منذ تأسيسها عام 1949 كان لإذاعة حلب دور رائد في استقطاب أبرز أعلام مدينة الشهباء الغنية بكنوزها الثقافية والفكرية والموسيقية ولتغدو عبر 72 عاماً محطة مهمة في تاريخ وتوثيق الإنتاج الموسيقي الحلبي المعاصر.
وامتلكت هذه الإذاعة العريقة أرشيفاً غنائياً وموسيقياً تعتز به احتوى أرق الكلمات وأعذب الألحان وأجمل الأنغام في حب الإنسان والوطن عبر جميع قوالب التراث الغنائي وخاصة التي اشتهرت بها حلب من موشحات وقدود فأصبحت إحدى ركائز ملف القدود الحلبية الذي تم العمل عليه عام 2018 ليكون على القائمة التمثيلية للتراث الإنساني في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو”.
ومع إذاعة حلب بدأ اعلام هذه المدينة بتطوير ونشر مدرسة حلب الفنية المعاصرة خلال النصف الثاني من القرن العشرين لتكون الشهباء مدينة للفن والفكر والأدب وإذاعتها بيتاً دافئاً لمبدعي المدينة ومن جاء إليها في اختصاصات شتى.
تاريخ الإذاعة ودورها تحدث عنه مديرها عبد الخالق قلعه جي في حديث لـ سانا حيث أكد أنها واحدة من الإذاعات العربية العريقة كما شكلت أحد أهم مفردات الذاكرة الحلبية والسورية منذ تأسيسها وأخذت على عاتقها مهمة التعريف بالحياة الموسيقية والغنائية الحلبية جامعة من أعلام الموسيقا في العزف والتلحين وكتابة الأغاني والغناء ما لم يجتمع لغيرها من الإذاعات.
واستعرض قلعه جي أبرز الأسماء التي أغنت المشهد الموسيقي ومنهم الدكتور فؤاد رجائي آغا القلعة والموسيقار الشيخ علي درويش وعمر البطش وبكري الكردي وصبري مدلل وعزيز غنام ووانيس وارطانيان وأنطوان حكيم وممدوح الجابري ومحمد رجب وبهجت حسان وحسن بصال وأحمد الفقش وصباح فخري ومحمد خيري ومصطفى ماهر ومها الجابري وغيرهم.
ومن كتاب الأغنية والشعراء الذين كان لهم بصمة مهمة في إذاعة حلب منهم حسام الدين الخطيب وشاكر بريخان وأنطوان مبيض وتوفيق عنداني ويوسف طافش وعمر البابا.
وأشار قلعه جي إلى أن أول التسجيلات في إذاعة حلب يعود لعام 1957 بعد اعتماد تقنية التسجيل وقبلها كان كل ما يقدم على الهواء مباشرة وعلى الموجة العامة مشيراً إلى أن الإذاعة لم تكتف باستقطاب كبار المطربين بل احتضنت أيضاً المواهب الشابة لتكون فسحة لإظهار إنتاجاتهم وإبداعاتهم.
والاهتمام بالجانب الغنائي والموسيقي كان واحداً من أهم الأدوار التي لعبتها إذاعة حلب عبر خطين وفقا لقلعه جي الخط الأول يتعلق بتوثيق التراث الغنائي الموروث والمتناقل سماعاً من قدود وموشحات وأدوار وقصائد وتدوينها بالنوطة الموسيقية وتسجيلها في الإذاعة إضافة إلى توثيق وتدوين وتسجيل الموسيقا والآلية التراثية التي عرفت بها الشهباء من البشارف والسماعي والتحميلة والدولاب والتقاسيم واللونغا.
وتابع.. الخط الثاني يتعلق بالإنتاج الغنائي الجديد استمراراً وإغناء لمدرسة حلب الفنية من موشحات وأدوار وقصائد وقدود وغيرها من الألوان الغنائية الأخرى ولهذا الغرض شكلت فرقة موسيقية للإذاعة ضمت أبرز العازفين في ذلك الوقت كما عينت لجان للاستماع وكانت تقر المنتج الفني غنائياً كان أو موسيقياً وتجيز عرضه في الإذاعة وحفظه في الأرشيف.
وأشار قلعه جي إلى أنه إضافة إلى الموشحات تأتي القدود الحلبية كواحدة من أهم الألوان الغنائية التي أنتجتها حلب وأولتها الإذاعة احتضاناً وحفظاً واستمراراً وبعد أن تم تدوينها جمعت في وصلات حسب النغمة التي لحنت عليها فهناك وصلة للبيات وأخرى للصبا وثالثة للحجاز ورابعة للسيكاه.
وبين أن أهل حلب عملوا على إضافة القدود إلى سهراتهم وحفلاتهم فكانت غالباً ما تأتي في النصف الثاني من السهرة بعد دولاب موسيقي “لحن موسيقي آلي رشيق إيقاعياً يتناسب مع حيوية القدود” إضافة إلى تقاسيم ومواويل تتخلل وصلة القدود.
ويحتفظ أرشيف إذاعة حلب بما يعرف بـ “المجموعة” والتي كانت مؤلفة من الكبار صباح فخري ومحمد خيري ومصطفى ماهر وسحر حيث يتم تبادل الأدوار والتوزيع في غناء هذه الوصلات.
وفي حقيبة الإذاعة أيضاً باقة من البرامج الفنية التي استضافت عشرات الأسماء الكبيرة والمعاصرة والشابة منها الراحل الكبير صباح فخري ومصطفى ماهر وحسن حفار وميادة بسيليس وفاتن الحناوي وشادي جميل ونهاد نجار وعمر سرميني وصفوان العابد وسمير جركس وحمام خيري ومصطفى هلال وفؤاد ماهر وناديا جميل وشهد برمدا وغيرهم الكثير.
ومن الموسيقيين القديرين الذين استضافتهم الإذاعة محمد قدري دلال ومحمد قصاص وجلال جوبي وعبد الحليم حريري وعبد الباسط بكار وجورج جرداق.
واليوم لا تزال إذاعة حلب تبث يومياً القدود الحلبية والموشحات لتبقى حية مستمرة يحفظها الصغير قبل الكبير فالسر في القدود ما فيها من بساطة وصدق وجمال يغني الحياة والحب والإنسان.
رشا محفوض
