تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الدولار في المعاملات الدولية

مصدر الصورة
عن الانترنيت

د. صلاح الغول

ثمة ظاهرة دولية لا تقل أهمية عن الصعود الصيني ومحاولات بكين وموسكو الحثيثة تدشين نظام دولي تعددي، وهي ظاهرة التحول عن استخدام الدولار الأمريكي في المعاملات الدولية. ويُلاحظ أن تأثير تنامي هذه الظاهرة قد يكون أكثر فاعلية من غيرها في إعادة هيكلة النسق الدولي سياسياً واقتصاديا. بعبارة أخرى، قد تُفضي هذه الظاهرة، التي لا تزال في بداياتها، إلى إنهاء الهيمنة الأمريكية على العالم وتأسيس نظام دولي متعدد الأقطاب يحل محل النظام الراهن أحادي القطبية، وبناء نظام اقتصادي عالمي جديد يحل محل النظام الذي ظهر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وتسيطر عليه الدول الغربية.

ولكن ما هي أهم مؤشرات التحول عن الدولار كعملة دولية؟ إذا بدأنا بإحصاءات صندوق النقد الدولي، نجد أن حصة الدولار الأمريكي من الاحتياطيات الدولية انخفضت إلى 58% في عام 2022، بالمقارنة ب 73% في العام السابق عليه. وفي هذا الصدد، تعمل عدة دول جنوبية، مثل الصين والهند، على تنويع احتياطيات النقد الأجنبي لديها. وتقوم الصين ودول أخرى حالياً ببناء احتياطيات من الذهب مع ارتفاع أسعاره.

ومن ناحية أخرى، نجد أن اليوان استخدم في 49% من معاملات الصين عبر الحدود في الربع الثاني من هذا العام (إبريل- يونيو)، متجاوزاً الدولار لأول مرة. وقد قبِل صندوق النقد الدولي سداد الديون باليوان بالنسبة للأرجنتين، التي تسمح حكومتها للمصارف بفتح حسابات إيداع بالعملة الصينية.

ومن أهم مؤشرات التحول عن الدولار في سوق الطاقة أن تجارة النفط بين الصين وروسيا تتم باليوان؛ وتتعامل به أيضاً إيران وفنزويلا في تجارتهما النفطية. ويتم تسعير النفط الروسي باليوان الصيني والروبل الروسي والروبية الهندية والدرهم الإماراتي. وتواصل الهند استخدام العملة الصينية في شراء النفط الروسي، وتدفع تركيا 25% من وارداتها النفطية من روسيا بالروبل. ودفعت الصين ثمن الغاز الطبيعي المسال الإماراتي باليوان من خلال بورصة غاز شنغهاي. وإذا ما تم تسعير الصادرات النفطية السعودية إلى الصين باليوان بدلاً من الدولار، وهي المسألة المطروحة على طاولة المباحثات منذ 6 سنوات، فإن ذلك من شأنه أن يهز عرش العملة الأمريكية المهيمنة على أسواق الطاقة. كما أن عضوية السعودية المحتملة في منظمة شنغهاي للتعاون وبريكس قد تفضي إلى تسريع تداول اليوان.

وفي تقرير حول استطلاع رأي دولي لمحافظي البنوك المركزية العالمية، فقد تبين أن نسبة 6% من المستجيبين يتوقعون خفض حيازاتهم من الدولارات خلال السنوات العشر المقبلة. ويتوقع المستجيبون فقط انخفاضاً طفيفاً في حصة الدولار من إجمالي الاحتياطيات إلى 53% في العقد المقبل، من أقل من 60% حالياً. وقد وجد الاستطلاع أن المستجيبين توقعوا أن يكون صعود اليوان الصيني تدريجياً. كما تخطط نحو 40% من البنوك المركزية لزيادة مقتنياتها من اليوان على مدى السنوات العشر المقبلة، فيما تخطط 14% من البنوك المركزية لزيادة ممتلكاتها من اليورو على مدى العامين المقبلين.

وكما روّج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لاستخدام العملات المحلية بدلاً من الدولار في التجارة الدولية، يسعى الرئيس البرازيلي إلى إحياء اتحاد دول أمريكا الجنوبية؛ ما سيعزز التعاون والتجارة عبر المنطقة، مع دعم عملة نقدية تقلل الاعتماد على الدولار. وقد حثت موسكو الدول الإفريقية، على إجراء معاملات تجارية مع روسيا باليوان. وتستخدم روسيا اليوان لشراء الأجزاء الإلكترونية التي تخضع لعقوبات غربية. ويسمح البنك المركزي العراقي بتسوية التجارة مع الصين باليوان. وقررت البرازيل والصين تنفيذ صفقات تجارية باليوان، فيما تشرع الأرجنتين في دفع قيمة الواردات الصينية باليوان بدلاً من الدولار.

وتتم التجارة بين إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة والفلبين وتايلاند بعملاتها الخاصة. وقررت إيران وإندونيسيا وقف استخدام الدولار في التجارة الثنائية. وتضغط الهند للترويج لاستخدام الروبية في التجارة. وفي هذا الخصوص، اتفقت الهند والإمارات على التداول بالعملات المحلية.

والخلاصة أن هناك مؤشرات عديدة لتراجع ظاهرة الدولرة أو منافستها عن طريق عملات دولية أخرى، وفي مقدمتها اليوان الصيني، على الرغم من أن الدولار لا يزال يمثل 59% من الاحتياطيات العالمية و58% من التجارة العالمية. بيد أن تنامي هذا الاتجاه من شأنه تأسيس نظام اقتصادي عالمي جديد، يرفد الجهود الجارية لتأسيس نسق دولي متعدد الأقطاب.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.