تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الكرة التي فضحتنا !


فجأةً.. عادت أحداث حرب 3 تموز 1969 التي اندلعت بين السلفادور والهندوراس إلى واجهة الأخبار طوال الأيام الماضيةحيث استعادتها العديد من المقالات ووسائل الإعلام من أجل مقارنة مبرراتها وسيناريوأحداثها بوقائع مماثلة لا تزال تشهدها منطقتنا العربية.

ففي عام 1969 وضمن التصفيات النهائية المؤهلة لكأس العالم في المكسيك أوقعت القرعة البلدين في مواجهة حاسمةلتحديد الفريق الذي سيتأهل إلى النهائيات . وبعد أن تبادل الفريقان الفوز كلٌّ علىأرضه في أجواء متوترة، تم خلالها الاعتداء على رعايا كل دولة المقيمين في الدولةالأخرى إضافةً لحرق ممتلكاتهم، تم تحديد يوم 27 حزيران موعداً لخوض المباراةالفاصلة بينهما على أرض محايدة وهي المباراة التي فازت بها السلفادور وتأهلتلنهائيات كأس العالم ما استتبع من الدولتين نشر قواتهما على الحدود ومن ثم اندلاع حرب شرسة بينهما توغلت فيها السلفادور بهجوم بري كبير لمسافة 40 كيلومترا في هندوراس التي أرسلت طائراتها لضرب مدينتي سان سلفادور وأكابوتلا بالقنابل وبعد أسبوعين من القتال وخسائر فادحة وضحايا بالآلاف توقفت الحرب التي ابتدأت بمباراةلكرة القدم . ‏
وضمن هذا السياق وفي إطارسيناريو مشابه انشغل الشارع العربي طوال الأيام الماضية بما بات يعرف بمعركة 14تشرين الثاني التي حشدت لها الإمكانيات وسخرت لأجلها عشرات الفضائيات التي أعادت بثالأغاني الوطنية المحرضة على الصمود والمقاومة واستمرار النضال مع وجوب أن يظل (السلاح صاحي) حتى يتحقق النصر الموعود. ‏
ورغم أن عالمنا العربييحتاج بالفعل إلى الاستعداد لعشرات المعارك من أجل تحريره من الاحتلالات التي تهيمنعليه والتدخلات الأجنبية التي تخترقه بلا حدود فضلاً عن مشاكله الاقتصاديةوالاجتماعية والثقافية المتعددة والتي لا تقل خطورةً عن كل ما سبق، إلا أن المفارقةأن معركة 14 تشرين الثاني لم تكن لأي من الأهداف السابقة كما أنها لم تقم في مواجهةأي طرف غير عربي بل إنها كانت صراعاً في إطار ما كان يعرف (بالبيت الواحد) وذلك منأجل الفوز بمباراة لكرة القدم في المعركة الكروية التي جمعت منتخبي مصر والجزائروالتي استخدم الجميع خلالها كل أدوات التحريض اللا مشروعة واللا أخلاقية بدايةًباستهداف الحافلات بالحجارة وحرق الأعلام الوطنية أو تشويهها بإضافة نجمة داوودعليها، ومن ثم الاعتداء على الرعايا والمنشآت واستهداف المواطنين في كلا البلدينعلى أساس الجنسية.. وصولاً لحرق قاربين ومطعم بمرسيليا الفرنسية أثناء الصدام بينالجاليتين المصرية والجزائرية هناك وهو ما تزامن مع نشر عشرات المقالات التي أبدىخلالها بعض المصريين الندم على دعمهم للثورة الجزائرية أثناء حكم الزعيم جمال عبدالناصر وتحسر خلالها بعض الجزائريين على الوقوف إلى جانب مصر خلال حرب 1973، مااستلزم أيضاً استدعاء سفيري البلدين لتبليغهما الاحتجاجات الرسمية مع تبادلالاتهامات بالمسؤولية عن كل ما حدث وسيحدث. ‏
وبعيداً عن التهوين مما جرىأو المبالغة في التهويل فإن أحداث الأيام الماضية ينبغي أن تدق ناقوس الخطر فيمواجهة الجميع حكاماً ومحكومين على حد سواء بسبب التدهور الكبير في القيم والسلوكواختلال المعايير الأخلاقية والوطنية في الحكم على الأمور وسهولة استبدال العدوبالشقيق وتزييف مفهوم الوطنية والانتماء إضافةً إلى الكم الهائل من العنف الماديوالمعنوي الذي اكتشفنا أننا نخبئه لبعضنا بعضاً. ‏
وهنا ينبغي التنبه لبعضالملاحظات المهمة، فما معنى أن تتعلق الشعوب بأي نصر وهمي حتى لو كان بكرة القدمتأتي به أقدام اللاعبين بعد أن فشلت العقول والسواعد بتحقيق انتصارات جدّية ومثمرة؟وهل ينبه هذا الحكومات إلى أن فشل سياساتها وتتالي إخفاقاتها أصاب الجماهير باليأسوالإحباط وجعلها تبحث عن أي مصدر فرح تتعلق به وتجعله حلمها الوطني بعيداً عنالأحلام الكبيرة والآمال العريضة التي أفنت عمرها بانتظار ما لم يأت ... وما باتبعيد المنال.. ‏
وما معنى استبدال معاييرالنخوة العربية والكرامة الوطنية بمفاهيم جديدة وسخيفة أيضاً؟ فلم يعد استمرارالاحتلال والتنكيل بالشيوخ والنساء والأطفال العرب وتدنيس المقدسات الإسلاميةوالمسيحية على حد سواء هو ما يمس نخوتنا ويستهدف كرامتنا وإنما باتت الهزيمة أمامشقيق آخر هي الذل الذي لا يحتمل والهوان الذي لا يطاق والذي ينبغي استبعاد حدوثهبكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة في داخل الملعب وخارجه، مع ملاحظة أن أي فريقعربي ليس لديه أي مشكلة أو عقدة في أن يخسر أمام أضعف فرق العالم في قاراتهالمختلفة على ألا يخسر أمام فريق عربي آخر خاصةً إن كان جاراً له، بدليل أن العربيوم السبت الماضي كانوا ينافسون على ثلاث بطاقات للتأهل لكأس العالم واحدة منهاكانت مضمونة باعتبار أن الصراع كان محصوراً بين مصر والجزائر في حين أن الصراع علىبقية البطاقات كان مع فرق غير عربية والمفارقة أن العرب خسروا في ذلك اليوم كلالبطاقات الأخرى ، حيث خسرت البحرين أمام نيوزيلندة وتونس أمام موزامبيق، دون أنيهتز أو يتأثر أحد من العرب المشغولين بحرب داحس والغبراء المندلعة بين مصروالجزائر. ‏
أليس غريباً أن استمرارإسرائيل ببناء جدار الفصل العنصري مستعينةً لتشييده بملايين الأطنان من الحجارة باتخبراً عابراً لا يدفع أحداً للتحرك أو التظاهر في حين أن إلقاء حجر واحد على لاعبيالفريق الوطني يستتبع التصعيد الذي بلغ حد جرح العشرات وحرق الممتلكات وفرض حراسةمشددة على مقار البعثات الدبلوماسية، فما هذه الأمة التي حركها حجر طائش في مباراةبينما لم تستثر لملايين الأحجار التي ترص لترسيخ احتلال أرضهم وزيادة معاناة أهلهموذويهم؟ ‏
أليس معيباً أيضاً أنزيارات قاتلي الأطفال العرب إلى بعض دولنا العربية لا تستفز أحداً للتظاهر ضدهم ولوبرفع صورة شهيد من أطفال غزة أو بغداد.. في حين أن زيارة فريق عربي منافس تستتبعالتجمهر ضدهم بالمئات وربما الآلاف. ‏
إن ما حدث طوال الأيامالماضية من شحن عدائي شمل الجميع، حتى من غير مواطني الدولتين المعنيتين ، باتيستلزم مراجعة شاملة لأنه كشف فشلاً ذريعاً للحكومات والأحزاب والمناهج التربويةوالفضائيات العربية ورجال الفكر والثقافة والدين الذين أخفقوا جميعاً في تسويقمفهوم العروبة وإبراز حقيقة النخوة والانتماء لدى الشعب العربي الذي لا نزال نؤمنأنه واحد !! ‏
ويبقى اللوم والعتب على كرةالقدم .. هذه الساحرة المستديرة التي طالما أمتعتنا .. واستدرجتنا حتى فضحتنا بهذهالصورة القاسية والأليمة ‏
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.