تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

موسيقي سوري يقدم آلة العود بروح الشرق وتقنيات الغرب

مصدر الصورة
وكالات

الموسيقي كنان أدناوي: ينبغي دائما تقديم الجديد في البرامج الموسيقية.

تزخر الموسيقى العربية بإنجازات هامة تضعها في مصاف الموسيقات العالمية الكبرى المؤثرة، سواء من جانب الآلات الخاصة بها، أو ما قدمته على امتداد قرون من مؤلفات موسيقية خالدة، واليوم تقف الموسيقى العربية بتنوعها أمام تحديات متجددة تتمثل خاصة في انفتاحها على موسيقات العالم، والاستفادة منها دون الذوبان فيها. وهنا برع العديد من المؤلفين الموسيقيين في تقديم تمازجات فريدة بين آلات غربية وعربية شرقية، لتفتح جسور تواصل هامة ومؤثرة لا فنيا فقط وإنما ثقافيا وحضاريا أيضا.

كانت الموسيقى وما زالت مساحة يتبارى فيها المبدعون في تقديم الجديد والمدهش للجمهور الذي يتابع بشغف ما سيقدم. في دمشق يقدم العازف السوري كنان أدناوي مشروعه الإبداعي مؤلفا وعازفا متمكنا على آلة العود، وفي خطوة جديدة قدم قبل أيام في أوبرا دمشق حفلا تضمن جديدا في مشروعه حظي بثناء الجمهور ومتابعته.

ولا تزال آلة العود الموسيقية تثير الجدل في عالم الإبداع كما لا تزال قادرة على ولوج العديد من عوالم الدهشة عبر مبدعين غاصوا في جوهرها وقدموا فيها مضامين غير مسبوقة.

وعرفت آلة العود منذ العام 2800 قبل الميلاد في بلاد ما بين النهرين (بابل وآشور) في العراق وظهرت في المعابد والقصور ولازمت الحكماء والشعراء، ومنها انتقلت إلى الشام حوالي 1800 قبل الميلاد ومنها إلى مصر حوالي 1600 قبل الميلاد ثم وصلت إلى فارس وتركيا وأوروبا، وكانت لها على الدوام مكانة خاصة عند الناس، وارتبطت لديهم بمفاهيم القداسة والجمال.

وشهدت هذه الآلة قفزات فنية كبيرة في تاريخها، كان من أهمها ما قدمه زرياب في الأندلس، حيث طورها بإضافة وتر خامس لها، وبعدها دخلت إلى صميم الموسيقى الأوروبية وصارت عربيا مصاحبة للغناء، وارتبطت آلة العود بالحكمة، وألفت فيها كتب واكبت بينها وبين حال النفس البشرية وإيقاعات الأبراج الفلكية وتقسيمها على عدد ساعات اليوم، وكتبوا في تأثيرها على الأمزجة بحسب الزمان والمكان.

وفي العصر الحديث ظهرت عدة مدارس اهتمت بها وأخرجتها من كونها آلة موسيقية تابعة للغناء، وعمل عدد من الموسيقيين العرب على إظهارها بشكل مختلف يجعلها طيعة للتأقلم مع مضمون العصرنة، فبحكم دراستهم الأكاديمية العالية في أوروبا والعالم وضعوا الآلة في أماكن لم تكن قد ظهرت فيها سابقا شكلا أو مضمونا، وتميزت المدرسة العراقية في ذلك وهي التي بدأت هذا النهج بتجارب الشريف محيي الدين وجميل بشير ومنير بشير ومن ثم نصير شمة.

تحديات إبداعية

العزف التقني في العالم العربي تطور كليا وصارت هنالك إمكانية تقديم الحفلات بطريقة أكبر عددا وأكثر عصرية

ليلة الخامس والعشرين من الشهر الفائت، أحيا عازف العود السوري كنان أدناوي حفلا موسيقيا في دار الأسد للثقافة والفنون (أوبرا دمشق) قدم فيه مقاربة جديدة في تقديم آلة العود في حالة عصرية فيها روح الشرق وتقنيات الغرب، شاركت كنان أدناوي في العزف فرقة موسيقية شكلها لتخدم منهجية ما سيقدمه من موسيقى في الحفل، فشارك معه محمد شحادة وعلي أحمد على الإيقاع وليلى صالح على الكونتر باص ورهف شيخاني على الهارب وتيما نصر على القانون ومارلا صحناوي على الفلوت وغطفان أدناوي على الكمان وجواد حريتاني على التشيللو والعازف الشهير دلامة شهاب على الساكسيفون والترومبيت. وقدمت في الحفل مجموعة من المعزوفات التي ظهرت فيها آلة العود كواجهة للعرض، مع ارتجالات وعزف منفرد لعدد من الآلات المرافقة.

كانت البداية مع معزوفة تموز التي ألفها أدناوي حديثا ثم قدم معزوفة تراثية كما يعمد دائما، وعزف تانغو من تأليف أمير البزق الفنان محمد عبدالكريم الذي وضع اللحن أساسا لآلته المحببة البزق، لكن أدناوي أنجزها مع المجموعة بتوزيع جديد بسيط فيه تزيينات سريعة ظهر من خلالها بحالة راقية وعصرية، ثم عزف لونغا مجهولة المؤلف وهي كما العادة سريعة وطرح فيها عازف الكمان عزفا منفردا.

ثالث محطات أدناوي والفرقة كانت في مجموعة ألحان على مقام البيات الذي لا يغيب غالبا عن معزوفاته وقدم فيها مع محمد شحادة في الإيقاع مداخلات في العزف على أغان شهيرة لفريد الأطرش وسيد درويش وغيرهما. ومعزوفة مزاج التي قدمها في الحفل لأول مرة حملت فكرة موحية وشكلا غريبا، لكن الجمهور تقبلها فورا وقبل التجربة، ثم قدم معزوفة باسم أمنيات يومية، ثم كانت آخر المعزوفات أوغاريت وجسد فيها هاجسا حضاريا كبيرا وثقافة عامة وموسيقية عالية.

التراث جسر التواصل

الآلات تقدم مزاجها الخاص

الآلات تقدم مزاجها الخاص

يرى كنان أدناوي في حديثه مع “العرب” أن ”التراث الموسيقي العربي بشقيه الغنائي والآلي يمكن أن يكون جسر تواصل بينه وبين الجمهور الشاب الذي يتقبل الموسيقى بشكل فعال. وهو يؤكد على أن مهمة العازف الآن صارت كبيرة ومسؤولة، فالعازف على الآلة الشرقية يدرس بالتوازي معها الهارموني وغيره من الأمور التي هي في جوهر الموسيقى العالمية، وهو يتعرف على تاريخ الموسيقى في العالم”.

ويضيف “عازفو الآلات الشرقية اختلطوا بالبرامج التي يقدمها هؤلاء العازفين العالميين وتأثروا بهم، لذلك فالعازف حاليا قادر على أن يضع الآلة التي يقدمها في المكان الذي يناسبها وفي الإطار الصحيح”.

ويتابع عن الفرق بين العازف والمؤلف في تناول موضوع التراث “العازف المتمكن يمكن أن تضاف إليه إمكانية التأليف الموسيقى، فيظهر من سيكون عازفا أو عازفا ومؤلفا، وآخر موزع وهكذا. وطبيعي أن العازف أو المؤلف سيطلع على موسيقى أخرى وهذا يعني أن هنالك أفكارا جديدة سوف تظهر. في حفلاتي أقدم دائما مقطوعة تراثية، بلغة جديدة، منها تقديم معزوفة ثم عمل ارتجالات عليها، هنا تلعب خبرة العازف على المسرح الدور الرئيسي”.

بالإمكان توظيف آلة العود في أي مكان موسيقي من خلال الدراسة العلمية إن توفرت ومن خلال الأفكار المبتكرة

 ويشدد أدناوي في حديثه لـ”العرب” على أن “التراث قيمته كبيرة وهنالك مؤلفون موسيقيون عرب لهم مكانة هامة وعليا في التراث الموسيقي، وهنالك معزوفات عربية كثيرة يمكن العمل عليها بشكلها التقليدي أو بشكل جديد، منها ما قدمه الرحابنة، وفي مصر هنالك مقطوعات تراثية للموسيقى الآلية، قدمها موسيقيون كبار، منهم رياض السنباطي الذي ألف لونغا شهيرة قدمتها سابقا في إحدى حفلاتي”.

ويضيف “في تراثنا العربي الغناء هو الأكبر مساحة وهو لا يقارن كميا مع مساحة العزف. وأنا استفدت من مؤلفات كثيرة، منها التانغو للموسيقي محمد عبدالكريم الذي تفاعل الناس معه بقوة بحضور الترومبيت والفلوت وبتوزيع بسيط، لأن الميلودي الأساسي فيه جميل وسلس وبقليل من الزخارف والتلوينات صنعنا شيئا جميلا وجديدا.أرى أنه يمكن توظيف آلة العود في أي مكان موسيقي من خلال الدراسة العلمية إن توفرت، ومن خلال الأفكار البسيطة في التوزيع. والعازف لا يخرج من هوية الآلة التي يعمل عليها، ولكن من خلال الكثير من الدراسة والعمل يمكن الخروج بأشكال جديدة سوف يتعرف عليها الجمهور عندما يسمعها ويتمسك بها وهنا تكمن أهمية التعامل مع التراث”.

والتراث عند كنان أدناوي لا يتعلق بتقديم مقطوعات شهيرة في الموسيقى العربية فحسب بل يتناول وضع تآليف موسيقية جديدة لموضوعات تراثية تحمل قيما حضارية عن بلده سوريا أو العالم،  ففي مدينة أوغاريت على الساحل السوري وجدت أول أبجدية وكذلك أول تدوين موسيقي، فكتب عنهما أدناوي مقطوعة موسيقية حملت اسمها.

يقول “معزوفة أوغاريت عمرها لا يزيد عن عامين، قدمتها مرة سابقا، وهي نتيجة محبتي الكبيرة لأوغاريت ولأنها مدينة لها علاقة باللحن الأول والأبجدية الأولى، وهي مكان ينتمي إلى بلدي، لذلك قررت العمل عليه. سمعت حديثا ألحانا قدمت لأوغاريت، فأحسست بأنه يمكنني كتابة عمل موسيقي عنها برؤية مختلفة، فقدمت هذا العمل بصحبة آلات توحي بحضور درامي خاص، أسطوري أو فانتازي أحيانا، ولم أترك مكانا يمكن أن يكون فيه ارتجال للعود إلا وقدمته. وعلى اللحن الإيقاعي تتصاعد الموسيقى فيها وصولا إلى الذروة، التي فيها ميلودي طويلة وتنويعات بين الفلوت وباقي الآلات، هذا العمل أحبه كثيرا وكنت أراهن عليه وحقق أصداء كبرى فاقت المتوقع، وكل شخص شعر بمنطق مختلف ضمن ذات العنوان”.

تجربة موسيقية

الموسيقى جسر تواصل

الموسيقى جسر تواصل

يرى أدناوي أن صياغة الأفكار الموسيقية تأتي من خلال الكثير من التمرين والعزف الدائم، ويمكن أن تأتي من التفاعل مع بيت شعر أو لقطة أو جملة يسمعها الموسيقي، وهي الحالة التي يوفرها المزاج وتخلق العمل في النهاية. في حفله الأحدث قدم مقطوعة جديدة حملت اسم مزاج يقول عنها “هي أحدث عمل كتبته، وهو أقل عمل كلفني جهدا ووقتا، لكنه من أكثر الأعمال التي أعجب بها الجمهور، وتفاعل الناس معه منذ الظهور الأول، وقاموا بتصويره. وكان له صدى طيب عند الجمهور، كما في وصلة الغناء المنفرد على العود التي بدأت فيها بألحان فريد الأطرش وسيد درويش”.

ويضيف “تقوم المقطوعة على وجود العديد من الأمزجة، في البداية تظهر البساطة واللحن فيها موزع على الآلات إذ تكون الديناميكية حاضرة وتظهر متلونة بزخرفة معينة. روح المجموعة كانت في المعزوفة وبسبب الآلية المختلفة في العزف وصل إحساس خاص إلى الجمهور، فالمقطوعة بنيت على لحنين، الأول للأوركسترا والثاني للفلوت والكمان بمرافقة آلات الباص والآلات الإيقاعية، لذلك دخلت الناس في حالة درامية استساغها الجمهور، ثم نصل إلى لحن راقص وحيوي، بمرافقة إيقاعية بحتة، وتتوالى الألحان تباعا”.

صياغة الأفكار الموسيقية تأتي من التمرين ويمكن أن تأتي من التفاعل مع بيت شعر أو لقطة أو جملة

ويتابع “ظهرت الآلات وكأن كل واحدة منها تقدم مزاجها الخاص بها ضمن القطعة كلها. وكان لوجود آلة الهارب بعد جميل وعميق. كل آلة كانت تقدم مزاجها لذلك أحبها الناس، ووصلت إلى الجميع بشكل مختلف وفي نفس الحفل واللحظة واستطعنا كمجموعة تقديم تجربة متماسكة رغم التنوع الكبير، أتمنى أنني كنت موفقا فيها كمؤلف وعازف”.

يراهن أدناوي على أنه ينبغي دائما تقديم الجديد في البرامج الموسيقية، يقول “يجب على العازف في الأوبرا تقديم مشروع جديد، أو على الأقل تقديم مواد جديدة لمشروع قديم. ومن خلال مشروعي على آلة العود قدمت شيئا جديدا في الحفل، رغم كوني مرتبطا بهوية الآلة التي تفرض تقديم شي محدد، ولكن بالدراسة والخبرة والاحتكاك بأساتذة كبار من الخارج وبعض الفرق يمكن تقديم أشياء جديدة، وهي مدارس وأنماط من موسيقى الشعوب، ومن خلالها يستطيع العازف والمؤلف أن يضع آلته في أماكن جديدة، فيمكن وضع العود مع الساكسيفون الأميركي والطبل الهندي أو غيرها من الآلات”.

ويضيف “عزفت بالعود مع بريان آدامز ضمن برنامج محدد، كذلك قدمت في موضوع الارتجال المعاصر محاولات جعلتني أدخل بالعود بطريقة مختلفة، تخرج عن كونه قادرا على عزف الطريقة التقليدية فحسب، وظهر من خلال الارتجال الذي هو مختلف الوجوه. تطور العزف التقني في العالم العربي وصارت هنالك إمكانية تقديم الحفلات بطريقة أكبر عددا وأكثر عصرية وازداد عدد المؤلفين الموسيقيين، وهذا ما يعني وضع إمكانات موسيقية كبرى ضمن تجارب جديدة”.

مصدر الخبر
العرب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.