تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

بريطانيا في عين العاصفة

مصدر الصورة
عن الانترنيت

مفتاح شعيب

إعلان رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس عزمها على إخراج المملكة المتحدة من «العاصفة»، اعتراف متأخر بأزمة عميقة تتمدد على جميع المستويات، وكشفتها الانقسامات الحادة في مؤتمر حزب المحافظين، الذي تتدهور شعبيته بنحو غير مسبوق منذ ثلاثة عقود، مقابل صعود لافت لحزب العمال المعارض.

تراس، التي تولت السلطة قبل يومين من وفاة الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، لن يكون حظها أوفر من سلفها بوريس جونسون الذي عصفت بعهده الإخفاقات والفضائح والمواقف الرعناء، فهذه السيدة دخلت «داوننغ ستريت» بتعهدات تقضي بخفض الضرائب، ومواجهة أزمة الطاقة المتنامية، وإعادة بناء الاقتصاد البريطاني، لكن عند التطبيق وجدت نفسها عاجزة عن الفعل، وفي خطوة أولى إلى الوراء، قررت التراجع عن خفض ضريبة الدخل بالنسبة للأكثر ثراء، وثانية تحضر لها، وتتعلق بخفض الديون بشكل كبير. وهذا النكث بالتعهدات، يشير إلى أزمة كبيرة وتحديات تصعب مواجهتها في ظل استمرار تدهور الوضع العالمي، والضبابية التي تخيّم على الأوروبيين من جرّاء تداعيات الحرب في أوكرانيا والعقوبات الشديدة التي تم فرضها على روسيا.

مع تولي تراس السلطة، واعتلاء تشارلز الثالث العرش البريطاني خلفاً لوالدته الراحلة، طوت المملكة المتحدة حقبة، ودخلت أخرى لا تبدو واضحة المعالم، فالأزمة الاقتصادية المتفاقمة تهدد بركود كبير، وانفجار اجتماعي لم تعرفه الدول الغربية منذ عقود طويلة. وبريطانيا لا تختلف عن بقية الدول الأوروبية في هذا المصير؛ بل ربما ستدفع الثمن الأكثر فداحة، عندما تكتشف عيوب الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتقتنع بمحدودية الخيارات بعد تلك الخطوة التي ظهر أنها مستعجلة، ولم تكن مؤسسة على حكمة وعقلانية، فالأغلبية الساحقة من البريطانيين بدأت تشعر بثقل مخلفات «بريكست»، وتخشى من تداعيات أكثر إيلاماً مما سبق. وبعيداً عن التحالف الظاهري في دعم أوكرانيا ضد روسيا، تنوء العلاقة بين لندن وبروكسل تحت الخلافات والتباين الشديد في المواقف حيال القضايا المستقبلية، وتنتظرهما معركة قاسية لتصفية الحسابات، بالنظر إلى وجود الكثير من القضايا العالمية التي لم يتم حسمها. وعلى هذا الأساس، فإن وضع الدول الأوروبية يبدو أكثر أريحية بفعل مظلة الحماية التي يوفرها الاتحاد، أما بريطانيا، بعد أن اختارت العزلة، تواجه أزمة غلاء المعيشة، واضطرابات صناعية، وركوداً وحرباً في أوروبا انخرطت فيها إلى درجة التهور في بعض الأحيان، وكلها تتطلب كُلفة عالية، ولن يكون من السهل على بريطانيا دفعها في ظل الأزمة العالمية الشاملة، ومعاناة الحلفاء الوضع ذاته، ومنها الولايات المتحدة التي تريد أن تستعيد بقوة زمام قيادة المعسكر الغربي.

الأسابيع والأشهر المقبلة ستكون صعبة جداً على بريطانيا، التي لم تخرج من العاصفة، والعهد الجديد، الذي تبدأه مع ملك جديد، سيكون محفوفاً بالتحديات. والاستحقاقات المستقبلية لن تكون سهلة. ولن تستطيع ليز تراس أن تصنع معجزة؛ إذ إن المؤشرات كلها تؤكد أن العالم بصدد إعادة التشكل، ليسفر عن توازنات جديدة يديرها لاعبون آخرون، وهذه الفرضية تبدو أقرب إلى الحتمية التاريخية منها إلى البدع السياسية أو الأمنيات.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.