تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أطفال الجولان ضحية ظلم الاحتلال الإسرائيلي

 

إن النمو السليم للطفل جسمياً ونفسياً وفكرياً هو الضمانة الأفضل للأمة، وأي انحراف في هذا النمو سيؤدي إلى اضطرابات وانحرافات مستقبلية يصعب تغييرها والسيطرة عليها. ويتطلب ذلك توفير الرعاية الشاملة للأطفال واحترام حقوقهم وعدم المساس بها. ونرى إن دول العالم المتقدمة تولي أطفالها رعاية خاصة احتراماً منها لطفولتهم وتحضيراً لهم ليكونوا رجال الغد وقادة المستقبل.
ولكن ماذا عن الأطفال الذين يعيشون خارج سلطة دولتهم وتحت ظروف الاحتلال الذي يسعى عن عمد لتشويه وعيهم وقطع صلاتهم بوطنهم الأم؟
ما أعنيه هنا أطفال الجولان العربي السوري الذين يعيشون تحت نير الاحتلال الإسرائيلي الذي هو بحد ذاته الانتهاك الأول لجميع القوانين والأعراف والمواثيق الدولية، ولحقوق جميع المواطنين السوريين في الجولان كباراً وصغاراً. لقد أجبر الاحتلال مئات الآلاف من السوريين على النزوح عن أراضيهم ليتشردوا ويعيشوا في مخيمات في المدن السورية القريبة من إقليمهم المحتل بانتظار عودتهم التي تأخرت كثيراً. لقد انفصلت الأسر وتشتت أفراد العائلة الواحدة وتباعد الجيران وسُلبت الأرض وامتلأت النفوس بالقهر والحزن والأسى. ولعل الأكثر تضرراً من هذه المأساة هم الأطفال الذين يولدون ليجدوا أنه تمت مصادرة أغلب حقوقهم وأنهم يعيشون في سجن الاحتلال الرهيب.
في هذه الأسطر عرض لانتهاكات حقوق الأطفال في الجولان العربي السوري المحتل من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وذلك بالاستناد إلى مواد اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1989:
أولاً: تقوم إسرائيل بفرض الجنسية الإسرائيلية على المواطنين العرب السوريين من أبناء الجولان، بمن فيهم الأطفال بالطبع، وذلك منذ عام 1981 وتحرمهم من جنسيتهم العربية السورية الأصلية، ويمثل هذا خرقاً لقرارات الأمم المتحدة وللمادة الثامنة من اتفاقية حقوق الطفل.
ثانياً: تفرض إسرائيل اللغة العبرية في مدارس الجولان المحتل بدلاً من اللغة العربية، وتحد من تلقي المعلومات والأفكار وتفرض المناهج التعليمية الإسرائيلية التي تركّز على التاريخ العبري وتبرير السياسات الإسرائيلية العدوانية وذلك بعدما ألغت مناهج التعليم العربي السوري. إلى جانب ذلك تفرض إسرائيل الضرائب المرتفعة على ثمن الكتب العربية في حين تعفي الكتب العبرية منها. وتقوم أيضاً بفرض رسوم عالية على التعليم الأساسي الذي يجب ان يكون مجاناً، وكل هذا مخالف للمادتين الثالثة عشرة والسابعة عشرة من اتفاقية حقوق الطفل.
ثالثاً: تحرم إسرائيل أطفال الجولان العرب السوريين من التمتع بثقافتهم العربية السورية الأصلية وتفرض عليهم الثقافة الإسرائيلية محاولة منها لتنشئة أجيال عربية في الجولان لا تربطهم أية روابط فكرية وثقافية بوطنهم الأم. ولتحقيق هذا الغرض تمنع إسرائيل الأطفال السوريين من القيام بالنشاطات الفكرية والفنية. إضافة إلى قيامها بممارسة التضليل الإعلامي المركّز حول نسبة وتاريخ الكثير من المواقع الأثرية وذلك ضمن عملية تغيير جغرافي منظّم للجولان المحتل لطمس معالمه العربية وإلغاء عروبته وتزوير تاريخه، وهذا خرق للمادة ثلاثين من اتفاقية حقوق الطفل.
رابعاً: تنتهك إسرائيل اتفاقية الطفل في المجال الصحي أيضاً. فالطفل يجب ان يتمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه، وله الحق في أن يكون هناك مراكز علاج للأمراض ولإعادة التأهيل الصحي. وفي الجولان المحتل نقص حاد في المراكز الصحية والعيادات الطبية ومراكز الإسعاف الأولية وعدد الأطباء والعيادات الطبية المتخصصة. كما انه لا يوجد أي مستشفى في أراضي الجولان المحتل. ذلك، إضافة إلى الإهمال وغياب المعلومات الأساسية المتعلقة بصحة الطفل. وفي هذا الإطار أيضاً تمنع إسرائيل الأهالي من إنشاء الجمعيات الخيرية أو مؤسسات الضمان الاجتماعي التي تعنى بالأطفال، وتحرم الأهالي من الإعانات التي يحتاجونها وفي هذا خرق للمادتين الرابعة والعشرين والسادسة والعشرين من اتفاقية حقوق الطفل.
خامساً: تحرم إسرائيل مواطني الجولان العرب السوريين وأبنائهم من تحقيق مستوى معيشي ملائم لنمو الطفل البدني والعقلي والروحي والمعنوي والاجتماعي، وذلك بسبب تفشي البطالة بين العمال السوريين في الجولان المحتل، وبسبب التمييز بينهم وبين العمال الإسرائيليين وطردهم التعسفي من العمل وعدم دفع أجورهم بانتظام، مما يجعل معظمهم يعيش تحت خط الفقر. وهذا ما يمنع الأهالي من تأمين نفقة أطفالهم وتأمين متطلبات عيشهم وتنشئتهم بالشكل السليم.
واستمراراً لسياسة الحصار الاقتصادي، تعمد إسرائيل إلى فرض ضرائب مرتفعة على المنتجات الزراعية التي هي المصدر الأول للدخل بالنسبة لأهالي الجولان، في حين تخفض سعر هذه المنتجات (مثل تخفيض سعر موسم التفاح المنتج الرئيسي لأهل الجولان) للسيطرة على الأهالي عبر الخناق الاقتصادي وبالتالي دفع الشباب للهجرة لإفراغ المنطقة من سكانها الأصليين لبناء مستوطنات جديدة واستقدام مستوطنين جدد، وهذا يخالف بالطبع المادة السابعة والعشرين من اتفاقية حقوق الطفل.
سادساً: تقوم إسرائيل بتخريب شخصية ومواهب وقدرات الطفل العربي السوري في الجولان المحتل العقلية والبدنية، وذلك عبر خرق الحريات العامة وانتهاك حقوق الإنسان وتنشئة أجيال تخضع للقهر والكبت وتخاف الاحتلال. وتنتهج إسرائيل في ذلك سياسة قمع السكان وحصارهم واعتقالهم دون محاكمة وتعذيبهم أثناء الاعتقال مما يولد حالة من الخوف والرعب والقلق تنعكس على الجميع، لاسيما الأطفال الذين لا يستطيعون تحمّل ذلك، وهذا يعتبر خرقاً للمادة التاسعة والعشرين من اتفاقية حقوق الطفل.
 ومن الممارسات التي تقوم بها إسرائيل وتنعكس سلباً على الصحة النفسية والجسدية لمواطني الجولان العرب السوريين وأبناءهم، تخريب البيئة وتلويثها وتشويه الطبيعة وذلك عبر اقتلاع الأشجار وافتعال الحرائق أحياناً، أو بسبب تلك التي تنجم عن التدريبات العسكرية أحياناً أخرى، وعبر دفن النفايات الكيميائية الخطرة في أراضي الجولان وتلويث التربة والمياه الجوفية.
وإسرائيل إذ تقوم بكل هذا، تمنع الهيئات الإنسانية والمنظمات الدولية والوكالات التابعة للأمم المتحدة (منذ عام 1967 تمنع إسرائيل دخول لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة إلى الجولان) من دخول الأراضي المحتلة للوقوف على حقيقة الأوضاع هناك والمشاكل والضغوطات التي يتعرض لها المواطنون العرب والظروف القاسية التي يعيشونها في ظل الاحتلال.
وأخيراً، فإسرائيل التي تحتل أكثر من ثلثي أراضي الجولان تنتهك الكرامة "المتأصلة لجميع أعضاء الأسرة البشرية" وحقوقهم غير القابلة للتصرف والتي يعتبر الاعتراف بها "أساس الحرية والعدالة والسلم في العالم" وفقاً لميثاق الأمم المتحدة. كما أنها باستمرار احتلالها الطويل تمنع الجمهورية العربية السورية من تطبيق اتفاقية الطفل على جميع الأراضي السورية، وهذا خرق آخر للاتفاقية نفسها.
ان ديباجة اتفاقية حقوق الطفل تؤكد على ان ينشأ الطفل في بيئة عائلية، وفي جو من السعادة والمحبة والتفاهم كي تترعرع شخصيته ترعرعاً كاملاً ومتناسقاً، وعلى ان الطفل يحتاج إلى إجراءاتِ وقاية ورعاية خاصة لحمايته. كما ان المادة الثانية من الاتفاقية تطلب عدم التمييز بين الأطفال الخاضعين للأطراف الموقعة على الاتفاقية بسبب "أصلهم القومي" أو "لغتهم" أو "رأيهم السياسي". فهل تقوم الأمم المتحدة بتطبيق قراراتها وتضغط على إسرائيل لتطبيق اتفاقية الطفل في الأراضي التي تحتلها في الجولان وفلسطين وجنوب لبنان، وتجبرها على الانسحاب من هذه الأراضي لتزيل الانتهاك الأكبر والأخطر لجميع الحقوق الفردية والدولية وهو الاحتلال، وان تقوم بطردها من الاتفاقية ومن العهد الدولي لحقوق الإنسان ان أصرت على الاحتلال والإساءة لكل القوانين والمعاهدات والأعراف الدولية.
 
                                                                                                                   بديع عفيف

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.