تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الاتحاد الأوروبي على مفترق طرق

مصدر الصورة
عن الانترنيت

محمد السعيد إدريس

منذ أشهر، وبالتحديد عندما تفاقمت الخلافات بين أوروبا وأمريكا على أرضية تحديد سقف لأسعار الغاز والنفط في المعركة الدائرة ضد روسيا لإجبارها على وقف حربها في أوكرانيا، كان السؤال الذي يشغل الكثيرين هو: هل نجح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تخليق أزمة في العلاقات الأوروبية- الأمريكية؟ لكن وعقب انتهاء قمة الاتحاد الأوروبي التي عقدت يوم الجمعة الماضي، وما تكشف عن وجود خلافات أوروبية عميقة باتت تهدد وحدة الاتحاد الأوروبي أضحى السؤال الأبرز هو: هل نجح الرئيس الأمريكي جو بايدن في تفكيك وحدة الاتحاد الأوروبي ؟ وهو الهدف الذي ظل يشغل الأمريكيين منذ تطلعهم ليكونوا قوة عالمية إمبراطورية بإزاحة كل من يقف في طريقها لتحقيق هذه الغاية حتى لو كان أهم حلفائها، أي الاتحاد الأوروبي.

في ذلك الوقت ظهرت وثيقة أمريكية نسبت إلى جماعة «المحافظين الجدد»، وخاصة من كانوا على رأس وزارة الدفاع الأمريكية طالبت بعرقلة التوحد الأوروبي ومنع أوروبا من امتلاك «هوية أمنية مستقلة» تأخذ الأمن الأوروبي خارج سيطرة حلف شمال الأطلسى (الناتو).

 واضح أن حرب أوكرانيا حققت للأمريكيين ما كانوا يحلمون به منذ عقود مضت وهو إزاحة كل من يقف أمام التفرد الأمريكي. فمن خلال الحرب الأوكرانية يجري استنزاف القدرات الروسية بحيث ستكون روسيا في حاجة إلى عقود قادمة لتعويض ما خسرته من قدرات، وهذا بدوره سيحدّ من قدراتها المطلوبة للتحول إلى قوة عالمية قادرة على المنافسة إلى جانب الصين والولايات المتحدة.

 الأمر ذاته يحدث الآن لأوروبا التي يجري استنزافها أيضاً في الحرب الأوكرانية على حساب الأوضاع الاقتصادية والتظاهرات الصاخبة التي تجتاح المدن الفرنسية، هذه الأيام التي شهدت إحداها إقدام المتظاهرين على تمزيق علم حلف الناتو وإطلاق شعارات من نوع «لا طائرات ولا صواريخ لأوكرانيا» و«لنخرج من الناتو» و«ماكرون لا نريد حربكم» و«لا للحرب العالمية الثالثة»، هي أكبر دليل على عمق التحولات التي تحدث في الرأي العام الأوروبي ضد استمرار الحرب واستنزاف أوروبا.

 الأزمة الأوروبية الراهنة باتت متعمقة على مستويين، الأول على مستوى داخل الدول ضد نظم الحكم المتورطة في الحرب الأوكرانية على نحو الحال في فرنسا وبريطانيا وألمانيا، والثاني على مستوى العلاقات بين الدول الأوروبية، والمحصلة هي أن الاتحاد الأوروبي هو الخاسر الأكبر على نحو ما تكشف في القمة الأوروبية الأخيرة التي شهدت انقساماً حاداً بين ألمانيا من ناحية وباقي الدول الأوروبية، وخاصة فرنسا، من ناحية ثانية. انقسام يحقق للأمريكيين ما كانوا يحلمون به من الحيلولة دون تحول الاتحاد الأوروبي إلى قوة قادرة على الاستغناء عن أمريكا، بل ومنافستها على الزعامة العالمية. الآن باتت أوروبا من الضعف والانقسام للدرجة التي تحول دون تجدد ظهور مثل هذا الأمل الذي كانت تبشر به فرنسا من أيام الرئيس الراحل شارل ديغول.

 انقسم الأوروبيون داخل القمة الأوروبية الأخيرة حول موضوعي ملفي الهجرة وتزايد المطالب الداعية إلى «وضع حد لسيل الإمدادات العسكرية إلى أوكرانيا، والتركيز أكثر على المسار الدبلوماسي الساعي لفتح ثغرة في جدار المفاوضات الذي مازال عصيّاً على أي اختراق منذ 13 شهراً مضت على تفجر الحرب في أوكرانيا»

 لكن ظهرت قضية أكثر أهمية، وهي ظهور ألمانيا على عكس ما كانت عليه طوال العقود الماضية من عمر الاتحاد الأوروبي، وبدت كأنها «لم تعد القوة الضامنة للتوازن والاعتدال والتزام القواعد الأساسية التي يقوم عليها الاتحاد» بإصرارها على فرض مطالب ألمانية بحتة على شركائها في الاتحاد دون اعتبار لمردود ذلك على تماسك الاتحاد ووحدته.

 فقد شهدت الجلسة الأخيرة من تلك القمة، مواجهة حادة بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي ترأس الاجتماع وبين المستشار الألماني أولاف شولتس، تميزت بقسوة غير معهودة بين الطرفين بعد أن رفضت ألمانيا الموافقة على اقتراح المفوضية الأوروبية منع إنتاج وتشغيل السيارات التي تعمل بمحركات هيدروكربونية (بنزين وغاز) بدءاً من عام 2035.

 لكن المشكلة الأكبر تتبلور في خطورة أن تسلك دول أوروبية أخرى ذات المسلك الألماني، الأمر الذي من شأنه أن يشلّ عمل المفوضية الأوروبية، خصوصاً في ظل تنامي الخلاف حول الأزمة الأوكرانية، بين من يسيرون خلف أمريكا بضرورة استمرار القتال ضد روسيا حتى تستسلم وتنسحب من دون شروط خاصة دول شرق أوروبا، وبين من يبحثون عن نقطة ضوء للبدء في مفاوضات لوقف الحرب خاصة الموقف الفرنسي المؤيد للمبادرة الصينية. إنها انقسامات تضع الاتحاد الأوروبي على مفترق طرق.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.