تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أوروبا قد تبدأ بتفكيك صناعات أساسية إذا استمرت أزمة الطاقة

مصدر الصورة
وكالات

الأزمة تجبر مصانع على خفض عدد العمال وشركات تهْجر الدول الأوروبية.

لا يعني نجاح أوروبا في خفض استهلاك الغاز والكهرباء، وخاصة الاستهلاك الموجه إلى المصانع، أن القارة تسير نحو تقليص حجم الأزمة المحتدمة جراء الحرب الروسية – الأوكرانية، وإنما يكشف خطورة الوضع الذي قد يجبرها على تفكيك صناعات أساسية بعد أن اختارت شركات الإغلاق أو الانتقال إلى خارج أوروبا وتقليص عدد العاملين فيها.

واشنطن – أسهمت الحرب الروسية – الأوكرانية في ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا إلى أعلى مستوياتها منذ عقود، بشكل أضر كثيرا بالقطاع الصناعي في القارة، ويقول محللون إنه سيؤدي إلى تفكيكه وخاصة تفكيك الصناعات الأساسية.

وبينما بدأ الاتحاد الأوروبي يحتفل احتفالا هادئا بالتخفيض المستمر في استهلاك الغاز والكهرباء هذا العام وسط أسعار قياسية وقطع الكثير من إمدادات الغاز الروسي وأزمة سيولة في سوق الطاقة، تقول المحللة الاقتصادية إيرينا سلاف في تقرير لموقع أويل برايس الأميركي “إن سبب الاحتفال يبقى موضع شك؛ لا تكبح الشركات فقط استخدام الطاقة وتستمر في العمل كالمعتاد، فهي تغلق المصانع وتقلص حجمها أو تنتقل من مكان إلى آخر. وقد تكون أوروبا في طريقها إلى التقليل من التصنيع”.

وترى المحللة الاقتصادية أنه من الواضح لأي شخص يراقب المؤشرات أن الاتحاد الأوروبي يتجه نحو الركود الاقتصادي الآن، فقد انخفض أحدث نشاط -وهو نشاط التصنيع في منطقة اليورو- إلى أدنى مستوى منذ مايو 2020.

وسبق أن كشفت تقارير أن الكثير من الدول الأوروبية تركت عددا قليلاً من الشركات دون تخفيض في الاستهلاك أو تقليل لعدد العمال، ومنها الشركات المختصة في صناعة الصلب والألومنيوم والسيارات والزجاج والسيراميك والسكر ومصانع ورق المرحاض، فيما تقوم بعض الشركات التي تستهلك الطاقة بكثافة، مثل قطاع المعادن، بإغلاق المصانع التي يقول محللون إنه قد لا يعاد فتحها أبداً، مما يعرّض الآلاف من الوظائف للخطر.

ومن المرجح أن تواصل الشركات التي تستهلك الطاقة بكثافة مواجهة بعض التحديات، في ظل التوقعات التي تفيد باستمرار ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، مما سيقتضي من الحكومات الأوروبية تبني برامج مالية لدعم تلك الشركات في القريب العاجل.

وسجل نشاط التصنيع في منطقة اليورو الشهر الجاري أضعف مستوى له منذ سنتين. وتقدر وكالة الطاقة الدولية أن الطلب الأوروبي على الغاز الصناعي انخفض بنسبة 25 في المئة في الربع الثالث من العام الحالي.

كما أشارت قراءة أكتوبر لمؤشر مديري المشتريات التابع لشركة “أس أند بي غلوبال” إلى أن ركودا يلوح في الأفق، حيث انخفض النشاط هذا الشهر، وأصبحت القراءة الشهرية الرابعة التي تقل عن 50، وهو مؤشر على الانكماش الاقتصادي.

وإضافة إلى ذلك قالت شركة “بي أيه أس أف” الألمانية الشهر الماضي إنها ستتراجع بشكل دائم في بلدها الأم وتتوسع في الصين، وهو ما قد يشي بحدوث الأسوأ. ومثّل هذا الإعلان ضربة للحكومة التي تحاول التوفيق بين نقص الطاقة والأهداف المناخية دون إطالة عمر محطات الطاقة النووية.

ونقلت صحيفة فايننشال تايمز في أواخر أكتوبر الماضي عن رئيس الشركة التنفيذي مارتن برودر مولر قوله “كانت سوق المواد الكيميائية الأوروبية تنمو بشكل ضعيف لمدة عقد تقريبا. وتسلط الزيادة الكبيرة في أسعار الغاز الطبيعي والطاقة على مدار هذا العام ضغوطا على سلاسل القيمة الكيميائية”.

ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أن أزمة الطاقة لم تكن السبب الوحيد في بروز خطط الشركة لتقليص وجودها في الداخل والنمو في الخارج. وقال برودر مولر إن تشديد قوانين الاتحاد الأوروبي بشكل متزايد كان سببا مباشرا في بروز هذا القرار أيضا.

ويبدو أن الصناعات الأخرى تعاني أيضا من مشاكل مع لوائح الاتحاد الأوروبي الجديدة. واقترحت الهيئة التجارية لصناعات الصلب والألومنيوم، التي عانت أيضا بشكل كبير من تضخم كلفة الطاقة، مؤخرا فكرة أن يتخذ الاتحاد الأوروبي نهجا تدريجيا من خلال آلية تعديل حدود الكربون المعروفة باسم ضريبة استيراد الكربون.

أزمة الطاقة

وصُممت آلية تعديل حدود الكربون كطريقة لتسوية ساحة اللعب للشركات الصناعية الأوروبية الخاضعة للوائح الانبعاثات الصارمة التي تجعل إنتاجها أكثر كلفة مقارنة بإنتاج البلدان ذات معايير الانبعاثات المتساهلة.

ورغم ذلك فإنها ستجعل أيضا المواد الأولية المهمة لصناعات الصلب والألومنيوم الأوروبية ذات كلفة باهظة، مما يزيد من الصعوبات التي تعترض هذه الصناعات بالفعل لأنها من بين الأكثر استهلاكا للطاقة.

وكشفت تقارير أن الصناعات ذات الاستهلاك الكثيف للطاقة، مثل الألومنيوم والأسمدة والكيماويات، معرضة لخطر قيام الشركات بتحويل الإنتاج إلى أماكن ذات غاز رخيص مثل الولايات المتحدة، حيث يكون الوقود الأزرق أرخص بنحو 5 مرات من وقود أوروبا.

وبينما يساعد انخفاض استخدام الطاقة في أوروبا على مواجهة الأزمة، يحذر مسؤولون تنفيذيون واقتصاديون من أن القاعدة الصناعية قد تضعف كثيرا إذا استمرت تكاليف الطاقة المرتفعة لفترة طويلة.

وتوقّف عُشر الطاقة الإنتاجية من الصلب الخام في أوروبا، وفقا لتقديرات مجموعة جيفريز. وأوقفت جميع مصاهر الزنك الإنتاج، وأغلِق بعضها. كما توقف نصف إنتاج الألومنيوم الأساسي. وفي قطاع الأسمدة أصبحت 70 في المئة من المصانع متوقفة بسبب نقص الطاقة.

وتعمل المصانع الكيميائية أيضا على خفض أنشطتها، وتشهد أفران السبائك الحديدية تدهورا، كما أن صناعة البلاستيك والسيراميك تنكمش.

وقد تختار بعض هذه الشركات الانتقال في نهاية المطاف إلى مكان فيه مصادر طاقة أرخص ومتاحة على نطاق أوسع، مما يساهم في إزالة التصنيع في أوروبا. وتعتبر الولايات المتحدة المرشح الأفضل لهذا الانتقال حسب بعض المراقبين لاحتياطياتها الوفيرة من الغاز وإنتاجها المتزايد ومناخ الاستثمار المتساهل.

وأثناء ذلك أصبح الأمر واضحا تماما، وهو أن انخفاض استهلاك الطاقة في القطاعات الصناعية في أوروبا ليس سببا للاحتفال بل يجب أن يكون سببا للقلق ولاتخاذ صانعي القرار إجراءات عاجلة.

وتقول سلاف إن سقف سعر الغاز الذي اتفق عليه الاتحاد الأوروبي مؤخرا قد يساعد قليلا، ولكن بما أنه مرتبط بخفض الاستهلاك لا يعد حلا بالنسبة إلى الشركات التي تتطلع إلى البقاء نشطة؛ إنه نظام إنعاش.

وفي حين أدى تقليص عمل المصانع وإغلاقها إلى توفير الوقود في سعي أوروبا لخفض الطلب، فضلا عن البحث عن إمدادات غير روسية، مكن ذلك الاتحاد الأوروبي من توفير كمية كافية من الغاز لملء أكثر من 80 في المئة من طاقته التخزينية، وهو ما يكفي على الأرجح لبدء الربيع دون حصص تفرضها الحكومة.

مصدر الخبر
العرب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.