تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

ألمانيا والحدّ من تعاظم الدور العالمي..؟!!

مصدر الصورة
وكالات - أرشيف

قالت المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، قبل أيام إن جائحة كوفيد-19 تغيّر ميزان الاقتصاد العالمي، في ظل معاناة العديد من البلدان من تراجعات اقتصادية بسبب أزمة فيروس كورونا. وأضافت أن الاقتصادات التي ثبت أنها الأكثر متانة هي تلك التي تمكنت من السيطرة على الجائحة.

هل لخّصت السيدة ميركل وضع الاقتصادات الدولية برمتها بهذه العبارات القليلة؟ ربما. فقد كشفت جائحة فيروس كورونا واقع الاقتصادات الدولية، لاسيما تلك التي تعتبر نفسها في الصدارة؛ الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، الصين روسيا وألمانيا نفسها وغيرها.

لن ندخل في تفاصيل هذه الاقتصادات لأن موضوعنا هو ألمانيا كقوة اقتصادية قاطرة للاتحاد الأوروبي؛ ألمانيا كعضو في حلف الناتو، وذلك من خلال تسليط الضوء على علاقات برلين مع كل من واشنطن وبكين وموسكو، وبالتالي "الدور الألماني" الفاعل على الساحة الدولية، حيث تقود السيدة ميركل منذ سنوات، بلدها باقتدار وثبات نحو المستقبل رغم التحديات الكثيرة.

ونبدأ بالعلاقات الألمانية الأمريكية، حيث كان الألمان ينظرون بقلق إلى العلاقة مع الولايات المتحدة تحت رئاسة دونالد ترامب، الذي عمل على سحب آلاف الجنود الأمريكيين من ألمانيا وطالب الدولة الأوروبية برفع نسبة مشاركتها في تمويل حلف الناتو، وكاد يفجّر العلاقات بين البلدين، لكن المستشارة الألمانية تمكنت من "امتصاص" الهيجان الترامبي، وهي تتحضر الآن للتعاون مع الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن. وفي الحقيقة تخضع العلاقات الألمانيةـ الأمريكية لإدراك متفاوت من قبل مواطني البلدين؛ ففي الوقت الذي ينظر فيه الأمريكيون إلى هذه العلاقة بحسب ترتيب الأولويات، ينظر لها الألمان من وجهة نظر أكثر برغماتية. ورغم التوترات من وقت لآخر، فألمانيا والولايات المتحدة مرتبطتان بالفعل بشراكة خاصة، كما يشعر مواطنو البلدين؛ العلاقات بين ألمانيا والولايات المتحدة ليست سيئة، لكنها بعيدة عن أن تكون علاقة ممتازة.

أما بالنسبة للعلاقات الألمانيةـ الصينية، ورغم الحديث عن مشاكل في العلاقات والمفاوضات مع الصين بهدف تنظيم العلاقات التجارية والاستثمارية معها، تعود التجارة بين الطرفين إلى الازدهار مجدداً. ومن خلال المعطيات المتوفرة يمكن القول إن انتعاش الاقتصاد الصيني يبدو لصالح ألمانيا أكثر من أي دولة صناعية أخرى. ويذهب البعض إلى حد القول إنّ هذا الانتعاش ينقذ المصدرين الألمان. ومن الأدلة على ذلك أن ما يزيد على 45 بالمائة من صادرات صناعة السيارات الألمانية التي تشكل قاطرة الاقتصاد الألماني، ذهبت إلى الصين في الربع الثاني من العام الجاري. وقد كشفت جائحة كورونا والحرب التجارية بين واشنطن وبكين عن مخاوف مطردة لدى دوائر صنع

القرار الغربية من تنامي القوة الصينية وتداعيات ذلك على ريادة العالم، حيث قد يدفع الغرب اليوم ثمن انقساماته أمام القوة الآسيوية الصاعدة، لكن العلاقات الألمانيةـ الصينية مستمرة والتعاون مستمر.

وفيما شهدت العلاقات بين ألمانيا وروسيا تدهوراً كبيراً لعدة أسباب، إلا أنها لم تصل إلى حد القطيعة. ولا شك أن روسيا حصلت في السنوات الأخيرة على وزن سياسي خارجي أكبر، وقد أثمرت لقاءات الرئيس فلاديمير بوتين والمستشارة ميركل عن تعزيز التعاون في مجال صناعة الطيران وإمدادات الطاقة، إذ وبقدر ما تحتاج برلين لروسيا كسوق للصادرات الألمانية وكمصدر للطاقة، فإن موسكو لا تستطيع الاستغناء عن ألمانيا كسوق لمنتجاتها من الطاقة التي يعتمد عليها اقتصاد البلاد بشكل كبير.

كما أن هناك معادلة أخرى في العلاقات بين البلدين وهي أن روسيا ترى في ألمانيا بوابة مهمة إلى الاتحاد الأوروبي وبديلاً مناسباً للتحرر من أي ضغوط غربية وأمريكية بوجه خاص. وحسب المعلومات، فإن ألمانيا هي الشريك الاقتصادي الأكبر لروسيا في الاتحاد الأوروبي. ويصوّر البعض العلاقات الألمانية ـ الروسية الحالية بأنها شبيهة بزواج يفتقر إلى الحب، ومع ذلك يسود الاعتقاد بأن هذا الزواج سوف يستمر نظراً للمصالح المشتركة وحاجة الطرفين لبعضهما البعض.

وفي السياق، خلصت غرفة التجارة والصناعة في دوسلدورف إلى أن أوروبا تتكبد خسائر قيمتها 21 مليار يورو سنوياً إثر العقوبات الاقتصادية على روسيا. وأشارت إلى أن الصناعة التحويلية والهندسة الميكانيكية وصناعة السيارات والصناعات الكيماوية في دول الاتحاد الأوروبي، عانت أكثر من غيرها جراء القيود ضد روسيا. وبيّنت أن رفع العقوبات سيعود بالفائدة على الجانبين الروسي والألماني. وخلصت إلى أن الوضع في الأسواق الدولية أصبح أكثر تعقيداً، وأن سوق المبيعات الروسية لديها إمكانات كبيرة للشركات الألمانية متوسطة الحجم.

ومن الملاحظ في متابعة العلاقات الألمانية مع هذه الدول الثلاث أنّ ألمانيا تنتهج خطاً متوازناً إلى حدّ كبير، يعكس المنطق الألماني والتفكير الألماني والمصالح الألمانية. بكلام آخر، يمكن القول إنّ السياسة الألمانية متحفظة تجاه الأزمات وموضوعات السياسة الخارجية؛ فغالبية الألمان لا يرون أنّ على ألمانيا تحمّل المزيد من المسؤولية دولياً، وهذا ينطبق أيضاً على الالتزام الألماني تجاه الأزمات؛ السياسة الألمانية تتبع نهجاً يضمن حماية المصالح الألمانية وتعزيز الاقتصاد الألماني وتفوقه، وبشكل يحمي/ يبقي الدور الألماني ضمن حدود لا تتجاوز سقفاً معيناً ولا تقود إلى تسليط الضوء على القوة الألمانية التي ربما كانت السبب في الحربين العالميتين الأولى والثانية؛ ألمانيا تسعى إلى الحفاظ على دور دوليٍّ متوازن ومحدد ولا يتجاوز حدوداً مرسومة..؟!!

                                                                       بـديـع عفيـف

 

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.