تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

المطلوب منّا الآن: إلغاء كل القرارات الدولية المسيئة لإسرائيل

 

                                                                                                                                          نقلا عن مجلة البيادر السياسي المقدسية

 
روبرت بولليترو حمل الفكرة لعمرو موسى قبل 15 عاماً فرفضها…
أما اليوم فتجري الرياح باتجاه تنفيذها إثباتاً لحسن النيّة وعلى القضية السلام!؟

 

 
 
 
 
من لم يسمع جيداً كلمة باراك أوباما التي ألقاها بعد ترشّحه لانتخابات الرئاسة الأميركية أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية – الإسرائيلية (إيباك)، ومن لم يقرأ القرارات "الجذرية والحاسمة" التي اتخذها وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم يوم 24 حزيران الماضي، لن يُصدّق المعلومات الواردة من مركز القرار الأميركي فيما يتعلق بآفاق التسوية التي لم يُفصح الرئيس الاميركي عن أي نقطة عملية جدّية منها حتى الآن، غير ترداد عبارة "إقامة الدولتين"، وهي عبارة ردّدها بوش من قبله، كما يردّدها الآن بيريس ونتانياهو وغيرهما في هذه الأيام، ولم يأتِ بجديد آخر يستحق أن نستبشر منه خيراً، هذا إذا اعتبرنا أن قضية المستوطنات والمطالبة بعدم توسيعها باتت حديث العالم كله، حتى أقرب حلفاء إسرائيل، انطلاقاً من حرصهم على مصلحتها هي بالدرجة الأولى.
ومع أن هذه المعلومات لم تعد سرّاً بالنسبة لأصحاب القرار على الأقل، فإن أحداً لم يكشف النقاب عنها، خصوصاً من الجانب العربي، على الرغم من أن قرارات وزراء الخارجية آنفة الذكر قد جاءت باتجاه التناغم معها، كما سيتّضح لاحقاً.
مصادر فرنسية مطّلعة ومهتمة بشأننا الفلسطيني وقضية الشرق الأوسط تقول إن اوباما، المحامي الديناميكي، المُلم بقرارات وتوجّهات الإدارات التي سبقته، قرّر الوفاء بالوعد الذي قطعه على نفسه أمام "إيباك"، مع مراعاة عدم خدش "مشاعرنا"، وعُقد العزم على أن يسلك "طريق المراحل الصعبة والمنطقية" نحو تحقيق السلام والتطبيع المنتظرين من قبل إدارته، وهو في ذلك لن يخترع جديداً – على حد تعبير المصادر الفرنسية – بل سيعود إلى فتح دفاتر إدارة بيل كلينتون (زوج وزيرة خارجيته) والعمل على إحياء خطّته الخبيثة للحّل التي وُضعت في منتصف تسعينات القرن الماضي وأُبلغت للعرب، لكن الظروف لم تسمح وقتها بالتجاوب معها.
 
اقرؤوا لتتأكدوا...
وحتى لا يستغرب البعض أو يستبعد أن "يبيعنا" أوباما إلى هذا الحدّ، نعود لنقرأ – من قبيل التذكير – أبرز ما قاله أمام اجتماع إيباك في عزّ حملته الانتخابية، وقد رحّب به المجتمعون بوقوفهم جميعاً مراراً عديدة والتصفيق المتواصل له، وكان في مقدمتهم عدد كبير من الوجوه الرسمية في الإدارات السابقة التي احتلت الصفوف الأولى.
قال أوباما بانفعال "إنساني" وهو يمتصّ شفتيه ويجول بعينيه في سقف القاعة: "يجب أن نستمر في حصار حماس حتى تتوقف عن أعمالها الإرهابية وتعترف بحق اسرائيل في الوجود. لا يوجد مكان على طاولة المفاوضات للمنظمات الإرهابية، وهذا سبب رفضي لانتخابات عام 2006 عندما كانت حماس منخرطة في عملية الانتخابات".
وتابع وهو يعود لنفس الحركات مع فرك اليدين انفعالاً: "... لقد قامت كل من السلطات الإسرائيلية والفلسطينية بتحذيرنا في وقتها من مغبّة إجراء هذه الانتخابات، ولكن الإدارة(ويقصد إدارة بوش) مضَت، والنتيجة ها هي غزة تحت حكم حماس وصواريخها تمطر إسرائيل"!؟
وحول موقفه من التسوية قال : "إن أية اتفاقية مع الفلسطينيين يجب أن تحترم هوية اسرائيل كدولة يهودية ذات حدود آمنة، سالمة ومحصنة، أما القدس فستبقى عاصمة اسرائيل ولن تتقسّم، وهؤلاء الذين يهدّدون اسرائيل يهددوننا".
ومع ارتفاع وتيرة التصفيق الحادّ له والوقوف والجلوس بعد كل جملة تعهّدية له، صمت ثواني وتابع بنَفَسٍ أقوى: "إنني كرئيس، سوف أتقدّم إلى البيت الأبيض بالتزام لا يتزعزع تجاه أمن اسرائيل.. وسوف أتقدم بمذكرة تفاهم على تقديم مبلغ 30 بليون دولار في شكل مساعدات لاسرائيل خلال العقد القادم، وهي مساعدات لن يُقدّم مثلها لأي دولة أخرى".
السؤال البديهي هنا : من يقل هذا الكلام ويتعهّد علناً بتنفيذه في حال نجاحه بالانتخابات، كيف يمكن أن يصنع السلام العادل والمنصف؟ وكيف يمكننا استغراب المعلومات الواردة حول خطته الجديدة – القديمة والخبيثة للحل، وهي تقوم على أرضية أن الرسمية العربية قد أقرّت عملياً، ومن خلال مبادرتها الرسمية الجماعية بوجود إسرائيل والتعايش معها، وصولاً إلى آخر مراحل التطبيع المطلوب. ولكن هذه النتيجة – في نظر العرب – تستدعي أن توافق اسرائيل على ما يترتب عليها في المقابل. أي باختصار إن أساس صرح التسوية قد تمّ وضعه ويبقى إعلاء البناء وعملية "التشطيب".
وما دام الأمر كذلك، فما هو السبيل لتنفيذ هذه الخطّة، آخذين بعين الاعتبار تعثرتنفيذ مطلب الاعتراف العلني المسبق بيهودية اسرائيل قبل إنجاز الحل، أو ضمان "حسن نيّة" إنجازه على أقل تقدير، مع الأخذ بعين الاعتبار أيضاً تعهّد بوش لإيباك، وحرصه في المقابل ولو شكلاً على "مشاعر" العرب، بعد أن انحنى احتراماً لملك نفطهم؟
 
مبادرات الحكام بدل القرارات الدولية
 
 
هنا أعاد الرئيس الأميركي الجديد فتح دفاتر من سبقوه، ووجد الحل الذي سبق لإدارة كلينتون أن قدَّمته للرسمية العربية استناداً للأرضية التي ينطلق منها هو، وفي ظرف سياسي مشابه، ويتلخص بالأفكار التي حملها وزير الخارجية روبرت بولليترو مكلّفاً من كلينتون في زيارته للقاهرة (حزيران 1995) وطرحها على وزير الخارجية المصري – يومها – عمرو موسى، لجسّ نبض الدولة العربية الأكبر التي تقيم علاقات مع اسرائيل، وهي تتلخص بالقول أنه ما دامت عملية السلام تسير قُدماً – بعد مؤتمر مدريد وما تلاه من اجتماعات ومفاوضات، وما دام العرب في السياق نفسه، فمن الطبيعي أن تنسجم مواقفهم السلميّة مع ما عليهم تقديمه عملياً للطرف الآخر كي "يطمئن" نفسياً، تمهيداً لتهيئة أجواء التسوية المطلوبة.
ولما كان التحرّك السلمي العربي الملازم للتحرك الفلسطيني وقتها، قد تجاوز الكثير من عقد الماضي، ثم وضع القرارات الدولية المعادية لإسرائيل على رفّ النسيان أملاً بمستقبل واعد، فإن الخطوة المطلوبة من العرب كي نبني عليها هذا المستقبل تتمثل بضرورة بناء معادلة رسمية جديدة، تُصلح تناقض الماضي مع الحاضر. ويتمّ ذلك – والكلام لبولليترو – عن طريق جعل القرارات الدولية والمواقف العربية العدائية القديمة تنسجم مع التوجهات الجديدة، طالما أن هذه الأخيرة قد نسختها وألغتها بشكل عملي.
عمرو موسى الذي كان يومها أكثر حماساً وأقل مطواعية من هذه الأيام، سمع كلام بولليترو باهتمام واستغراب ثم سأله أي قرارات يرى ضرورة إلغائها أو تعديلها، فجاءه الجواب سريعاً:
-         كل القرارات التي تحمل نَفَساً عدائياً لإسرائيل، على اعتبار أن هذه الأخيرة لم تعد عدوّة بل شريكاً في عملية السلام، مثال ذلك: قرارات الإدانة الدولية لعمليات عسكرية أو قرارات عدائية أخرى.
-         كل القرارات التي تتناقض جذرياً مع التوجه السلمي الجديد الذي تُعبّر عنه قرارات مؤتمر مدريد التي جاءت حصيلة اقتناع الطرفين، وما دامت كذلك فهي عملياً قد حلّت محل ما سبقها فيما يتعلق بالنظر لقضية النزاع الفلسطيني – الاسرائيلي!
أجاب عمرو موسى متسائلاً: .. وماذا عن القضايا الأخرى كالجولان والأراضي العربية المحتلة التي تضّمنها القرار الأممي 242، وكذلك القرار 425 المتعلق بالانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان؟ كيف تريدون الغاء هذين القرارين أيضاً؟
تهرب بولليترو من الإجابة المباشرة على ذلك، وعاد إلى الحديث عن أهمّية الآثار النفسية الإيجابية التي سيتركها إلغاء "القرارات العدائية" في نفس الإنسان الإسرائيلي، وهو المهم – كما قال – حتى تنسجم مسيرة التسوية مع القرارات المعدّلة أو الملغاة.
 
ما رُفض بالأمس ووفق عليه اليوم!
وقتها، كانت مواقف عمرو موسى أفضل من اليوم، مع أنه كان وزير خارجية الدولة التي اعترفت باسرائيل وتقيم علاقات دبلوماسية معها، فاعترض على هذا الطرح ورفضه جملة وتفصيلا. أما اليوم فقد جاءت قرارات وزراء الخارجية العرب برئاسة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى نفسه، تصبُّ بطريقة أو أخرى في قناة ما طلبته إدارة كلينتون قبل 15 عاماً!
والأغرب من ذلك، وتدليلاً على خطورة هذه القرارات، أن اجتماع وزراء الخارجية الذي اتخذ هذه القرارات قد تأجّل عقده على غير العادة مرتّين، وكانت المفاجأة الأخرى في تغيّب 12 وزيراً من أصل 22، وهي حالة نادرة عكست هشاشة التوافق العلني على موقف متفق عليه بين معظم رموز الرسمية العربية، كما عكست اختلاف أبناء المعسكر الواحد على طريقة الإخراج.
فإذا فهمنا سبب تغيّب وزير الخارجية السوري وليد المعلم، انطلاقاً من رفض سورية لروح القرارات ومنطق التفريط المجّاني. وإذا اعتبرنا أن غياب الوزير الليبي موسى كوسا يعود لنفس السبب، فإن غياب وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، وغيره من المدمنين على مواصلة المساعي السلمية والمبادرات التسووية، يعكس مدى خطورة ما اتُّخذ من قرارات عبّر عنها عمرو موسى بإعلانه أنه "بالإمكان تعديل حدود عام 1967 بشرط أن تكون متوازنة"، كما عبّر عنها الوزراء في بيانهم الختامي بإعلانهم "التعامل الإيجابي مع طرح أوباما لتسوية نزاع الشرق الأوسط، واتخاذ ما يلزم من خطوات لدعم توجهه السلمي".
وإذا كان هذا الكلام مبهماً بالنسبة للبعض، فإنه ليس كذلك بالنسبة للفرنسيين المطّلعين على الخفايا والأسرار، فقد ارتأت وكالة الأنباء الفرنسية في تحليل لها أن الخطوات التي تعهّد بها وزراء الخارجية العرب تتضمن القبول ببدء التطبيع التدريجي للعلاقات مع اسرائيل. أي على مراحل متعاقبة، وهو الموقف نفسه الذي أعلنه شمعون بيريس بعد شهرين بالتمام والكمال، حين صرّح في 30 آب الماضي بعد لقائه بمفوض السياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي خافيير سولانا بالقول: "هناك أهمية لإجراء العملية السلمية على مراحل".
هذه المراحل – الكلمة الملغومة – ماذا تتضّمن وكيف ستُنفُّذ؟
الوكالة الفرنسية عادت وتبرّعت بتذكيرنا أن الموفد الأميركي جورج ميتشيل قد دعا الدول العربية أثناء زيارته للقاهرة منتصف حزيران الماضي، إلى "اتخاذ خطوات ذات مغزى وأفعال مهمّة تساعدنا على التحرك في طريق الحل". وأشارت الوكالة الى مسارعة وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط إلى توضيح دعوة ميتشيل بالقول: "أنه يقصد من ذلك البدء بخطوات التطبيع مع اسرائيل".
 
الجديد المنتظر.. آتٍ على الطريق!
ملخص القول أن خطّة كلينتون التصفوية التي لم يُكتب لها النجاح، قام أوباما بإخراجها من الأدراج، ويستعّد الآن لفرضها علينا تحت لافتة المراحل ومراعاة الحالة النفسية للإسرائيليين، وهي تستهدف بداية جعل القرارات الدولية المتعلقة بقضية الصراع العربي – الإسرائيلي، والتي لا يجوز تحت أي عذر نسفها وتجاوزها، صفحة من الماضي!
وتأكيداً على هذا الكلام جاء تعليق أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى على استغراب البعض من القرارات الغامضة لوزراء الخارجية بقوله: "إننا نمّر الآن بمرحلة حساسة، إذ أن هناك إدارة أميركية عبّرت عن جدّية في التحرك لإنهاء الصراع، وهو ما يتطلب منّا أن نتحرّك بجدّية أيضاً"!!
الجديد المنتظر في ضوء ما تقدّم وما تشير إليه معلومات العارفين ببواطن الأمور وإن سكتوا عنه، يمكن تلخيصه بالتالي:
·        البدء بالتطبيع العملي دون الإعلان الرسمي عن التطبيع.
·        الإلغاء العملي لعدد كبير من القرارات الدولية الهامة، دون الإعلان الرسمي عن الإلغاء، مقابل الاعتماد الرسمي على "مبادئ" مؤتمرات مدريد وأوسلو وشرم الشيخ وباقي مسلسل التنازلات الذي سيوصلنا قريباً إلى الإقرار بأن القرار الأممي المتعلق بتقسيم فلسطين قد أصبح من الماضي، بعد أن تجاوزته المستجدات، وأن البديل "المنطقي" له إيجاد صيغة أخرى أكثر تلاؤماً مع الواقع"!" صيغة لا تفرض الالتزام بتقسيم فلسطين التاريخية بين اليهود والعرب الفلسطينيين بنسبة 50 بالمئة، بل تقرّ بالوضع القائم وبما يستتبعه من أطماع وتوسعات واستيطانات.
هذا ما يلوح بالأفق الآن على أيدي "صديقنا أوباما"، وهو ترجمة عملية لما طلبه بولليترو قبل عقد ونصف من الزمان ورفضناه. أما الغد فالله وحده أعلم به... وحكّامنا أيضاً!؟

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.