تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

جول جمال ذكرى استشهاده 5-11-1956

 

 
مازن يوسف صباغ
إثر إعلان الرئيس جمال عبد الناصر تأميم الشركة العالمية لقناة السويس في خطابه الشهير بالإسكندرية يوم 26 يوليو/تموز 1956، قررت بريطانيا وفرنسا والكيان الإسرائيلي كسر الإرادة العربية والمصرية عبر العدوان على مصر بهدف إسقاط نظامها العربي القومي وإقامة نظام خاضع للمصالح الأجنبية، وتم الاتفاق على أن تهاجم (إسرائيل) مصر بذريعة تأمين حرية الملاحة لسفنها وفتح مضائق تيران أمامها للوصول إلى خليج العقبة، وتقوم بريطانيا وفرنسا بإنزال قواتها في المدن الساحلية المصرية واحتلال قناة السويس بحجة تأمين الملاحة العالمية فيها، وهي الخطة التي عرفت تاريخياًَ باسم العدوان الثلاثي على بور سعيد.
وقامت إسرائيل بالهجوم على مصر يوم 29-10-1956، وفور بدء الهجوم اندفع ضباط الجيش السوري مطالبين القيادة العسكرية المشتركة بين البلدين التي أسست قبل عام بالسماح لهم بالقتال دفاعاً عن مصر وفتح الجبهة السورية، ولكن طلبهم قوبل بالرفض من القيادة المصرية وتم سحب القوات من شبه جزيرة سيناء إلى غرب القناة لئلا تقع في المصيدة وتحاصر من قبل قوات العدوان الثلاثي، وتم إنزال أول القوات الإنكليزية- الفرنسية المشتركة يوم 1-11-1956.
رغم ذلك كان لشعب وجيش سورية دورهم في الدفاع عن الشقيقة مصر في معركتها المصيرية، حيث قاموا بنسف الأنبوب التابع لشركة البترول البريطانية (IPC) والمار بسورية وقطع إمدادات النفط، لكن المساهمة الأكبر والأشهر كانت لملازم ثان في البحرية السورية اسمه "جول جمال".
ولد جول يوسف جمال في 1-4-1934 في قرية المشتاية في محافظة حمص، وهو أكبر أربعة إخوة "جول - دعد - يلينا - عادل"، انتقلت العائلة إلى مدينة اللاذقية حيث كان والده مديراً للصحة الحيوانية، وأتم جول دراسته الإبتدائية 1943 والمتوسطة والثانوية 1953 في تجهيز اللاذقية، التحق بكلية الأداب في الجامعة السورية وتركها في أيلول 1953 ليرسل ضمن عشر طلاب سوريين فى بعثة عسكرية للالتحاق بالكلية البحرية فى مصر، وتخرج منها في أيار 1956 برتبة ملازم ثان وكان ترتيبه الاول على الدفعة (ماجور الدورة).
بقي جول جمال في مصر بعد تخرجه ليخضع لدورة تدريبية على زوارق الطوربيد المصرية وكان من المقرر أن يتخرج قبل نهاية العام حيث كتب إلى والده أنه سيقضي عيدي الميلاد ورأس السنة مع العائلة، لكن القدر كانت له خطط مختلفة.
على إثر بدء العدوان الثلاثي التقط ضباط البحرية المصرية فى منتصف ليلة 4-5 تشرين الثاني/نوفمبر إشارة لاسلكية من أكبر قطعة الأسطول الفرنسي السفينة العملاقة "جان بارت" وعلى متنها 88 ضابطاً 2055 جندياً، فاندفع جول إلى قائده "جلال الدسوقي" يطلب منه السماح بالقتال، واعترض القائد أولاً لمخالفة هذا الأمر للوائح العسكرية لكن جول جمال قال له: "عندما أرى شوارع الإسكندرية كأني أرى شوارع اللاذقية.. وأنا لا أرى بلدين أنا أرى بلداً واحداً"، مما أقنع القائد المصري بالسماح له.
 تم التخطيط للعملية واشترك فيها ضابطان سوريان هما جول جمال ونخلة سكاف وضابط مصري، وجرت قبالة قرية (البرلس) يوم 5-11-1956، ونصت الخطة على أن تناور الزوارق الثلاثة للاقتراب من البارجة وضربها بالطوربيدات، وأن ينطلق جول جمال أولاً يليه الضابط المصري ثم نخلة سكاف، وقد استطاع جول جمال الاقتراب من الهدف لكنه لم يستطع إطلاق طوربيداته، فاندفع بزورقه المحمل بالمتفجرات واقتحم السفينة، مما أدى إلى تدميرها، حيث لا تزال إلى اليوم ملقاة على الشاطئ في مقبرة البحرية الفرنسية (طولون)، وتعد هذه العملية أكبر خسارة تلحق بالأسطول الفرنسي في القرن العشرين، وتطاير جثمان الشهيد في البحر الأبيض المتوسط وعمره 22 سنة. 
منح الشهيد جول جمال بعد استشهاده عدد من الأوسمة:
  • براءة الوسام العسكري الأكبر من الدولة السورية.
  • براءة النجمة العسكرية من الرئيس جمال عبد الناصر.
  • براءة الوشاح الأكبر من بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس.
  • وسام القديسين بطرس وبولس من درجة الوشاح الأكبر من بطركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الكاثوليك.
  • وسام الفاتح من أيلول من ليبيا.
ترك جول وراءه خطيبة رفضت الزواج بعده، وأماً وأختاً ظلتا تحلمان برجوعه، وقد تم التكبير والصلاة على الشهيد من المآذن والجوامع ودق أجراس الكنائس في مدينة اللاذقية حين أقيم الجناز على روحه الطاهرة، وسميت أكبر مدرسة في محافظة اللاذقية باسمه، وأطلق الكثير من السوريين على أولادهم اسم "جول" تيمناً بالبطل.
تم تخليد ذكرى جول جمال والعملية الاستشهادية التي قام بها في فيلم "عمالقة البحار" المصري الذي أخرجه سيد بدير وقام ببطولته كل من أحمد مظهر ونادية لطفي عام 1960، وأطلق اسمه على الكثير من المدارس في سورية ومصر، وعلى عدد من الدورات العسكرية.
وفي هذه الأيام تمر الذكرى 53 على هذه الأمثولة وتبقى بطولة جول جمال رمزاً ساطعاً، أكيداً، خالداً على وحدة مصر وسورية عبر التاريخ.

ونختم بقوله تعالى: «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون» صدق الله العظيم

 
                                          مازن يوسف صباغ

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.