تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

التحول الكبير وإحداثيات الصراع

تحول سياسي كبير شهدته المنطقة أدى الى تبدل في إحداثيات الصراع بشكل دراماتيكي لمصلحة سورية وبالتالي القضايا العربية والعالمية بعد أن كادت زمام الأمور تخرج بشكل نهائي من أيدي العرب ولمصلحة العدو الصهيوني وأمريكا

 
وبالعودة للأعوام الخمسة الماضية يجد القارئ والمحلل لها أن الولايات المتحدة الأمريكية بعد غزوها الهمجي للعراق أرادت أن تحول انتصارها المزعوم إلى هزيمة نفسية للعرب حكومات وشعوباً على أن تكون نقطة البداية من الجار الأقرب للعراق وعلى الرغم من أن الأجواء النفسية والمزاج العربي كان في أسوأ حالاته إلى درجة أن بعض الحكام العرب سلموا مقاليد الأمور للأجنبي حيث بدت وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك وكأنها القابضة على مصير أبناء هذه الأمة، في ظل هذه الأجواء الحالكة السواد صوب الأمريكيون والصهاينة مدافعهم في زاوية أخرى وحاولوا كسر ظهر وظهير المقاومة عبر عدوان تموز عام 2006 الذي انتهى بهزيمة تاريخية للعدو الصهيوني وحليفه التاريخي أمريكا ؛ ثم جاء العدوان الهمجي على غزة والذي لقي المصير نفسه فشلاً وهزيمة سياسية وعسكرية للعدو، ليضاف إلى جملة هزائم هي في جوهرها سقوط لما سمي الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به الوزيرة رايس ؛ لقد أراد الأمريكيون - من بعض ما أرادوه - من احتلال العراق والعدوان الصهيوني على لبنان إحكام الطوق على سورية ومحاصرتها بهدف إخضاع إرادتها السياسية وثنيها عن مواقفها وإلحاق هزيمة نهائية بمشروع المقاومة الذي تبنته وحمته ووفرت له كل أسباب النجاح والاستمرار لأنه في كل المعاني تعبير عن وجود العرب وكرامتهم وحقهم في الحياة .‏
 
والسؤال الآن كيف استطاعت سورية قلب قواعد اللعبة وتحقيق هذا النجاح الاستراتيجي؟ سؤال مهم لأن الإجابة عنه تعطي مؤشراً مهماً على أسئلة كثيرة ستطرح في المستقبل خاصة إن الظروف التي تمر بها المنطقة تثبت أنها قابلة للتكرار كل عدة عقود، وهنا من المفيد الإشارة الى ما جرى في خمسينيات القرن الماضي عندما قرر الرئيس عبد الناصر المواجهة مع الغرب بتأميمه قناة السويس وهو يدرك تمام الإدراك أن الغرب أقوى بكثير من مصر الخارجة لتوها من الاستعمار ولكن قراره الشجاع والمستند إلى إرادة جماهيرية وإرادة سياسية شجاعة ورأي عام عربي مساند وقبل ذلك حق شرعي لمصر، جعله يتخذ مثل ذلك القرار التاريخي الذي جعل منه زعيماً عربياُ وعالمياً.‏
 
وهو أيضاً ما فعله الرئيس الكوبي فيدل كاسترو بعد ذلك بعدة أعوام عندما قرر مواجهة أمريكا وخوض معركة خليج الخنازير وكان له الانتصار أيضا.‏
 
من كلا الدرسين يستطيع الملاحظ السياسي ان يكتشف أنه في اللحظات الحاسمة في تاريخ الأمم تبرز الحاجة للقادة التاريخيين الذين يحددون مسارات جديدة لدولهم وشعوبهم باتخاذهم مواقف شجاعة بمواجهة القوة الغاشمة وهذا ما جرى في منطقتنا بعد احتلال العراق الذي أريد له أن يكون بداية تحول في تركيبة المنطقة العربية وتأسيسها على حوامل وطنية، حيث وقف السيد الرئيس بشار الأسد موقفاً تاريخياً برفضه الإملاءات الأمريكية ولاحقاً المشروع الأمريكي بكل عناصره ومكوناته وعبر منهج ينطلق أولاً من الرفض السلبي وصولاً إلى المواجهة الايجابية والفاعلة عبر تفعيل جبهة الرفض على كافة المستويات وتوسع دائرتها إقليمياً وعالمياً . قد انطلق ذلك كله من مرتكزات عدة كانت بدايتها تحديد أهداف السياسة الأمريكية بدقة وإدراك أبعادها ومخاطرها على المنطقة العربية ومحاولة تشكيل موقف عربي رسمي وشعبي بمواجهتها مع إدراك :‏
 
1-إن الهدف الكبير والحقيقي للسياسة الأمريكية في المنطقة هو إحكام السيطرة على المنطقة ونهب ثرواتها وجعل إسرائيل مركز الثقل فيها وتحويل العرب الى توابع سياسية تدور في فلكها .‏
 
2-تدمير البنية الوطنية وكسر العقد الاجتماعي العربي القائم في الدول المشكلة بعد سايكس بيكو وإعادة تشكيلها على حوامل ماتحت وطنية عبر إحيائيات دينية ومذهبية مقيتة .‏
 
3-مصادرة الإرادة السياسية العربية وإخراج فكرة القومية العربية من التداول السياسي واعتبارها شيئاً من الماضي .‏
 
4-إماتة روح المقاومة والأمل عند العرب وإدخالهم في كهوف اليأس .‏
 
وقد ارتكزت استراتيجية المواجهة التي قادها السيد الرئيس على جملة من العوامل تستند الى المرتكزات التالية :‏
 
1-رفض الإملاءات الأمريكية وتشكيل جبهة مواجهة ضدها على الصعيدين الرسمي والشعبي .‏
 
2-تعبئة الشارع السوري والعربي من خلال كشف أبعاد المشروع الأمريكي الصهيوني وأدواته ومنفذيه وتعريتهم أمام الجماهير العربية .‏
 
3-دعم المقاومة بكل الإمكانات اللوجستية والإعلامية والسياسية .‏
 
4-فتح آفاق جديدة بمواجهة العدو الصهيوني وتوسيع دائرة الحلفاء على المستويين الإقليمي والدولي بهدف محاصرته سياسياً وإعلامياً .‏
 
5-اعتبار المقاومة الأساس في عملية السلام لأنها تقوي الطرف العربي وتعطيه قوة ومنعة في مواجهته مع العدو الصهيوني .‏
 
6-الانطلاق من العامل السيكولوجي في فن إدارة الصراع وهو ما برع فيه السيد الرئيس بإدراكه أن السياسة الأمريكية التي رسمها جورج بوش الابن وفريق المحافظين الجدد تنطلق من قاعدة أن أمريكا قوية والعالم خائف حيث قلب المعادلة تأكيداً على أن العالم غير ضعيف وأمريكا هي الخائفة .‏
 
لقد كانت مواجهة ذلك المشروع عملية معقدة وشائكة لعدة أسباب أهمها عدم التوازن في القوة بين معادلتي الصراع الذي تمثل الطرف الأساسي فيه أكبر قوة على وجه الأرض وهي الولايات المتحدة الأمريكية تساندها قوى كبرى وتدور في فلكها وتؤمن لها الدعم اللوجستي قوى إقليمية لها وزنها وحضورها في المنطقة إضافة إلى ذراعها العسكرية الكيان الصهيوني في ظل بيئة دولية مشلولة التأثير ومصابة بحالة صدمة وخوف من المارد الأمريكي الذي أسفر عن وجه عدواني قبيح بعد أحداث 11 أيلول عام 2001.‏
 
لقد استطاعت سورية القيام بما يشبه المعجزة السياسية عندما استطاعت امتصاص الصدمة وتفكيك مقاطع المشروع ومواجهته بطرق ووسائل مختلفة منها السياسي والعسكري والإعلامي إضافة إلى الاستفادة من عامل الزمن إلى أقصى حد ممكن مستفيدة من الظرف الدولي الذي بدأ يتحرك لغير مصلحة قوى الهيمنة وسياسة القوة داخل وخارج الولايات المتحدة الأمريكية، ولعل نقطة القوة الأساسية في الموقف السوري هو الإرادة السياسية والثبات النفسي وإتباع سياسة حافة الهاوية بمواجهة التهديدات الأمريكية إضافة إلى شرعية ومشروعية الموقف واستناده إلى قاعدة وطنية وشعبية قوية، ولعل المشهد السياسي الجديد في المنطقة عبر تحالفاته الجديدة وقواه الفاعلة وتبدل قواعد اللعبة هي مؤشرات عملية وحقيقية تدل دلالة قاطعة على ذلك التحول الكبير .‏
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.