تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

لاعبون جدد.. و ملاعب أيضاً

للمفكر والسياسي الايطالي المشهور ميكيافلي قول مأثور، يعرفه كل من يعمل في السياسة أو يهتم بها، يقول فيه «إذا لم تملك مهارات اللاعب وقدراته فستتحول بالضرورة إلى ملعب له». هذا القول لا ينطبق على منطقة في العالم مقدار انطباقه على منطقة الشرق الأوسط التي تعيش حالة من التحولات السياسية العميقة على المستوى الإستراتيجي. فللمرة الأولى ربما منذ أن أخذت المنطقة شكلها المعروف اليوم بعد الحرب العالمية الأولى يتقلص نفوذ القوى العظمى فيها إلى الحد الذي نشهده اليوم على حين يتعاظم نفوذ بعض دول الإقليم إلى حد القدرة على توجيه التحولات الجارية فيه وعليه.

فخلال ما يربو على قرن من الزمن كان الشرق الأوسط بمجمله منطقة صراع شديد على النفوذ بين القوى الأوروبية التقليدية وخاصة فرنسا وبريطانيا وإلى حد ما ألمانيا وروسيا. بعد الحرب العالمية الثانية، تحكمت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في كل صغيرة وكبيرة في المنطقة ابتداءً من رسم شكل التحالفات الإقليمية وصولاً إلى تحديد صور الصراع وحتى نتائجه. بعد نهاية الحرب الباردة انفردت واشنطن بالسيطرة على المنطقة حرباً وسلماً وبلغت ذروة نفوذها بغزو العراق عام 2003 وما استتبعه من محاولات لتغيير خرائط الشرق الأوسط خلال الأعوام الأربعة التالية.
ورغم أن الولايات المتحدة ما تزال القوة العسكرية الأكبر والأكثر تقدماً على مستوى المنطقة والعالم، إلا أن نفوذها انحسر إلى درجة باتت معها عاجزة حتى عن دفع حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل إلى القبول بتجميد ولو مؤقتاً للاستيطان بما يسمح بإطلاق مفاوضات سلام مع الفلسطينيين رغم أن ذلك يقع في صميم المصلحة القومية الأميركية، كما قال المبعوث الأميركي جورج ميتشل. لن نتحدث طبعاً عن إخفاق واشنطن في تحقيق حد أدنى من الاستقرار في العراق أو أفغانستان أو في منع انزلاق باكستان إلى أتون الفوضى فهذه أهداف أصبح من المسلم أنها تفوق قدرات الولايات المتحدة السياسية والدبلوماسية ومن ورائها آلتها العسكرية الضاربة.
هذا شأن أميركا التي مازالت تحدوها الرغبة في استعادة نفوذها الضائع في المنطقة، أما اللاعبون الدوليون الآخرون فهم إما غير راغبين أو غير قادرين شأن أوروبا وروسيا والصين. حال الانكفاء الدولي عن المنطقة سمح بظهور لاعبين إقليميين قادرين وراغبين في الوقت عينه ليس فقط في ملء الفراغ بل في الإمساك بمصير منطقتهم وذلك للمرة الأولى منذ نحو قرن من الزمان.
عندما كانت القوى الدولية الكبرى تمارس دور اللاعب كانت المنطقة بكليتها ملعباً لهم، أما وقد انحسر نفوذ هذه القوى وأخذ مكانها لاعبون إقليميون، كان لابد أن تتحول أجزاء من الإقليم ملعباً لهؤلاء اللاعبين الجدد. وبالعودة إلى ميكيافيلي، فقط من يمتلك القدرات المناسبة يمكن أن يكون لاعباً، الآخرون سوف يتحولون بالضرورة إلى ملعب، فأي دور يطمح إليه العرب مع تبلور صورة اللاعبين وساحات اللعب؟
 
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.