تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

دكان حكواتية

 

عندما فشلت الولايات المتحدة في استصدار قرار عن مجلس الأمن يشرعن لها غزو العراق بحجة امتلاكه أسلحة دمار شامل عام 2002، ذهب وزير الدفاع الأميركي في ذلك الوقت دونالد رامسفيلد إلى حد وصف المنظمة الدولية بأنها «دكان حكواتية». على هذا الأساس تجاوزت واشنطن الأمم المتحدة وقامت بغزو العراق واحتلاله. تصريحات رامسفيلد كانت على سوء مقاصدها توصيفاً دقيقاً لوضع المنظمة الدولية التي اندلع منذ نشأتها أكثر من سبعين نزاعاً مسلحاً حول العالم، لم تتمكن من تسوية معظمها، وهو ما أشار إليه الزعيم الليبي معمر القذافي في كلمته أمام الجمعية العامة الأسبوع الماضي.
عندما نشأت الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، حرصت الدول التي شاركت في تأسيسها على تجنب العيوب التي عانت منها عصبة الأمم من قبل، فجرى تزويدها بالوسائل والأدوات اللازمة لضمان الأمن والسلم الدوليين ومنعاً لنشوب نزاعات مسلحة حول العالم، لكن هذه الوسائل جرى حصرها في مجلس الأمن الذي جاءت تركيبته لتعكس بدقة موازين القوى على الساحة الدولية بعد الحرب العالمية الثانية.
لم تكن هذه المشكلة الوحيدة التي عانت منها المنظمة الدولية، إذ لم تكتف الدول الكبرى في تسخير الامتيازات والصلاحيات التي حصلت عليها بموجب العضوية الدائمة في مجلس الأمن، بل راحت تعقد الاتفاقات والصفقات فيما بينها خارج المجلس بما يحقق مصالحها، لتعود بعدها إلى استصدار القرارات بشأنها. هكذا كانت الحال طوال فترة الحرب الباردة، حيث أدى الصراع الأيديولوجي الكبير بين موسكو وواشنطن إلى شل مجلس الأمن ومعه المنظمة الدولية بكاملها.
بعد انتهاء الحرب الباردة، زادت الأمور سوءاً، إذ تحول مجلس الأمن إلى أداة بيد قوة وحيدة تستصدر من خلاله ما تشاء من قرارات تخدم مصالحها. لكن الأمور رجعت سيرتها الأولى بعد العودة القوية لروسيا على الساحة الدولية في السنوات الأخيرة.
قليل جداً من المراقبين اعتبروا الإعلان المفاجئ للرئيس الأميركي باراك أوباما إلغاء الدرع الصاروخية في وسط وشرق أوروبا بادرة حسن نية تجاه روسيا. إذ من غير المعقول بعد كل الضجة والكباش الذي سببته هذه الدرع بين موسكو وواشنطن أن تعلن هذه الأخيرة بكل يسر وبساطة عن إلغاء «إستراتيجية حرب النجوم» التي أحياها الرئيس السابق جورج بوش مطلع عام 2007. وحتى تبدو الأمور طبيعية بالكامل تزامن هذا الإعلان عن تراجع واشنطن عن تقييماتها بشأن قدرات إيران في مجال إنتاج الصواريخ البالستية طويلة المدى. الولايات المتحدة تذرعت خلال العامين الماضيين بأن الغرض من نشر الدرع الصاروخية في جمهوريتي التشيك وبولندا هو درء خطر الصواريخ الإيرانية وإلى حد ما الكورية الشمالية، لكن مع صدور تقارير استخباراتية أميركية بأن إيران لا تزال بعيدة جداً عن إنتاج صواريخ بالستية تصل أوروبا لم يعد هناك من داع للاستمرار في بناء الدرع الصاروخية. هكذا حاول الأميركيون تخريج القصة ووضعها برسم الرأي العام. هذا الكلام لم يقنع أحداً بالطبع، وتأكدت الشكوك حول إمكانية عقد اتفاق روسي أميركي مع بداية التحول الذي بدأ يشهده الموقف الروسي من مسألة فرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي خلال وبعد الجلسة الرئاسية التي عقدها مجلس الأمن الأسبوع الماضي حول الحد من انتشار السلاح النووي. هذا الواقع يؤكد مرة أخرى أن المنظمة الدولية ليست إلا منبراً كلامياً لا يقدم كثيراً أو يؤخر، أما الصفقات والتفاهمات الكبرى فتعقد في مكان آخر، ليس بعيداً ربما عن البناء المهترئ للأمم المتحدة.
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.