تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

ماذا يبقى.. عنـدما تعرف الأم متى يموت طفلهـا؟!

مصدر الصورة
البعث

محطة اخبار سورية

الصحة والتعليم العالي: متى يتوحّد الإشراف؟!

في العامة لا يوجد شاغر،وفي الخاصةجرح آخرو المنفسة اليدوية بديل..و56٪ منهم يفارقون الحياة

كم يموت بسبب النقص خارج التغطية الرقمية؟!

 

إلى تلك السيدة التي أدين لها باعتذار، حيث خرجت عن الهدوء المهني للحظة، وأتيتها سائلاً بعدما شاهدتها وهي تضع يدها على جبينها، وتمسك بالأخرى ضاغطة جهازاً يسمى الأنبوبة «المنفسة اليدوية».

خرجت من ذلك المكان تاركة مهمة الضغط لزوجها وهي تجهش بالبكاء.. لاشيء يبررلي أن أسأل.

ومن هذه السطور الصمّاء، أقدم لك التعازي برحيل ابنك، وأما بعد...

 

 

ليست دراما

كلمات شقيقها دفعتني.. «بعد نصف ساعة سيموت هذا الطفل الوليد»، لا أريد أن أعطي الموضوع بعداً درامياً، ولكن هي الواقعة كما بدت.. غرفة كبيرة في قسم الإسعاف في مشفى الأطفال، فيها عدد من الأسرّة، وعلى كل سرير طفل أو طفلان أو ثلاثة، ومن حولهم الآباء والأمهات، وهم يمسكون بالأنبوبة في حركة ضغط مستمرة لإيصال الأوكسجين لهم.

طبيبة تتنقل بين الأسرّة، محاولة تقديم ما أمكنها.. طفل تلك السيدة كان بحاجة إلى حاضنة مع منفسة آلية، ولكن لا يوجد له مكان شاغر بين حواضن ومنافس المشفى لأنها مليئة، والبديل وضعه على المنفسة اليدوية.

الطبيبة تخبر الأب والأم: الطفل سيموت بين لحظة وأخرى، حاله كحال الأطفال الآخرين الموجودين في تلك الغرفة.. حاولت أن أعتذر لها في حينه، لكن وضعها لم يسمح لي بأن أتفوه ولو بكلمة واحدة، فالتزمت الصمت.

 لثوانٍ تدخلت مشاعر ذاتية، تلامس فيك شعور الأبوّة، لتشكر الله أن أولادك قد قدموا بخير إلى هذه الدنيا، ثم تقرر أن تمضي، ولا شيء سوى الواجب المهني.

تقول إحدى قريبات طفل آخر: أخبرونا أنه لا توجد حاضنة مع منفسة شاغرة، وعلينا أن نجد ذلك في مشفى خاص، وعندما ذهب ابني وسأل، وجد أن سعر الليلة الواحدة بحدود /15/ ألف ليرة سورية، وهذا فوق طاقة ذلك الأب «المعتّر»، وظلوا هنا في انتظار ساعة الرحمة.

ساعات مضت ولم تأتِ تلك الساعة، صعدتُ إلى القسم الذي يضمّ الحواضن مع المنافس، حيث يتم وضع الأطفال الخدّج والوليد بهم.. عددناها فكانت 12 حاضنة مع أربع منافس، وكانت ملأى بالأطفال.

ممرضة كانت تتنقل بينها وأجابتني: بأنه لا يوجد شاغر، وهي أصعب مشكلة تواجه الآباء والأمهات الذين يأتون إلى المشفى لوضع ابنهم في واحدة من هذه الموجودة أمامك.

عدت إلى تلك الغرفة، ونظرت إلى غالبية الموجودين، لتظهر سيدة أخرى وقد بدت متعبة ومجهدة للغاية، فتروي لي أمها أنها لليوم التالي وهي على حالة الضغط هذه، وترفض أن يريحها أحد، وإن حلّ أحد محلها، فسرعان ما تعود لتتولى عليه الضغط بنفسها.

وتتابع أمها الحديث: «الله يريحنا من ها التعب ويريح ابنها»، هناك لا مجال للتوقف، لأن عدم وصول الأوكسجين إلى الطفل، يعني تعرضه لأذية دماغية فيما لو عاش.

تحدثني الجدة عن فترة حمل ابنتها، وماذا فعلت، وكيف تحمّلت العذاب وهي تحلم بقدوم ابنها؟!.. وفي النهاية.. هذه هي النهاية.

 

ليس بالإمكان

هي كلمات لا تُعرض هنا للاستهلاك الكتابي، أو لإثارة العاطفة أوللتضخيم، وإنما هي تعكس مشاعر لا تنفع معها تبريرات الأرقام، وكان لا بدّ من وضعها في سياقها كما وردت.

تلك التبريرات التي تقدمها طبيبة الأطفال في تلك الغرفة، وقد بدت هي الأخرى مجهدة ومتعبة، فهي أقرّت بداية بمأساة الواقع، وبعجز الكادر الطبي المتوفر بعدده وعدته عن تقديم أي شيء لإنقاذ حياة أولئك الأطفال سوى ما كان بحكم المتابعة، لأنهم بحاجة ماسة لحاضنات ومنافس، ولكن لا يوجد متسع في المشفى، ولا يمكن بأي حال إبعاد طفل موجود فيها ليحلّ محلّ طفل آخر، ولم تخفِ حقيقة أن العديد من الوِلْدان يموتون بسبب عدم وجود حاضنة مع منفسة.

صمتت قليلاً، ثم أجابت عن السؤال: هناك أطفال يموتون لعدم حصولهم على فرصة وضعهم في حاضنة مع منفسة، ولم تعترض إن كان عدد المتوفين منهم يصل من 2-5 أطفال يومياً دون أن تحدد رقماً بعينه.

 

في رحلة البحث

وحتى لا يختلط الأمر على القارىء، فإنه ووفق رأي الدكتورة سندس خضر، أخصائية أطفال، ورئيسة شعبة الأطفال في مشفى الزهراوي بدمشق، فإن الحاضنة هي جهاز يؤمن الحرارة والرطوبة للولدان وللمولودين قبل الأوان، أما المنفسة فهو جهاز يقدم الدعم التنفسي للولدان الذين يعانون من قصور تنفسي، حيث يتم وصله بالحاضنة، ولذلك فالحاضنة هي جهاز مستقل عن المنفسة، وعندما نوردهما معاً في السياق ذاته، فهذا للدلالة على النقص الحاصل قياساً على ما هو مطلوب في الاثنين معاً، كما سيأتي لاحقاً.

ووفق الدكتورة خضر، فإن الحاجة أكبر لتوفر العدد الأكبر من الحواضن، والذي يحدث أنه قد يحتاج الوليد إلى وجود منفسة، وبالتالي فإنه لا تنفع الحاضنة لوحدها بالشكل الأمثل، وترى خضر أنه لا بد أن تتوفر خمسة بالمئة منافس من عدد الحواضن.

إذاً، هي جملة من الأسئلة بدت تتولد، وكان لا بد من رحلة بحث للإجابة عنها.. ماذا لدينا من حواضن ومنافس؟!.

وإذا كان العدد الموجود لا يكفي، ما مصير  الأطفال وخاصة الولدان، الذين يأتون إلى هذه الدنيا وهم بحاجة إليها؟!.

هل هناك أعداد  كبيرة منهم يموتون بصمت لهذا السبب؟!.

وما هو متوافر، هل راعى مسألة التوزع قياساً على عدد أسرّة المشافي، أم قياساً على عدد الولادات الحديثة في كل عام؟!.

ثم هل من إدارة لتوزيع ما هو ممكن بالشكل الأمثل ولو في حدّه الأدنى مع توفر إدارة جيدة لتفعيل ذلك العدد؟!.

في التحقيقات الصحفية المتعلقة بأحد الجوانب الصحية في بلدنا، دائماً نصطدم بإشكالية وجود أكثر من جهة تتولى رعاية هذا الجانب وإدارته في ظلّ غياب لتقاطعات وحدّة الرؤية والتنسيق.

ففي موضوعنا هذا، كان الشيء ذاته، فالموضوع متعلق في شقّ منه بوزارة الصحة، والشقّ الآخر متعلق بوزارة التعليم العالي، فكلا الجهتين تتوليان إدارة غالبية المشافي العامة، فيما لو نحينا جانباً جهات أخرى مثل الدفاع والداخلية التي تتولى أيضاً إدارة مشافٍ عامة تابعة لها.

ولذلك مسألة تتبّع خيط أو خيوط التحقيق، تبدو مضنية بالنسبة للموضوعات الصحية، ومع ذلك حاولنا ما أمكن.

لا تشفي جرحاً

هذه المحاولة التي بدأت في مشفى الأطفال بدمشق، والتابع لوزارة التعليم العالي الذي يشير مديره صراحة الدكتور مطيع كرم إلى أن عدم وجود شواغر في الحواضن والمنافس لا يقتصر على مشفاه، بل يمتد ليشمل المشافي العامة كافة التي تحتوي شعباً أو أقساماً تُعنى بالأطفال.

ويرفض أن يكون مشفاه موضع اتهام، فألقى باللائمة على المشافي العامة قاطبة، لعدم قدرتها على إيلاء هذه المسألة الاهتمام المطلوب، وخاصة بالنسبة لمشافي المحافظات، ودلل على ذلك بالكم الكبير الذي يراجع المشفى لأسباب مرضية وصحية عدة وبشكل يومي يصل إلى نحو


1000 طفل، ومن ضمنهم الولدان الذين يحتاجون للحواضن والمنافس، ومنهم من يأتي من مناطق بعيدة.

 

كلام الرجل، هناك ما يلامسه في مشفى يتبع لوزارة التعليم العالي، ألا وهو مشفى التوليد الجامعي، فعلى الرغم أنه من المشافي القديمة، إلا أنه وحتى هذه اللحظة لا يوجد فيه سوى ثماني حواضن مع منفسة واحدة.

المصدر الذي تحدثنا إليه، طلبنا من خلاله الحديث إلى مدير المشفى ليبدي تعليقاً على موضوع الحواضن والمنافس وتوافرها، ولكن لم يأتنا الردّ.

وهنا نسأل: لماذا لا يوجد سوى ثماني حواضن، ولماذا لم تتم زيادة العدد من المقبول على المشفى أو الوزارة؟!.

لا أرمي من خلال كلامي إلى اتهام أو تقصير، ولكنه  تساؤل جوابه ً في مشفى الأطفال بدمشق، إذ أُبرم عقد جديد في هذه الفترة لتوريد 8 حاضنات مع منافس، حيث إن سعر الخاضنة مع المنفسة بحدود 2 مليون ليرة سورية، وقد برزت لدى المشفى مشكلة توفر المكان المناسب لوضعهم فيه.. وعلى ما يبدو فإن ثقل وزارة التعليم العالي فيما يخص تأمين الحواضن والمنافس  للأطفال منصبّ على مشفى الأطفال، وأغلب مشافيها الأخرى فيها  من 4-8 حواضن، والمنافس من 1-3 منافس في الشعب والأقسام التي تُعنى بالأطفال، وقد لا تتوافر، وقد وصل عدد الحواضن في مشفى الأطفال إلى 76 حاضنة، والمنافس إلى 38 منفسة.

وبحسب كرم فإن نسبة المنافس تجاوزت النسبة العالمية، وهي 15٪ من عدد الحواضن.

بطبيعة الحال، تلك الأرقام وعلى أهميتها، فإنها لا تشفي جرح أم مكلومة برحيل ابنها أويقلل من حزن أم تنتظر رحيل ابنها أمام عينها،  وهي لا تملك مالاً لإنقاذه فيما لو وجدت مكاناً شاغراً في حاضنة خاصة.

 

تلافيف الأرقام

هناك سؤال ثقيل يطرح نفسه: هل بالإمكان إنقاذ ما يمكن؟!.

«ع، ص» أربعة عشر عاماً، ومعه عاد الزمان بي على قدر سني عمره، عندما ولد مبكراً حتى أقل من 7 أشهر، وكان كل منا حين ينظر إليه في حينه،  يقول: هل هذا سيعيش؟!.

تمت ولادته في مشفى الزهراوي بدمشق في حينه، ووضع في حاضنة لفترة ليست بالقصيرة، وما هو الآن يعيش بين أقرانه يافعاً معافى.

20٪ يولدون وفق حالة «ع، ص»، إذ وبموجب داسة لدى رابطة أطباء الأطفال، فإن 20 بالمئة من الولادات تكون من فئة الولادات عالية الخطورة، ومن ضمنها طبعاً الخدّج، الذين يكون حملهم 37 أسبوعاً.

ووفق تلك النسبة، تقول خضر بأنه إذا كان لدينا 1000 ولادة، فإن من ضمنها 200 ولادة عالية الخطورة، وتحتاج إلى حواضن، وهذا يتطلب توفر أعداد من الحواضن تتوافق وهذه النسبة.

وبالمقابل فإنه ومنذ عام 2004، ترى أن تطوراً ملحوظاً قد بدا في أعداد هذه الحواضن، وتوفر ما هو مطلوب يقتضي تعاوناً وتنسيقاً مع كافة الجهات التي تُعنى بالصحة.

ومن هذا الجانب، فقد أعلنت وزارة الصحة أنه وفي إطار الخطة الخمسية العاشرة، قد أبرمت عقداً لتوريد نحو 256 حاضنة أطفال سيتم توزيعها على جميع المشافي التابعة لها وفق تخصص المشفى والشعب والأقسام الموجودة فيه والتي تُعنى بالأطفال.

في لحظة بدا هاجس الأرقام يزداد إلحاحاً، وكان لا بد من التقصي أكثر للحصول عليها، فهل ما هو مطلوب توافره، هو يقاس على عدد الأسرّة أم على عدد الولادات، ثم كم نخسر من أطفال جراء عدم توافر ما هو مطلوب؟!.

لا أحد يمتلك الرقم، لتبدو عملية البحث عن الأرقام أكثر صعوبة، ففي دراسة أُجريت في قسم الحواضن، وهو وحدة العناية المشددة للولدان «Nicu» في مشفى تشرين  لمدة عام كامل بين عامي 2006 و2007،وبطريقة الدراسة الراجعة، من خلال 546 إضبارة، فقد تبيّن أن القبولات توزعت بين 60٪ يرقان، و52٪ انتان، و19٪ خدّج، و6٪ قلبية، و4٪ تشوهات...الخ.

وتمت مقارنة هذه النتائج مع دراسة سابقة أُجريت في مشفى الأطفال بدمشق عام 2005، وكانت الإنتانات فيها 56٪، والتشوهات 23٪، والقلبية 20٪، والعصبية 16٪، لكن نسب الوفيات كانت ملفتة للانتباه، حيث إن 56٪ من الأطفال الموضوعين على التهوية الآلية قد ماتوا في عام واحد، و18٪ من المحتاجين للأوكسجين قد فارقوا الحياة.

إذاً في المقابل، فإن هناك أطفالاً يموتون، ولو وضعوا في الحواضن وعلى المنافس، إذ ووفق دراسة أُجريت في مشفى الأطفال بين عامي 2008 و2009، وأُشير لها في مؤتمر مشفى الأطفال الأخير، حيث دخل بياناتها نحو 1365 مولوداً في قسم الخديج والوليد، وكان منها 761 حالة انتانية، وكان إجمالي عدد المتوفين 560 وليداً أي بنسبة 41٪ تقريباً، ومع ذلك فإن وجود الحواضن والمنافس يمنح فرصة أكبر للحياة، وفي حال حُرم منها وليد لسبب أو لآخر، فإن فرصته ستكون أقل بكثير من فرصة وليد آخر وضع في حاضنة أو منفسة.. حيث إنه في عام 2007 وصل عدد وفيات الحواضن في مشفى التوليد الجامعي في حلب إلى 102 وفاة من أصل 519 طفلاً أي بنسبة 19٪، وفي المقابل فإنه نتيجة لرفد مشفى المجتهد بدمشق بعشر حواضن جديدة عام 2005 لشعبة الأطفال، فقد انخفضت نسبة الوفيات إلى 40٪،  لكن وفق أرقام وزارة الصحة التي أطلقت قبل عام بموجب دراسة مع اليونيسيف حول أسباب وفيات الأطفال دون سن خمس سنوات، فإن معدل الوفيات لكل ألف ولادة حية هو  8.87 بالنسبة لأطفال دون 28 يوماً، وبلغ عدد وفيات الرضع 15.5 لكل ألف ولادة، وأن 44٪ من أسباب الوفيات عند الولدان هم من الخدّج.

وفي الدرجة الثانية انتان الدم عند الوليد وبنسبة 19.3٪، وأما التشوهات الولادية فكانت بنسبة 17.4٪، ووفق النسبة العالمية فإن نسية أطفال الخدج المتوفين هي من 3-6 أطفال لكل ألف ولادة.

 

عودة إلى الضفاف

وحتى لا تأخذنا الأرقام بلغتها بعيداً عن ضفاف موضوعنا، بحيث تبدو كمن خلط الحابل بالنابل، فإن ما نورده هو جزء من كلّ في السياق ذاته، لكن المفاجأة هنا أن وجود النقص الحاصل بعدد الحواضن والمنافس، يقتصر على الولادات التي تحدث في المشفى، إذ ووفق مؤشرات المسح العنقودي الذي قامت به وزارة الصحة مع عدة جهات معنية عام 2006، فإن 70٪ من الولادات تكون داخل المشافي، فكيف الحال سيكون لو أن الولادات داخل المشافي بنسبة 100٪؟!.

من هنا، فإنه ووفقاً لأحد المهتمين والمعنيين بالجانب الصحي، فإن أعتى الدول قد عجزت عن تأمين كامل الرعاية الصحية لمجتمعها بكل تفاصيل تلك الرعاية وأبعادها، وهذا يتطلب مقومات لا بدّ من توافرها تكون إلى جانب الرعاية الصحية، ومن ضمنها التأمين والضمان الصحي الذي يـشكل ما يسمّى بالدفع المسبق.

وما استطاعت وزارة الصحة تأمينه حتى عام 2009 هو 546 حاضنة، و537 منفسة، منها 94 منفسة للصغار «15٪ من عدد الحواضن»، وقد قامت في نهاية العام الماضي بالتعاقد على 60 جهاز تنفس آلياً «للكبار والصغار».

وكان توزع الحواضن والمنافس على مستوى المشافي التابعة للوزارة على مستوى المحافظات كالتالي:

نقص واضح فيها

لكن الملاحظ وفي قراءة متأنية لعدد الحواضن والمنافس وتوزعها، فإن الأعداد تبدو متدنية جداً في مشافي التوليد والتي من المفترض أن يكون فيها عدد الحواضن أكبر، قياساً على شعب أطفال في مشافٍ أخرى، إذ لا يُعقل أن تقوم عائلة الوليد بإخراج وليدها بدءاً من المشفى الذي وُلد فيه للبحث عن حاضنة في مشفى آخر، ولذلك نرى أنه من الضروري أن يُعاد النظر بهذه المسألة.

ويرى من التقيناهم من المعنيين في سياق هذا التحقيق، أن التنقل بالوليد من مشفى لآخر، يزيد من الخطورة على حالته الصحية، وإن تمكّن أهله من إيجاد حاضنة له لاحقاً، فإن فرصة بقائه على قيد الحياة تقلّ كثيراً.

 

واتسعت الدائرة !!

وحتى تتسع دائرة البحث أكثر، خرجنا من دائرة دمشق، لنسأل عن واقع الحال في محافظات أخرى.

ففي حلب التي يوجد فيها مشفى أطفال، تم افتتاحه عام 2003، فإن الحواضن والمنافس دائماً مشغولة، كما يقول مدير المشفى الدكتور أحمد الشيخ، ورأى أنه مهما تم توفير حواضن ومنافس، فإنه لن يكفي في ضوء التزايد السكاني، فلو أمنت 100، سيتم السؤال عن المئة وواحد، وبرأيه أيضاً فإن عدد الحواضن المتوافرة في مشفى الأطفال بحلب والمشافي الأخرى، مقبول قياساً لعدد معين من السكان.

والملاحظ أنه يجري الحديث دائماً عن وجود مشفى تخصصي وحيد في سورية للأطفال هو مشفى الأطفال بدمشق، على الرغم من وجود مشفى للأطفال في حلب، ويرجع الشيخ ذلك إلى قدم مشفى الأطفال بدمشق، ووجود إمكانيات لتحاليل نوعية، وسعته 470 سريراً، بينما مشفى الأطفال في حلب هو بسعة150 سريراً، وأشار وأقرّ بلجوء الآباء والأمهات إلى جهات ومشافٍ خاصة مثل الهلال الأحمر لتأمين حواضن ومنافس لأطفالهم المحتاجين، على الرغم مما تشكله من عبء على الصعيد المادي، وحمّل الزيادة السكانية المسؤولية عن عدم المقدرة على توفير ما هو مطلوب دائماً.

وضمن هذا السياق تحدّث الدكتور ملهم الملّوحي، مدير صحة حمص، الذي سألناه عن واقع الحال في حمص، ولا سيما أن مشافيها التابعة لوزارة الصحة تمتلك أكبر عدد من الحواضن قياساً على مشافي المحافظات الأخرى، فأوضح أن الزيادة السكانية تفعل فعلها، ومهما كان العدد فإنه لن يتماشى مع تلك الزيادة.

وتحدّث عن أهمية إقامة مشفى متكامل للتوليد والأطفال في حمص مع ضرورة تأمين الخبرات المطلوبة.. وفي هذا السياق، سيتم إرسال أطباء إلى مشافي التعليم العالي لاكتساب الخبرات بموجب اتفاقية وُقعت بهذا الشأن، ودعا إلى تعاون الجهات الصحية لإصدار قرارات تخفض من تكلفة الحواضن والمنافس في المشافي الخاصة فيما لو لجأت أسرة إليها، وتوافر الخبرات، يراه مدير مشفى الأطفال بدمشق، الذي عمل ويعمل في المشفى منذ نحو 16 عاماً، أمراً معضلةً لكل الاختصاصات ومنها للحواضن والمنافس، التي تتطلب توافر اختصاصات متدربة في الخديج والوليد وجراحة الخديج والوليد والعناية المشددة، مع كادر تمريضي كافٍ من حيث الخبرة والعدد، إذ أن تلك الأجهزة تتطلب من يديرها جيداً، فكل 2-3 حواضن تحتاج إلى ممرضة خبيرة، ورأى أن هذا غير متوافر في معظم المشافي العامة، مما يؤثر سلباً حتى بتوفر الحواضن والمنافس.

وفي مشافي ريف دمشق، التي بدت أكثر حـظاً من غيرها لتوفر المنافس في معظمها، على خلاف المشافي في المحافظات الأخرى توفرت فيها الحواضن ولم تتوافر المنافس، فإن مدير الصحة فيها الدكتور حسن جبه جي قد أكد بأن الكوادر متوافرة ولكن هي، أي الحواضن والمنافس، مشغولة باستمرار، وأنه حتى الربع الأول من هذا العام قد زادت أعداد الحواضن والمنافس، والأمر متابع مع وزارة الصحة، بحيث تكون الزيادة متوافقة مع توزع المشافي في ريف دمشق لناحية المدن والمناطق فيها.

 

وبعد..

نقاط أساسية لا بدّ من التوقف عندها، وأهمها أنه لا يوجد تقدير للعدد المطلوب توافره من حواضن ومنافس في ضوء الزيادة السكانية الحالية، وكيف يمكن أن تتعاون كل الجهات في هذا الشأن، وكيف الوصول إلى ذلك العدد في ضوء أن 30٪ من الولادات تتم خارج المشافي، وبغض النظر عن إمكانية الدولة في توفير ذلك العدد، فإن عملية البحث للوصول إليه ليس بالأمر المعقد، فعندما نهتدي إليه، يمكن أن نبحث معاً في كيفية تأمينه، مع ضرورة النظر إلى دور القطاع الصحي الخاص وبأسعار تتناسب والحالة المعيشية، وإيجاد مخرج لذلك بإشراف الدولة.

ومن النقاط أيضاً، أشير إلى أن الخطط في هذا الشأن لا تُبنى على حيثيات الأعداد والأرقام، ولذلك هناك مشاكل تظهر باستمرار ومن ضمنها عدم توفر أمكنة في المشافي أحياناً لوضع حواضن ومنافس فيها، إضافة إلى قلة عدد الحواضن والمنافس في مشافي التوليد، وهي مسألة تحتاج إلى إعادة نظر، بحيث تصبح مشافي التوليد هي الثقل بالنسبة للعدد، كون نقطة البداية تكون فيها.. وإن تعودنا في الفترة الأخيرة على جرأة وزارة الصحة في طرح أرقامها، فإننا نأمل أن تكون جريئة في البحث في تفاصيل وأرقام الواقع، وخاصة لجهة أثر نقص الحواضن والمنافس على حياة الأطفال، وكم نخسر منهم سنوياً لهذا السبب.

وأختم قائلاً: إن هناك غياباً للرؤية المشتركة بين وزارة الصحة ووزارة التعليم العالي لجهة الشأن الصحي، إذ تبدو الرؤى مختلفة وقد يكون ذلك تبعاً لمهام ووظيفة كل وزارة، ولكن ألم يحن الوقت لإعادة النظر لجهة توحيد الإشراف على القطاع الصحي؟!.

سؤال برسم المقترح الواضح في باطن إجابته، نضعه بين يدي الجهات المعنية، فلن يجدي نفعاً أن نقدم العزاء لأم فارقها ابنها وجُرحت لمرتين، مرة لأنها لم تستطع أن تؤمن له حاضنة أو منفسة في مشفى خاص، ومرة لأنه فارقها.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.