تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

شرق أوسطي جديد من زواج شرعي

لعل «شمعون بيريز» يموت غيظاً بسبب الفشل الذريع لمشروعه «الشرق الأوسط الجديد» الذي كان يريد من ورائه أن تسيطر إسرائيل على الشرق الأوسط وتحكمه سياسيا واقتصاديا وثقافيا وبالتأكيد عسكريا من خلال سلام شكلي لا يعطي الحقوق لأصحابها وتطبيع عميق مع المجتمعات المجاورة وخصوصاً المجتمع العربي إضافة إلى سياسات العزل للأطراف الرافضة حتى تخضع وتستجيب لمتطلبات هذا المشروع، ولعل خيبات أخرى ترسم على وجوه المروجين لهذا المشروع من العرب وغيرهم بعد كل ما بذلوه في سبيل إنجاحه وإقناع الشارع العربي بجدوى تحقيقه لكن الخيبة الكبرى لبيريز وأصحابه ليست بسبب إخفاق مشروعهم وحسب وإنما بسبب مشروع ربما يحمل التسمية نفسها تبدو ملامح ولادته قائمة بوضوح ومرغوب فيه شعبيا لأنه يحمل بصمات محلية وطنية نابعة من صميم الحرص على الأوطان وعلى الشعوب ومصالحهم، يولد هذا المشروع ولادة طبيعية من زواج شرعي أدرك أطرافه متأخرين أن لقاءهم هو الأساس الصحيح لنهضة المنطقة وضرورة لتخلصها من هول المؤامرات والحروب والاحتلالات التي نخرت جسد المنطقة، لكن الجميل في الأمر أن هذا الزواج الكبير أتى نتيجة انجذاب طبيعي وقربة ضاربة في التاريخ وجهود ذاتية في التواصل وليس تنفيذاً لوصفة خارجية غريبة، أتى بهدف تحقيق الأمان والاستقرار والتقدم والرفاهية لعائلة الشرق الأوسط وهو ليس موجها ضد أحد غير الذي يريد لهذه المنطقة الضعف والخراب.

إن الجهود التي تبذلها سورية وتركيا من أجل بناء شرق أوسط جديد تحتاج التقدير لأن ثمارها بدأت تظهر ناضجة رغم كل العراقيل التي تقف دون تحقيق ذلك وإن التجربة السورية- التركية الناجحة في كسر الجليد وبناء الثقة بينهما والتي أدهشت الكثيرين يعمل أصحابها على تعميمها بين أوساط جيرانهم من أجل تنقية الأجواء ونبذ الخلافات فيما بينهم تأسيساً لسلام وتعاون يرفض الظلم والقتل الذي يعتاش به المغتصبون ويضمن الازدهار والنهوض لشعوب المنطقة بعيداً عن منغصات الذاكرة واضعين نصب أعينهم المستقبل فقط المستقبل.
لذلك شاهدنا المصالحة التاريخية بين الأرمن وتركيا وكذلك الهدوء على الجبهة القبرصية لتوفير مناخ مصالحة تنهي الصراع في هذه الجزيرة وتقارب فيما بين تركيا واليونان وكذلك تركيا وأوروبا، وأيضاً الخطوات التركية المهمة تجاه الأكراد لاحتضانهم في وطنهم الكبير بدلاً من استمرار الصدام معهم أما فيما يخص سورية فإن عملها المضني من أجل تحقيق المصالحة العربية وتفعيل العمل العربي المشترك أثمر في نزع الفتنة وإعادة الهدوء في لبنان من أجل بناء دولته الوطنية وأيضاً تحقيق المصالحة السورية– السعودية بعد جفاء أفاد العدو وأضر بالصديق وطالت مدته، وأيضاً مازال العمل مستمراً من أجل تحقيق المصالحة الفلسطينية وإعادة مصر إلى الحاضنة العربية- بعد أن غردت بعيداً- لتأخذ دورها الحقيقي الذي يتلاءم مع ثقلها كأكبر دولة عربية ومن أهم دول منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وكذلك لا يمكن إغفال الجهد الكبير في إعادة الثقة والتعاون بين سورية وبين دول الاتحاد الأوروبي الذي أثمر الاتفاق على التوقيع القريب لاتفاقية التعاون المشترك بينهما بعد فتور وصل حد القطيعة ساهمت فيه وعززته سياسات واشنطن وحلفائها من أجل عزل سورية وإضعافها.. إن التطور المهم في العلاقات التركية- الإيرانية وخصوصاً بعد إعلان الطرفين عن آفاق كبيرة للتعاون بينهما واتفاقهما على الخطوط العريضة لبناء شرق أوسط جديد بصناعة محلية ورفض سياسات الاملاءات التي تنتقص من قدر هذه الدول توجت جهوداً سورية تركية من أجل إنشاء تكتل سياسي اقتصادي وربما على المدى البعيد عسكري يحفظ أمن المنطقة ويساهم في ازدهارها ويكون مركزه الدول الثلاث (سورية– تركيا– إيران) ويتسع ليشمل باقي دول المنطقة وخصوصاً العراق (الذي يعد المرشح الأول بسبب موقعه وروابطه مع هذه الدول لولا أن الاحتلال جاثم على صدره وسالب لإرادة حكامه ويذكر أن هذه الدول الثلاث هي التي أوقفت فعليا مشروع تقسيم العراق) والسعودية ومصر حتى الباكستان دول بينها روابط مشتركة متينة وتاريخ كبير ليكون شرقاً أوسطياً جديداً وكبيراً مبنياً على أساس مصالح دوله وليس على أساس مصالح المشروع الصهيو- أميركي الذي يريد أن تكون هذه الدول مزارع له ينهبها كيفما يرو ويحرقها متى يشأ.
إن ما أنجز حتى الآن يدعو للتفاؤل خصوصاً بعد التقدم الذي حصل في عدة ملفات ولكن يجب أن نكون حذرين في ذلك لأننا ندرك أن أعداء هذا المشروع كثر وأقوياء سواء كانوا من داخل المنطقة أو من خارجها وأن إسرائيل هي العدو الأول له لأنه يمنعها من تحقيق طموحها الاستعماري ويجعلها حبيسة كيانها المصطنع مهددة بالزوال عبر الزمن إلا إذا أرادت أن تنتهج نهجاً آخر– وهذا بعيد عن سياساتها العدوانية– بحيث تعيد الحقوق لأصحابها حسب القوانين الدولية على أقل تقدير وتلتزم بالسلام ومتطلباته تمهيداً لإمكانية قبولها والتعايش معها بشكل طبيعي.
ونختم بالقول إن لا شيء مستحيلاً إذا ما توافرت الإرادة الحرة الطموحة والعمل الجاد المشترك، وإذا ما نظرنا للتجارب الماثلة أمامنا والتي حدثت بعد متغيرات تاريخية مهمة ومؤثرة ندرك أن الشعوب الحرة والواعية والقادة العظماء هم من يصنعون لأوطانهم أمجاداً وتاريخاً يفتخر بها.
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.