تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

سقوط المحاور والجدران

أن ينتظر اللبنانيون والعراقيون والسعوديون والسوريون الزيارة التي سيقوم بها العاهل السعودي الملك عبد اللـه بن عبد العزيز لسورية، فتلك مسألة طبيعية وعادية وتدخل ضمن إطار الاهتمام اليومي مهما كانت التعليقات والتحليلات حولها.

لكن أن ينتظر الغرب والولايات المتحدة بشغف هذه الزيارة، فإن ثمة ما يسترعي الاهتمام حقاً ويستدعي النظر بعمق.
من الطبيعي أن تكون الزيارة محل اهتمام فوق العادة عند أبناء البلاد وخاصة بعد أن تواصلت حملات الإعلام المسعور طوال أعوام، متخيلاً ومتخرصاً حول قطيعة وحروب خفية، مالئاً النفوس بسموم الفرقة وبالأكاذيب والفسق والفجور، متوعدا بعظائم الأمور.
بخيال مريض بالفتنة اخترع، هذا الإعلام، وابتكر وأزبد وعربد، وكأن الأخوة بين دمشق والرياض صارت بخبر كان،
متناسين أن عاصمة الأمويين، عاصمة العروبة والمقاومة، لا تقطع شعرة، وأن خادم الحرمين ليس ممن ينتظر فاسقاً يأتيه بخبر، ولا ممن ينتظر دروساً بالعروبة والأخوة والوفاء، فيقطع مع دمشق.
من الطبيعي أن ينظر الذين جندوا كل قواهم لترسيخ القطيعة، إلى «جهودهم» تنهار رويداً رويداً، وفينيق الأخوة يخرج من تحت الرماد، تارة في الكويت، وطوراً في جدة، وأخيراً في الشام الشريف.
من الطبيعي أن يهلل الذين ساءهم أن يسمعوا عن قطيعة بين دمشق المقاومة والصمود والعروبة وبين الملك عبد اللـه بن عبد العزيز تحديداً، فما تمثله وتجسده الشام ليس إلا قيماً يعتز بها ولا يقاطعها.
الغربيون مهتمون بما يجري، ليس فقط لأنهم ما كانوا ينتظرون حدثاً كهذا بعد كل ما فعلوه، بل أيضاً لأن «واقعيتهم السياسية» ومصالحهم المستقبلية تفرض عليهم التعامل مع هذا الواقع الجديد الذي تفرضه زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى سورية، ما اعتبروه حدثاً، وهو حالة طبيعية.
بالتأكيد لن يكون هناك تطبيع مع عدو مادام غاصباً ومحتلاً، وستبقى العلاقة مع هذا العدو «طبيعية» كما تقضي حال العدو ومقتضيات مقاومة الاحتلال.
وبالتأكيد بالنسبة للغرب، لن يعود ثمة «ملفات خلافية» بين دمشق والرياض، وأن ملعبهم سيقفل حيث ستتحول هذه الملفات إلى قضايا للنقاش بين الإخوة كبر حجمها أم صغر، فلا ملف لبنانياً ولا فلسطينياً ولا عراقياً يستدعي الخلاف، بل هناك ملف واحد تتوافق عليه رؤية الملك عبد اللـه بن عبد العزيز والرئيس بشار الأسد اسمه حماية الهوية وحقوق الشعوب أرضاً وسيادة.
وبالنسبة للغرب أيضاً فخيالهم ببناء محاور عربية وجدران، بات في خبر كان، وعليهم التعامل مع توافق أكبر قوتين عربيتين وأكثرهم تأثيراً استراتيجياً وجيوسياسياً في المنطقة كلها.
وبالنسبة للغرب فإن زيارة الملك عبد اللـه بن عبد العزيز لدمشق يؤكد أن جيوسياسية المنطقة برمتها قد تغيرت فلا نزاع عربي إيراني، ولا عربي تركي كما توقعوا وكما يحلو للبعض أن يتصور، فلا تحل تركيا ولا إيران محل أي دولة عربية في المنطقة، ولا تتنازع فيما بينها ويبقى الصراع الوحيد هو مع الغاصب المحتل دولة الكيان الصهيوني.
هذا الأمر مقلق للغرب بالتأكيد لكونه يضعه أمام الخيار الصعب ربما، لكن لا بد من الاعتراف أن مصالحهم تقتضي التعامل معه بواقعية وبجرأة أكثر تتيح لهم وللمنطقة كلها العيش بسلام وأمن بكل أشكال السلام والأمن.
رغم أن زيارة الملك عبد اللـه بن عبد العزيز مسألة طبيعية جداً وليست محاولة تطبيعية، إلا أن أهميتها هذه المرة تكمن في أنها رسالة واضحة متعددة الاتجاهات وكبيرة النتائج على الغرب والشرق والكل يعرف ذلك وعلينا أن ننتظر الآتي.
 

عيسى الايوبي

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.