تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

حكاية لقاء عاصف

عندما وصل بنيامين نتنياهو إلى واشنطن الأسبوع الماضي لإلقاء الخطاب التقليدي لرئيس الوزراء الإسرائيلي أمام الاجتماع السنوي للمنظمات اليهودية في الولايات المتحدة، لم يكن قد تم تحديد موعد له مع الرئيس أوباما، لا بل برزت شكوك حقيقية، عكستها وسائل إعلام أميركية، حول إذا ما كان هناك نية أصلاً لدى البيت الأبيض لتحديد موعد لنتنياهو.

بالمحصلة اجتمع نتنياهو بأوباما واستغرق الاجتماع أكثر من المتوقع، ألغى بعده رئيس الحكومة الإسرائيلية مؤتمراً صحفياً كان مفترضاً إجراؤه بعد اللقاء. نتنياهو خرج متجهماً واكتفى بالقول إن النقاش كان إيجابياً وبناء (صيغة مستعارة من الإعلام العربي). البيت الأبيض من جهته اكتفى بإصدار بيان
عام ومقتضب لم يخرج عن سياق ما قاله نتنياهو. ورغم صعوبة معرفة ما جرى خلال الاجتماع بحكم أن إدارة أوباما أثبتت حتى الآن أنها الأقدر على ضبط التسريبات من بين كل الإدارات الأميركية منذ عهد أيزنهاور ربما، إلا أن الإعلام بنى على هذه الإشارات واستنتج أن اللقاء كان عاصفاً.
إن صح هذا الاستنتاج فهو لم يأت بجديد، فنتنياهو لم يكتف بإحراج الرئيس الأميركي علناً عندما رفض دعواته المتكررة لوقف الاستيطان أو تجميده، بل ذهب أبعد من ذلك عندما هدد بلي ذراع سيد البيت الأبيض تارة، وإشعال واشنطن إذا هي ذهبت بعيداً في الضغط عليه تارة أخرى، وصولاً إلى تسريب استطلاع للرأي العام يفيد أن شعبية أوباما في إسرائيل لا تتجاوز الأربعة في المئة. لا شك في أن أوباما تأثر بالتهجمات التي أخذت طابعاً شخصياً أحياناً ضده من قبل نتنياهو وأركان في حكومته، وأثار هذا الموضوع بالتأكيد خلال الاجتماع وسجل من خلاله عتباً شديداً على نتنياهو، ربما وصل إلى حدود تعنيفه.
مع ذلك لنتخيل أن هذه التصريحات نفسها صدرت عن رئيس حكومة آخر غير نتنياهو، وأن هذا الصد للسياسات الأميركية صدر عن دولة أخرى غير إسرائيل، ما هو رد الفعل الأميركي المتوقع في مثل هذه الحالة؟ هل سيكتفي الرئيس الأميركي بتسجيل عتب مكتوم على مثل هذه التصريحات والسياسات مثلاً؟ هل سيحصل صاحبها على دعوة لزيارة الولايات المتحدة، دع جانباً إمكانية ترتيب اجتماع له في البيت الأبيض حتى لو قدر له أن يكون عاصفاً؟ أم إننا سنرى سيلاً من الاتهامات والتهديدات والدعوات لتطبيق عقوبات وإطاحة حكومات؟
يمكن أن نشرح مثل هذا السلوك غير المتوازن أقله بعقد مقارنة بسيطة بين معاملة واشنطن لإسرائيل ومقاربتها للعلاقة مع إيران. إدارة أوباما تقول إن السلام في الشرق الأوسط هو مصلحة قومية أميركية، هي في المقابل تقول إن السياسات الإيرانية تهدد المصالح القومية الأميركية. لكن وعلى حين أنها تستقبل رئيس الحكومة الإسرائيلية الذي يقف عائقاً أمام تحقيق مصلحة قومية أميركية، لا بل يشكل عبئاً عليها ويقوض مصداقيتها، تجدها في المقابل تفعل ما في وسعها لتشديد الخناق على إيران ودفعها إلى الانصياع لمطالبها وحتى التهديد باستخدام القوة المسلحة ضدها.
نحن هنا لا نتحدث عن معايير مزدوجة يمكن للأميركيين تبريرها بالقول إن إسرائيل حليف يخدم المصالح الأميركية ومن ثم تجري معاملتها وفقاً لذلك، لأن هذه المقاربة لا تنطبق على الوضع هنا. نحن نتحدث عن افتقار واشنطن لمقاربة متوازنة لحماية مصالحها بغض النظر عمن يهدد أو يعرقل هذه المصلحة. بناء على ذلك، لا تعنينا درجة الحدة التي طبعت لقاء أوباما- نتنياهو بمقدار ما يعنينا أن واشنطن ربما تكون قد أضاعت فعلاً بوصلة مصالحها التي طالما ساعدتها على الإبحار إلى قمة العالم.
 
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.