تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

استمرار الخلاف الفلسطيني الداخلي يخدم مخطط الشرق الأوسط الجديد

 

إضافة تعليق طباعة المقال أرسل الى صديق
 
 
 

 

 
رئيس تحرير مجلة البيادر المقدسية: جاك خزمو
 
 
منذ قرون يطمح ويسعى الراغبون والطامعون في السيطرة على منطقة الشرق الأوسط إلى تمزيقها إلى دول أو دويلات صغيرة يسهل عليهم السيطرة عليها من خلال جعل مهمة تحقيق الوحدة بين هذه الدويلات أمراً شبه مستحيل.
وهذا الطموح أو الطمع لم يتوقف عند اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، بل ما زال مستمراً حتى يومنا هذا، وخير دليل على ذلك سعي الادارة الاميركية السابقة بقيادة جورج بوش الابن إلى بناء شرق أوسط جديد، إلى شرق أوسط يضم المزيد من الدول بعد تقسيم العراق أولاً الى دويلات ومن ثم الانتقال الى الدول الأخرى، ومنها سورية والسعودية والسودان، لتقسيمها الى دويلات عدة حتى تضعف هذه الدول، وتنهمك في الخلافات الداخلية فيما بينها.
 وها هو السودان العربي على طريق التقسيم، وهناك كثيرون داخل عالمنا العربي يؤيدون ذلك ويدعمون مثل هذا التقسيم للسودان، أو هذه السياسة الأميركية التي كُسرت يدها عندما حاولت التطاول على الصخرة السورية، وبالتالي منيت بفشل ذريع، ولكن هذا لا يعني أن الطموح الأميركي قد توقف، ولا يعني أيضاً أن اميركا والعديد من الدول المتحالفة معها قد تخلت عن هذه السياسة، سياسة تمزيق وتقسيم أقطارنا العربية حتى تزداد ضعفاً وعجزاً، وتبقى بحاجة إلى مساندة اميركا وحلفائها.
ويجب ألا ننسى أن من أهم أهداف اسرائيل، وهي حليفة الطامعين بهذه المنطقة، هو إضعاف العالم العربي بشتى الطرق، وإدخاله في متاهات الخلافات والنزاعات الداخلية حتى يبقى ضعيفاً، ولا يفكر بأية خطة موحدة لمواجهتها أو التعامل مع سياستها وإجراءاتها وتصرفاتها ضد الدول المجاورة لها، أو ضد شعبنا الفلسطيني.
وفي عام 1967 شنت اسرائيل حرباً استطاعت في ستة أيام احتلال اراضٍ عربية شاسعة، ونشوة النصر وضعت غشاوة كبيرة على "عينها" الاستراتيجية، وبالتالي لم تقرأ المستقبل بصورة جيدة إلا بعد مرور عشرات السنين، وأصبحت تشعر بالخطر الاستراتيجي الجديد الداخلي المحدق بها النابع من مشكلة صعبة، وهي المشكلة الديمغرافية، إذ إن عدد العرب تحت سيطرتها واحتلالها يساوي عدد اليهود في دولة اسرائيل، ولهذا سارع رئيس وزراء اسرائيل في اوائل التسعينات، إسحاق شامير، إلى نقل مئات الآلاف من يهود الاتحاد السوفياتي الذي بدأ ينهار حينها إلى اسرائيل، وخلال أشهر وصل إلى اسرائيل أكثر من نصف مليون لاجئ.. وبدأت اسرائيل تبحث عن حلول للمشكلة الديمغرافية، فهي باحتلالها للأراضي العربية، وخاصة كامل الأراضي الفلسطينية، وحدّت الفلسطينيين في داخل الخط الأخضر مع الضفة ومع القطاع، وهذه الوحدة المتمثلة بالسماح بالتواصل بين أبناء هذا الشعب بعد أن كان يعيش في ثلاث دول ومقسماً، تحول إلى كتلة واحدة.
ومن هنا بدأت اسرائيل تفكر مجدداً في التخلص من العرب تحت حجة أنها غير ساعية أو راغبة في إبقاء شعب وإلى الأبد تحت سيادتها، وقبلت بإقامة كيان ذاتي فلسطيني يكون تحت هيمنتها الأمنية، ولكنه يُدير نفسه بنفسه.. وتم التوصل إلى اتفاق مبادئ اوسلو، وجاءت السلطة الوطنية في تموز 1994، وبدأت اسرائيل تتراجع عن استحقاقات اتفاقية اوسلو بشتى الأعذار والأسباب لتوقع بين أبناء الشعب الواحد حول نهجين: نهج التفاوض ونهج المقاومة المشروعة، وبالتالي استطاعت تحقيق ذلك من خلال استثمار واستغلال نتائج انتخابات المجلس التشريعي في أوائل عام 2006 لتعلن حصارها على الفائز ديمقراطياً في هذه الانتخابات وهي حركة حماس، واشتد الخلاف الفلسطيني الداخلي الى حد أن أصبحت مناطق السلطة الفلسطينية حسب اتفاقية اوسلو كيانين منفصلين: الضفة لوحدها، وغزة لوحدها... ولكل كيان حكومته وسلطته... وهذا ما يثلج صدر السياسة الاسرائيلية التي كانت قبل هذا الخلاف تعرقل إقامة ممر آمن يربط الضفة بالقطاع، لأنها أرادت أن تقطع التواصل بين الضفة والقطاع، وكذلك قطعت التواصل بين أبناء فلسطين عام 1948 الذين يعيشون داخل اسرائيل مع أبناء الضفة الغربية، وأي مواطن من الجليل أو المثلث أو النقب يريد زيارة الضفة أو القطاع عليه الحصول على إذن أو تصريح من السلطات المعنية... أي أن اسرائيل شعرت وأدركت الخطأ الكبير الذي ارتكبته في حزيران 1967 وما بعد ذلك برفضها اقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفي التخلص من حكم شعب آخر، وها هو الخطر يعصف بها من الداخل، ولذلك فهي تريد إقامة "دولة" ضمن مقاييسها، لا بل ترغب في أن تكون هناك دولتان أو دويلتان إحداهما في القطاع والثانية في الضفة، وكل أمنياتها ودعواتها ورغباتها في أن تفشل كل مساعي الحوار لتوحيد الصف الفلسطيني حتى يبقى الفلسطينيون منقسمين على أنفسهم، وتبقى المشكلة الديمغرافية تحت السيطرة الأمنية إذ إن مواجهة كل كيان على انفراد أسهل بكثير من مواجهة أبناء فلسطين موحدين في كيان واحد.
ولذلك ستعمل اسرائيل على إبقاء هذا الوضع الفلسطيني قائماً بشتى الطرق والوسائل، مدعومة من الإدارة الاميركية المسرورة به جداً، لأن تقسيم السلطة الفلسطينية الى سلطتين جاء ملبياً لرغباتها وطموحاتها السابقة والحالية والمستقبلية..
من هنا، نوجه النداء إلى قادة حركتي "حماس" و"فتح" وعلى حد سواء، بالعمل على إفشال المخططات المعادية من خلال تحقيق مصالحة وطنية، لأن الوطن أغلى شيء، ومصالحه يجب أن تكون فوق المصالح الخاصة.
إن استمرار الخلاف يخدم بصورة غير مباشرة – ولربما مباشرة أيضاً – مخططات أعدائنا في تمزيقنا وتقسيمنا وإدخالنا في متاهات النزاعات والخلافات والمواجهات الخطيرة.
فهل يرتفع الجميع الى مستوى المسؤولية وبالتالي يحققون المصالحة ويعيدون اللحمة للجسد الفلسطيني.
إننا ندعو إلى ذلك... وإذا لم يصغوا إلى رغبات الشعب فإن مسؤولياتهم أمام التاريخ ستكون كبيرة وعظيمة جداً جداً، وعواقب تقاعسهم ستكون خطيرة أيضاً.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.