهك أيقونة لشفق الحب المنسي في بيروت.. وكيف نصلي من غير حب؟.. ومن يقيم صورتها إلى كنف البتول وسجاياها غيرك يا إمام وحدتها؟! أنت من علمتنا بالفقه إعراب الوقت كي نجدد ميلاده.. وها أكاشفك من مضيق الأرض علينا، لم يعد أي شيء من جروح اللغة يرتب الأبجدية إلا ما تشرد من حنجرة تعبد الله على حرف و تسد علينا باب الله باسمه، وتقتلنا تحت مظلة العرش في حروب الفتاوى.. آه يا سيدي من قلة الفقه وكثرة الفقهاء، وها إني أدلي بوصاياك وأعترف بأنا تركنا الباب مفتوحاً فمروا وصرت أراهم بيني وبين معابري ومقابري فأمشي وحيداً وأركض وأركض خلف الباب.. ولا أحد يا سيدي غير صوتها النهر يصلي لأشجار صبرنا وغربتنا «واعتصموا».. ولا شيء يحمل رجع ندائك غير الأكف المقاومة تخضر في الزناد مثل مواويل السنبلات، وما كنت يا أبانا رغم الظنون إلا سيد المقام في مصباح وحدتنا، يا أيها البهي لزمان غير هذا التفرق تليق بك الأبوة وصبر الأنبياء.. وغداً أو بعد غد يوم تفتح نوافذ الصبح والروح سيقرؤون ولم يجيء قبلك من يجرب شيئاً عن الحلم الذي لا يجيء ويستغفرون الله من أجل روحك فيما نبوءاتك تلوح في هجير اليابسة والاحتلال نحو جوادك السماوي وقبضتك النجوم نحو أطياف امرأة كان اسمها زينب، كذلك أشرعت وحي القرآن رفيف الفصول في جبينك وعلى باب المدينة والكتاب.. وآهٍ على أمة ضيعت بدء البدايات فضيعها التمزق بعصف الختام.. سلام إليك من وطن البدريين في كل بندقية تنورت بسنبلات الجنوب وانحنت مثل الضوء وزيتون السلام أخضر.. ما أكرم الشمس يا سيدنا في حضن التراب وفمك بلال غاضب، وما أجلّك تكابد الغضب القدسي وتشافهنا بزين العابدين وفاطمة، نقاوم ونغفر ويتسع الحب لفردوس الحب ثم لا نكلم إلا السماء.. ‏ ‏

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.