تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

قمة «بريكس» ومأزق الطموحات

مصدر الصورة
عن الانترنيت

د. محمد السعيد إدريس

على الرغم من أن القمة ال15 لمجموعة «بريكس» التي عُقدت في مدينة جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا تحت شعار «بريكس وإفريقيا.. الشراكة من أجل النمو المشترك المتسارع، والتنمية المستدامة، والتعددية الشاملة» إلا أن المكانة المتسارعة التي أخذت تكتسبها المجموعة في ظل ما يمكن تسميته ب«حالة تفاؤل قصوى بمستقبلها وأدوارها المنتظرة في ظل حالة عامة رافضة لنظام الهيمنة الغربي بزعامته الأمريكية» جعل هذه القمة مفعمة بالطموحات، ليس فقط لدى من ينتسبون إليها، بل أيضاً من يطمحون إلى هذا الانتساب لدرجة تحميل هذه القمة، وقبلها المجموعة نفسها فوق ما تطيق من التوقعات والطموحات.

أسئلة كثيرة أخذت تتردد طوال الأيام التي سبقت انعقاد القمة. من بينها: هل ستحمل قمة «بريكس» تحولاً جديداً في الديناميات العالمية؟ هل ستتجاوز المجموعة حدودها ككيان دبلوماسي واقتصادي لتصبح قوة «جيوسياسية» قادرة على منازلة «التحالف الغربى»؟ أم ستتعثر في بلوغ هذا الطموح؟ وهل ستستطيع الدول الأعضاء المواءمة بين مصالحها المشتركة ضمن المجموعة وأهدافها، وبين مصالحها وتطلعاتها الخاصة الذاتية؟

سؤالان آخران لا يقلان أهمية فرضا نفسيهما وتجاوزا الأسئلة السابقة هما: هل ستنجح «بريكس» في إطلاق عملة دولية بديلة وإسقاط الدولار الأمريكي من عرشه أم ستظل متعثرة في تحقيق هذا الطموح؟ وهل ستصدر القمة قراراً يقضي بتوسيع عضويتها لكسب المزيد من القوة والمكانة العالمية أم ستحافظ على عضويتها «مغلقة» حفاظاً على تماسكها الداخلي وخشية من اختراقها أمريكياً بعضوية جديدة تتكرر معها التجربة الأليمة لمجموعة «عدم الانحياز» التي تداعت بسبب انضمام أعضاء جدد يعملون بتعليمات وتوجيهات أمريكية لإسقاطها من الداخل؟

هذه الأسئلة الكثيرة دعمتها الكلمات والمداخلات الحماسية لقادة المجموعة وعلى الأخص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي شارك في القمة عبر الإنترنت، والرئيس الصيني شي جينبينغ، إذ حلّقا في فضاءات واسعة من الآمال والطموحات.

 فقد تحدث بوتين عن أهمية ترسيخ المكانة العالمية ل«بريكس»، ودعا إلى «تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب يكون عادلاً حقاً، ويستند إلى القانون الدولي مع مراعاة المبادئ الأساسية للأمم المتحدة، بما في ذلك الحق في السيادة، واحترام حق الشعوب في تقرير المصير، واختيار نموذج التنمية الخاصة بهم». وقال: «نحن ضد أي نوع من الهيمنة، وضد ما تروج له بعض الدول من استثنائيتها (يقصد أمريكا بالطبع)، وما يترتب على تلك الفرضية من سياسة جديدة، ألا وهي سياسة استمرار الاستعمار الجديد» ونوه بأن حصة «بريكس» من الناتج المحلي الإجمالي «قد تجاوزت بالفعل حصة ما يسمى الدول الصناعية السبع، وأن صادراتها مجتمعة بلغت 20% من الإجمالي العالمي».

 أما الرئيس الصيني شي فقد ركز على ضرورة «التوسع السريع» لمجموعة «بريكس» و«بذل جهود لتعزيز حوكمة عالمية أكثر عدلاً وعقلانية». لكن الأهم أنه توافق مع الرئيس الروسي في رفض الهيمنة الأمريكية ولكن من منظور حضاري، متحدثاً عن أهمية «التناغم بين الحضارات، وتعزيز احترام جميع الدول في اختيار مسارات التحديث الخاصة بها بشكل مستقل». لكنه تحدث أيضاً «عن ضرورة توسيع التعاون في مجال التعليم والعلاقات الثقافية بين الدول الأعضاء».

 طموحات هائلة جعلت الكاتب الروسي ألكسندر نازاروف، وفق ما نقل موقع «روسيا اليوم» يقدم مقاربة شديدة الإغراء في عمقها لحال «بريكس» وما يجري تحميله لها من طموحات، فقال إن حال «بريكس» يشبه حال الطوابير التي كانت تصطف في الشوارع أمام المحال التجارية عقب سقوط الاتحاد السوفييتي وتفاقم الأزمة المعيشية، حيث كان الآلاف يصطفون أمام المحال دون أن يعلموا ما هي السلعة التي سيحصلون عليها، وأن أخْذ مكان في الطابور تحول في ذاته إلى «طموح»، بغض النظر عن السلعة التي يمكن أن يتحصل عليها. وقال إن حال «بريكس» هكذا، وإن «دول العالم تصطف الآن في طابور من أجل السيادة، لأن الجميع قد سئم العالم الأحادي القطبية».

هكذا تبدو الحال، لكن القرار الجريء لـ «بريكس» بضم 6 أعضاء جدد للمجموعة من أول كانون الثاني المقبل: الإمارات، والسعودية، ومصر، وإيران، وإثيوبيا، والأرجنتين، قد يكون أكثر من كونه مجرد «اصطفاف في طابور»، بل انطلاقة من «الإقليمية إلى العالمية»، لكن تأثيره لن يكون قليلاً في «بريكس» وكذلك في الأعضاء الجدد.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.