تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أمريكا تدافع عن إمبراطوريتها

مصدر الصورة
عن الانترنيت

الحسين الزاوي

تشعر الولايات المتحدة بأن القواعد والمعايير الدولية التي تأسست بعد الحرب الباردة وسمحت لها ببسط هيمنتها على العالم، بدأت تتراجع بشكل مقلق؛ وجاءت الحرب في أوكرانيا لتشعر الدول الغربية برمتها بأن قدرتها على التأثير في مسار الأحداث الدولية هي الآن في طريقها إلى التلاشي. ويطرح الكثيرون أسئلة جدية بشأن الوزن الحقيقي لأمريكا في العالم على ضوء إخفاقها في العراق ووصول سياستها إلى طريق مسدود في الشرق الأوسط وخروجها المخجل من أفغانستان، إضافة إلى التحديات المرتبطة بالسياسة الداخلية لواشنطن التي جعلت ترامب يرفع شعار «أمريكا أولاً»، ويعلن أن حلف الناتو عفا عليه الزمن، على الرغم من أن الإدارة الحالية لبايدن تسخّر كل إمكانياتها لتبدو أنها ما زالت تمسك بكل خيوط اللعبة الجيوسياسية في العالم من خلال العمل على جعل القوة الأمريكية حاسمة في الملف الأوكراني وفي قضايا الشرق الأوسط.

وتعطي التحركات الأمريكية الأخيرة، من أجل مواجهة إيران والصين وروسيا، انطباعاً بأن هناك عودة واضحة وواثقة لقوتها؛ في اللحظة التي تشير كل التطورات إلى أن هذه العودة تظل متخبطة، وكأن واشنطن تمسك بعناصر قوتها الاستراتيجية بأيدي مرتعشة لأنها لم تحسم بعد مشاكلها الداخلية، لاسيما أن الصراع الانتخابي في أمريكا الذي سينطلق مع نهاية سنة 2024، يجعل خيارات الإدارة الأمريكية على مستوى السياسة الخارجية، تبدو غامضة.

ويمكن القول إنه وخلف قناع الزعامة الأمريكية الباهت، يتخفى، التردد الأمريكي ويتجلى غياب الرؤية الواضحة بشأن العديد من الملفات الدولية؛ وبالتالي فعندما تتحدث واشنطن عن حل الدولتين، فإن كلامها يدخل في خانة البلاغة الفارغة، كما أن الرئيس الأمريكي عندما يعلن في خطابه أمام الكونغرس أن الزعامة الأمريكية هي التي توحّد العالم، فإنه يعلم جيداً أنه لم يعد يُقنع لا خصومه في الداخل ولا حتى حلفاؤه في أوروبا الذين باتوا يجاهرون بضرورة تحقيق الاستقلالية الاستراتيجية عن أمريكا والصين على حد سواء.

ويعلم الرئيس بايدن أيضاً، أن محاولته الربط بين الحربين الدائرتين في الشرق الأوسط وفي أوكرانيا للحصول على التمويل الضروري لدعم أوكرانيا وإسرائيل، لا يقنع خصومه الجمهوريين الذين لا يريدون وضع الملفين في كفة واحدة، ويرون أن أوكرانيا حصلت على ما يكفي من الأموال والأسلحة دون أن تحقق نتائج حاسمة على أرض المعركة.

ومن الواضح أن حفاظ أمريكا على عناصر قوتها الاقتصادية والتكنولوجية التي تتفوق فيها على كل منافسيها، لم يعد كافياً ليجعلها تقوم لوحدها برسم معالم مستقبل الكرة الأرضية، لا سيما أن واشنطن تواجه رفضاً متزايداً لزعامتها ليس فقط من طرف خصومها الكبار مثل الصين وروسيا، لكن أيضاً من طرف قوى إقليمية صاعدة في الشرق الأوسط وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، إضافة إلى الدخول المفاجئ للمجتمعات في حلبة صراع القوى في العالم.

تحاول أمريكا بناء على ما تقدم، أن تدافع باستماتة عن إمبراطوريتها، وتهرول من أجل تحقيق هدفها في كل الاتجاهات من تل أبيب إلى كييف، وتعيد نسج تحالفاتها في كل القارات، لاسيما في أوروبا وشرق آسيا.

ونستطيع أن نخلص في الأخير إلى أن الإمبراطورية الأمريكية تواجه خطرين جديين يهددان كيانها ويضعفان قوتها، الخطر الأول داخلي ويتعلق بتزايد مؤشرات انقسام المجتمع الأمريكي؛ أما الخطر الثاني فيتصل بتهافت مرجعيات السياسة الخارجية الأمريكية وفقدانها لقسم كبير من رصيد مصداقيتها نتيجة لسقوطها في فخ ازدواجية المعايير في التعامل مع القضايا الدولية.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.