تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

مسلّمات السياسة الاسرائيلية الحالية

 

بقلم: جاك خزمو
رئيس تحرير مجلة البيادر
القدس العربية المحتلة
 
يتحدث قادة اسرائيل المتطرفون والمعتدلون واليساريون عن رغبتهم في تحقيق "سلامٍ" في منطقة الشرق الأوسط، ويُظهرون أنفسهم ويوهمون المجتمع الدولي بأن من يعرقل تحقيق السلام ليس الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية، بل الموقف المتطرف العربي الذي لا يقبل بـ "السلام" الاسرائيلي المعتمد على إملاءات وشروط تعجيزية، وهناك من يصدقهم في هذا المجتمع الدولي القائم على قلب الحقائق ودعم الباطل.
هؤلاء القادة لا يترددون في الإدلاء بتصريحات نارية ضد دول في العالمين العربي والإسلامي بذريعة أن قادة هذه الدول يرفضون السلام، ويدعمون ويساندون المقاومة المشروعة، التي هي في رأيهم إرهاب، مع أن أساتذة الإرهاب في العالم هم نفس القادة الاسرائيليون لأنهم يمارسونه، وبكل حرية، من دون أي مساءلة عالمية بل بتغميض الأعين وقبول الأعذار لمثل هذه الأعمال الإرهابية القمعية الشرسة الممارسة يومياً ضد شعبنا الفلسطيني، وضد كل من يقاوم الاحتلال لأرض وطنه.
من هنا ندرك وبكل سهولة أن هؤلاء القادة لا يريدون السلام، لأنهم يخشون منه، ويخشون من استحقاقاته، وكذلك يحاولون عرقلة أي جهد، ويجهضون كل مبادرة تهدف الى بدء أي مفاوضات لتحقيق السلام الشامل والدائم كما تقره الشرعية الدولية، وليس كما يريدُه الاسرائيليون سلاماً مذلاً يقبل بالأمر الواقع، ويمنح الشرعية للاحتلال الاسرائيلي للأرض العربية، فهم واعون بأن أي مفاوضات جادة، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، ستقود إلى التزامات لن تنفذها اسرائيل لأنها تريد الأرض وتريد السلام وتريد فرض هيمنتها وسيادتها لا على الشعب الفلسطيني وحده فقط بل على الأمة العربية كلها.
ولذلك يطل علينا داني أيالون عضو حزب "اسرائيل بيتنا" ونائب وزير خارجية اسرائيل المتطرف ليدلي بتصريح صريح يعكس هذا المسلّم به في السياسة الاسرائيلية ألا وهو رفض التفاوض خوفاً من استحقاقاته والتزاماته ، فهو يرفض استئناف المفاوضات غير المباشرة على المسار السوري بوساطة تركية، ويعلن الجمود في هذا المسار تلبية لمبادئه ومبادىء أعضاء حكومة اسرائيل الحالية بزعامة بنيامين نتنياهو. وهو يقول بكل صراحة لا استئناف لهذه المفاوضات على المسار السوري، ويلمح أيضاً انه لا استئناف مفاوضات على أي مسار لأن اسرائيل غير مستعدة لتلبية استحقاقات السلام والاستقرار والهدوء في منطقة الشرق الأوسط.
أيالون يعكس صورة صحيحة وحقيقية عن حكام اسرائيل الذين لا يرغبون في السلام وفي الوقت نفسه هم غير قادرين على تنفيذ وتطبيق أي استحقاق لهذا السلام في حالة أن الرغبة توفرت لتحقيقه. وايالون لا يتحدث باسم حزبه، أو باسم منصبه، أو باسم شخصه، بل هو يتحدث باسم جميع قادة اسرائيل الحاليين الذين يتهربون من السلام، ويريدون فرض الأمر الواقع على الشعب الفلسطيني، وفرض إملاءاتهم وشروطهم على جميع الدول العربية، وخاصة دول الطوق وفي مقدمتها سورية ولبنان.
وانطلاقاً من مسلّمات السياسة الاسرائيلية الحالية فإننا لن نتوقع، ويجب ألا نتوقع، أي تقدم أو تحرك نحو السلام الحقيقي في المنطقة، بل يجب علينا أن نتوقع بأن المنطقة ستبقى تعيش حالة الفوضى وعدم الاستقرار لأن ذلك ما يريده القادة الاسرائيليون الذين يبررون تهربهم من أي مبادرة للسلام بعدم توفر الأمن والأمان لدولة اسرائيل، هذا الأمن الاسرائيلي الذي يستخدمونه كشماعة للتهرب من اي استحقاق سلمي، ويعتبرونه ذريعة مهمة ومقياساً من مقاييسهم المختلقة لفرض شروط تعجيزية حتى ولو كانت فوق كل القوانين والقرارات والمواثيق والاتفاقيات التي تنبع من الشرعية الدولية.
قد يكون الوضع اليوم مؤاتياً لاسرائيل في فرض املاءاتها وشروطها على أجزاء من الوطن الكبير، لأنها تلقى دعماً أعمى من أكبر دولة في العالم، ولكن هذا الوضع سيتغير قريباً لأن شعوب العالم بدأت تعرف الحقيقة، وبدأت تتهم اسرائيل- وبكل شجاعة- بأنها تعرقل للسلام وتعرض أمن العالم للخطر، ولأن ظاهرة المقاومة في عالمنا العربي بدأت تتسع دائرتها ولأن ثقافة النضال تنتشر، فإن اسرائيل، حتى ولو وجدت دعماً من كل المجتمع الدولي، ستضطر عاجلاً أم آجلاً إلى دفع استحقاقات السلام، وأن هروبها من أية مفاوضات لن يحميها ولن يوفر لها الأمن، ولذلك على الشعب الاسرائيلي نفسه أن يدرك الخطأ الفاحش الذي يرتكبه قادته في التهرب من السلام، وفي تعريض وجود اسرائيل للخطر، لأنهم قادة لا يريدون السلام وفي الوقت نفسه غير قادرين على تنفيذ استحقاقاته.
وخلاصة القول: أن اسرائيل لا تريد استئناف المفاوضات على المسار السوري إنطلاقاً من هذه المواقف العقيمة لقادتها، هذه المواقف التي كشف أمرها أيضاً الوسيط التركي الذي لا ترغب بوجوده خوفاً من ممارسة ضغوط عليها وتعريتها أمام العالم كله، ويجب بالتالي ألا نتفاءل بأية مفاوضات تجري مستقبلاً سواء أكانت مباشرة أو غير مباشرة لأن اسرائيل إذ أجبرت على التفاوض، فهي ستتفاوض من أجل التفاوض فقط، ومن أجل إضاعة الوقت، والتسويف والمماطلة، ومحاولة فرض شروطها، وفي الوقت نفسه التهرب من أي استحقاقات أو التزامات حتى ولو كانت جزئية وبسيطة. وكذلك يجب أن نعترف بأن هذه السياسة الاسرائيلية لن تتغير إلا إذا واجهت من هو أقوى منها وقادر على تحديها، وفي رأينا أن العالم العربي قد يكون أقوى منها إذا أراد ذلك وصمم على إنهاء الاحتلال لأراضيه وتحقيق السلام الشامل والدائم رغم أنف هذه السياسة وهذه المواقف لقادة اسرائيل الذين لا يحترمون إلا من يحترم نفسه، ولا يخافون إلا من القوي الشجاع الذي يتمسك بمواقفه ويأبى التنازل قيد أنملة عن حقوقه، وسورية جزءٌ من هذا العالم العربي القوي الممانع للمواقف الاسرائيلية والذي يفرض احترامه وهيبته على القادة الاسرائيليين الذين عاجلاً أم آجلاً سيجبرون على تنفيذ وتطبيق استحقاقات السلام الحقيقي الشامل المنشود، لأنهم قد يتهربون من المفاوضات لفترة ولكنهم سيجبرون على الجلوس على طاولتها وبالتالي سيدفعون ثمن هذا السلام سواء بالقناعة أو بغيرها.
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.